الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 05th June,2006 العدد : 156

الأثنين 9 ,جمادى الاولى 1427

شوق
عبد الله سليمان الطليان - الخرج
عادت الذاكرة بحنين إلى الوراء، ورسمت على وجه الجد العجوز صورة الماضي الذي لن يعود، لكن الموقف شده وراح يشحذ الفكر نحو التذكر، ومهما عمل الزمن من أثر بسبب الكبر إلا أنه ما زال هناك بقية لم تنحتها عوامل الهرم والتقدم في السن.
بدأ الجد يغرق في الخيال، والصمت مطبق عليه، جالساً بقرب تلك المدفأة التي تعطي ذلك الجسد الشعور بالدفء الذي هو حاجته في قتل برودة الشتاء القارس لجسم بدأت الشيخوخة تزحف إليه من خلال جفاف جلده وظهر جلياً وواضحاً على يديه ووجهه. وفجأةً مزق السكونَ والهدوءَ صوتُ حفيده، إنها ساعة الرياضة المعتادة في كل مساء. قبل الحفيد رأس الجد بشيء من الاحترام والتوقير، ثم أمعن في وجهه فرآه غارقاً في التفكير؛ حيث إن الكلمات لم تخرج من فمه إلا بشكل ينم على أن الجد لم يكن يشعر بوجوده؛ مما جعل الحفيد يرسل تلك النظرات إلى وجه الجد. لقد كانت عيناه مسمرتين في الجدار، فأرسل صوته قائلاً: ما بك يا جدي العزيز؟ فرد عليه بعد فترة وبهدوء: إنني في شوق إلى أيام الصبا، سمعت صوتك وعرفت أنه موعدك للخروج، فعدت إلى الوراء وبشكل جارف متناسياً ما حولي، فلم أشعر بوجودك إلا هذه اللحظة.
لقد ملك تفكيري رحلة العمر الطويلة وما وصلت إليه الآن، إنك تجهد نفسك لكي تكسب جسماً رشيقاً يمتلئ حيوية ونشاطاً، أما أنا فلم أزل أذكر أنني عملت بجهد مضنٍ، بل إنه أحياناً تخور قواي من التعب والإرهاق في سبيل الحصول على لقمة العيش، فكنت من الصباح الباكر في صراع مع الأرض عناءً وعملاً شاقاً في تلك الحقول والمزارع حتى نهاية النهار، نأتي بعدها ونطرح أجسادنا فوق قطعة بسيطة من القماش. هذه رياضتنا، ليست مثل رياضتك، أنت هنا تعيش في زمن الرفاهية حيث تذهب كيفما تشاء وعلى حسب رغبتك.
الحفيد: لا تكن قاسياً يا جدي، كل شيء يتغير، وزمانك ليس زمني.
الجد: وهل سيطول تمرينك الرياضي؟
الحفيد: إنه كالمعتاد لا يتعدى ساعة واحدة.
الجد: لماذا أنت متعلق بذاك الرصيف؟ ألم تجد مكاناً أفضل منه؟ إنه يعج بالسيارات المزعجة الخانقة.
الحفيد: لا أعرف سر تعلق الناس به، يوجد العديد من الأماكن الأفضل منه، ولكنهم منجذبون إليه صغيراً وكبيراً، ذكراً وأنثى.
جاءت دقات الساعة لكي توقف الجدال وتعلن تمام الخامسة مساء؛ إنه موعد خروج الحفيد الذي كان مستعداً بكامل ملابسه، وما هي إلا لحظات حتى سمع صوت منبه السيارة؛ إنهم أصدقاؤه. نظر الجد إليه وقال: اذهب إلى رصيفك ودعني وحدي؛ فإني أشعر بغلبة النعاس، ولي رغبة في النوم.


abdllh-800@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved