الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 5th July,2004 العدد : 66

الأثنين 17 ,جمادى الاولى 1425

حسن القرشي.. الشاعر الذي قدمه طه حسين قبل أن نقدمه!!

* عبد الله سالم الحميد
الحلقة الأولى
منذ أن زغردت أصوات عصافير الشعر في أسماعنا قبل أكثر من ثلث قرن من الزمان صحونا على تغريد الشاعر حسن القرشي الذي حمل همّنا وهمه، وهموم أمته ليصدح بها في كل نادٍ، وكل منتدى على منابر الشعر والسياسة والإعلام عبر امتداد الوطن العربي والإسلامي، في كل قناة ونافذة تستقطب الصوت الشعري الذي يعبر عن معاناته، ومعاناة أمته بكل شفافية ومصداقية تنبض بها هواجسه وأوتار وجدانه، ونزيف فكره.
* كان الأستاذ الشاعر حسن القرشي صوتاً حاضراً مؤثراً ضمن نخبة من جيل الرواد الذين يطمح كل منهم إلى المنافسة الفذة بكل فعالية وجدارة واقتدار.
* ولابد لكل حضور متميز، ولابد لكل انطلاقة فذة معبرة أن تلقى صداها وتؤتي أكلها، ثم تبقى في أنسجة الذاكرة، وأعماق الوجدان ألقاً لا يمكن أن ينسى. لذلك يبقى صوت شاعرنا الأستاذ حسن القرشي ذا صدى شجي وأبعاد أثيره تظل بعد غيابه الحزين ذكرى شاهدة على وجود شاعر معبر قدم لفكره وأمته أعمالا تستعصي على النسيان.
* ولأن تجربة الشاعر حسن القرشي من التجارب المسكونة بهواجس الألفة والامتزاج مع الفكر والتربية والنبوغ، لابد لنا أن نقف عندها طويلاً، ولابد أن يعيها جيل الحاضر ليتعرفوا إن لم يشهدوا آنذاك ما تتمتع به شخصيته من مبررات الحضور وإمكانات الإبداع، وفاعلية الانتماء.
ولا يقتصر ذلك الحضور الأثير على الشعر، وإنما هو حضور متعدد الأنماط كما ستتطرق له هذه القراءة عن شخصية القرشي.
* في مكة المكرمة ولد الشاعر حسن عبدالله القرشي عام 1344هـ، وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدرسة الفلاح بمكة المكرمة، ثم واصل تعليمه في المعهد العلمي السعودي حتى حصل على شهادته، ثم التحق بقسم التاريخ في جامعة الملك سعود بالرياض.
وعن بداية حياته وتجربته الشعرية يحدثنا الشاعر حسن عبدالله القرشي فيقول: (فتحت عيني على عالم الشعر هذا العالم السحري في شوق فارط ونشوة مبهورة، أريد أن أتكلم في المهد، أريد أن أقدم إنتاجا ناضجاً مشحوناً بالحيوية والدفق ولقطات الفن المبتكرة، أريد أن أكون الشاعر الذي يشار إليه بالبنان، كنت ذلك الطفل المنطوي على نفسه، تغيم في عينيه الرؤى وتغمض ثم تتبلج، وتتضح، ذلك الطفل الذي يسدر بصره في المجهول، ويتعلق فكره بالذرا، ويتيه خياله في أودية الغربة، ثم يعود إلى واقعه فيشعر بالأبعاد الشاسعة المترامية بين مسيرة الخيال وبين ظل الحقيقة.
كانت تجربتي في مخاضها وولادتها محددة، ولكن ثروتي من التصورات كانت كبيرة، ولم يكن زادي اللغوي قليلاً مع سني الصغيرة يومها فلقد حفظت القرآن الكريم، وأنا دون العاشرة، وكانت أذني السماعة وذاكرتي اللاقطة تساعدانني على حفظ الكثير من أبيات الشعر من قصائد.. كان الوالد رحمه الله يرددها، وكان راوية فذَّا للشعر وقارضاً مقلاً له).
ومن قصائد البدايات لشاعرنا الأستاذ حسن القرشي قصيدة بعنوان (ترنيمة قلب) يقول فيها:
رقرقي لي الحب أنفاسا من الشغر النضير
تسكب النشوة والفرحة في قلبي الكبير
وتزف الحلم الغارب دنيا من شعور
هي لحن قدسي اللحن.. ثر بالحبور
كم بها استشرفت آمالي وآفاق ضميري
وتطلعت إلى الآتي دفيقاً بالعبير
زاخراً بالسحر والفتنة.. والوجد الكبير
يا فتاتي.. ظمىء الحب.. ألا قبسةُ نور
كان والد شاعرنا (القرشي) يطمح إلى أن يرى ابنه الوحيد حسناً في طريق الأدب ذا شأن ونبوغ، فقد أدخله (الكتاب) بمكة المكرمة ليتعلم القرآن وعلوم اللغة العربية، وانتقل الوالد الحاني إلى رحمة الله، ولم يزل ابنه الشاعر في أولى درجات التحصيل والتفتح نحو آفاق الطموح والشاعرية، وقد خفقت في كيانه ألوية التطلع والنبوغ، فاتجه إلى مواصلة تعليمه وغرس شتلات تكوينه المعرفي والثقافي عبر القراءات المكثفة في الأدب والشعر، وتغذية موهبة الشعر التي انبثقت في وجدانه وسكنت أعماقه، وتعهدها أساتذته وأصدقاؤه ومعاصروه من الشعراء والأدباء والنقاد الذين حرص الشاعر حسن القرشي على ملازمتهم وتوثيق عرى الصداقة المثمرة التي انعكست على حياته وشعره.
وعندما نقرأ أو ننصت إلى هذه الأبيات لشاعرنا حسن القرشي، وهو يصور لحظة من لحظات الفرح والسعادة في حياته نشهد تراقص العبارات مع هاجس الشاعر إذ يقول:
وما كان أسعدها لحظة
عبْرتُ الحياة بها للخلودْ
أجدَّت بروحي رحيق المنى
وأحيتْ بقلبي معاني النشيد
وصاغت لي العمر أغرودة
تُرددُ من صادقات العهود
هي السحر نشوان في جنةٍ
تفيض بنجوى.. وتشدو بعود
هي الكون نضاحة ضفتاه
بكل بهيج سني نضيد
أفديك من لحظة بردْ
ذخرتُ لها نور حبي الجديد
وغلفتها بشغاف الفؤاد
ورقرقتها لعذارى القصيد
أتاحت لدنياي أن تنجلي
رؤى هشة بالسنا والسعود
ربيعية الوشْي.. مفتونة
بكل جمال سري فريد
وشعشعت الحب في خاطري
سلاماً ودفئاً لقلبي الودود
أحنُّ لها كل ما روعتني
طيوف الشجون بهول شديد
أخفُّ لها كلما صاولتني
أكف الخطوب بجهد جهيد
فترهف من عزمتي للصراع
وتشحذ من همتي للصعود
وتحملني بسناها الفتى
إلى عالم عبقري بعيد
في مشوار رحلتنا مع الشاعر حسن عبدالله القرشي نستشهد في التعرف على قراءاته، ومصادر عطائه الشعري المتواصل بما قاله الشاعر في استعراض (تجربته الشعرية) عند قيامه بنشر عدد من دواوينه ضمن مجموعة من جزأين إذ يقول عن ذلك: (لقد حفظت الكثير من شعر شعراء المعلقات المعروفين، ثم كثيراً من قصائد الشعراء العرب في عصريه الأموي والعباسي، كعمر ابن أبي ربيعة والأحوص والعرجي وعبدالله بن قيس الرقيات، والفرزدق والأخطل وجرير ودعبل الخزاعي، ثم من قصائد أبي تمام وابن الرومي وأبي العلاء المعري والأحنف بن قيس وأشجع السلمي وأبي نواس، وأعجبت بالموسيقى الشعرية التي تترقرق في شعر البحتري فهذا الشاعر هو حقاً من أساتذة الموسيقى الشعرية وأحد روادها، وتركز إعجابي في الشاعر الخالد أبي الطيب المتنبي، وحفظت معظم ديوانه، وأعجبت بشعر تلميذه المخلص لمدرسته (الشريف الرضي) ولدي دراسة عنه، وقرأت بعد ذلك لشعراء العصور المتأخرة كالأبيوردي وسبط بن التعاويذي والصوفيين منهم على الأخص، كعمر بن الوردي وعمر بن الفارض والأبوصيري).
ولم تقتصر قراءات شاعرنا على قراءة الشعر القديم، وإنما كان لقراءاته المكثفة إيغال في الشعر المعاصر، وإنتاج الشعراء والأدباء المعاصرين، فقد قرأ لشوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران والأخطل الصغير، وعمر أبي ريشة والرصافي والجواهري، وقرأ لشعراء المهجر جبران وإيليا أبي ماضي والقروي وفوزي المعلوف ونعيمة، ومن شعراء مصر أيضاً قرأ شاعرنا القرشي أعمال العقاد والمازني والزيات وعلي محمود طه واحمد رامي وإبراهيم ناجي ومحمود حسن إسماعيل وغيرهم.
وكانت تربطه بعدد من هؤلاء الأدباء والشعراء علاقات صداقة وثيقة، وقد أعجب بصديقه الشاعر محمود حسن إسماعيل وأبي القاسم الشابي وألف عنه كتاباً يتناول معاناته وحياته الفكرية والشعرية، وانعكست قراءات شاعرنا على معاناته وعطائه الشعري المكثف المتتابع، كما يلحظ ذلك من يقرأ قصائده قراءة نقدية راصدة.
في مقطع من قصيدته بعنوان (شاعرة) يقول القرشي:
بربك من ذا حباك الخيال
فرفَّ لديك رفيف الجمال
وراقصك الفجر عذب الرؤى
وشام بك البدر أبهى مثال
وتاهت بك الشمس دنيا الغرام
فهل كنت للشمس دنيا المآل
وغازلك الروض في نشوة
وغازلته غير ولهى دلال
سكبت له كل عطر سري
ورشتيه بالنور أسنى اللآل
وبادلك الروض سحر المنى
طيوفاً.. وسحر عطور الوصال
فما كان وصلك غير الخلود
زها عبقري الجنى والخلال
وما الشعر إن لم يكن في يديك
حليف جوى أو قرير امتثال
وما الزهر إن لم تناغم لغاك
أمانيه طرباً واختيال
أعيذك من شرِّ هذا الورى
وما فيه من نفثات الصلال
إن طموح الشاعر يتجاوز الإقليمية والبيئة إلى آفاق تعانق الخيال، لذلك نشهد له ألواناً زاخرة من الهوايات والاهتمامات الفنية والشاعرية الاجتماعية وغيرها، وها نحن نرى عدداً من الشعراء الذين يؤكدون حضورهم في ميادين شتى، وتتوفر لديهم اهتمامات متشابهة، ولعلنا نرصد الهم الوطني الإنساني المشترك متوزعاً على أنسجة عطاءاتهم جميعاً، ونشهد ذلك التوافق في المهمات الدبلوماسية والإعلامية منسجمة مع التمازج الأدبي لدى الشعراء عمر أبي ريشة والدكتور غازي القصيبي ومحمد فهد العيسى ونزار قباني، ولدى شاعرنا حسن القرشي، لذلك لا نستغرب أو نستبعد تأثره بالمبدعين من زملاء المهنة ورفاق المعاناة الشعرية، فشاعرنا القرشي له اهتمامات إعلامية حيث ساهم في العمل الإذاعي إلى أن وصل إلى درجة (كبير المذيعين) عند تأسيس الإذاعة السعودية، ثم انتقل إلى العمل الإداري بوزارة المالية، ثم وزارة الخارجية، حيث عين مفوضاً بتاريخ 181393هـ، وفي عام 1399هـ عيّن سفيراً للمملكة بالسودان، ثم انتقل إلى موريتانيا سفيراً للمملكة بها، وعلى الرغم من مسؤولياته العملية، فإن حضوره في الميدان الأدبي والمهرجانات الفكرية والأمسيات الشعرية من أهم ما يعنى به شاعرنا الأستاذ حسن القرشي، من تلك المناسبات التي اشترك فيها مناسبة الاحتفال الثاني بجائزة الدولة التقديرية للأدب عام 1404هـ حيث ألقى عدداً من القصائد في الأمسية الشعرية التي أقيمت ضمن فعاليات الحفل آنذاك، ومن تلك القصائد قصيدة بعنوان (سجين الحياة) التي يقول فيها:
حسبي..فما أبتغي خلاًّ يبادلني
بالمين ودَّ بليد الحسِّ ثرثار
أكاد أحسب نفسي حين أصحبه
منقراً يتشكى غربة الدار
حسبي.. فقد عفت أنسامي وأنواري
وعدت في مهمه باليأس موار
حسبي لدى الصبح إشراق يهدهدني
وفي المساء محيّا الكوكب الساري
أسجو مع الليل في دنيا رغادته
فيفعم الليل بالأنغام أسحاري
والليل دنيا من الأحلام طافحة
لمن يعيش من البلوى على نار
وما رضيت لنفسي أن تلين، وما
كنت الخؤون لآمالي وأفكاري
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved