الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 5th July,2004 العدد : 66

الأثنين 17 ,جمادى الاولى 1425

«وطنُ الحب».. والذائقة الشعرية

* حمد العسعوس
إذا أُطلق مصطلح (الذائقة الشعرية)..، فإنه يعني من وجهة نظري القدرة على:
قراءة النصوص الشعرية قراءة فاحصة تؤدي إلى فهمها واستيعابها والدخول إلى أجواء النص وفك رموزه..
التمييز بين الجيد والرديء من النصوص، والاستجابة للنصوص الجيدة والاستمتاع بجمالياتها.
تحليل النصوص، وإبراز جوانب القوة أو الضعف، وأوجه الجمال أو القبح فيها.
الوقوف على ما قد يكون في النص من أخطاء لغوية أو عروضية، والتنبيه إليها.
هذه الذائقة يبدو مع الأسف الشديد أنها آخذة في الانحدار، بدليل ما يُنشر في الصحف المحلية من نصوص شعرية متواضعة.. لكنها قد تُنشر على صدر صفحة كاملة وملونة، بينما نجد نصوصاً أخرى ناضجة تُنشر في صفحات القراء..؟!
إن المتابع للنصوص التي تُنشر في الصحف المحلية، ولديه اهتمام بالشأن الشعري ويمتلك صفات المتذوق للشعر.. لا بد ان يلامس هذه الظاهرة، ولا بد ان يقف على حجم المأساة التي تعاني منها مسيرتنا الشعرية..
إن المدرسة الشعرية السعودية تُعد مدرسة منكوبة، أُبتليت بالمنتفخين وبالهلاميين وبالأدعياء وبطلاب الشهرة الذين امتلأت بهم الساحة، وصاروا يسيطرون على منابرها..!
أولئك الذين يؤمنون بالأسماء.. الأسماء الكبيرة والشهيرة التي يحفظونها جيداً، ويركضون وراء أصحابها، ويستجدون نصوصهم، ويبالغون في الاحتفاء بها.. لكنهم لا يمتلكون الذائقة الشعرية التي تجعلهم قادرين على التمييز بين الجيد أو الرديء.. وبين الغث أو السمين.. وبين الجميل أو القبيح..!
وقد يكون بينهم من يمتلك هذه الذائقة لكنه غير مخلص لعمله، وليس لديه الاستعداد لقراءة النصوص وتصنيفها وإعطائها القدر الذي تستحقه من الاهتمام..!
بل إن بعض المشرفين على الملاحق الأدبية، وصفحات الشعر.. قد يُوكل هذه المهمة إلى صغار المحررين.. بينما يكتفي هو بوضع اسمه بالخط العريض على ترويسة الملحق أو الصفحة الرئيسة..؟!
هؤلاء وأمثالهم أُبتليت بهم الصحف المحلية.. ونراهم يسيئون للشعر وللشعراء وللحركة الشعرية في المملكة بشكل يومي، دون رادع..؟! يرفعون من يشاؤون، ويخفضون من يشاؤون.. ويقدمون ويؤخرون على هواهم.. ويعبثون بالشعر..!! في حين يواجهون بالصمت المطبق، وبعدم المبالاة، سواء على مستوى المؤسسات الثقافية، أو من قِبل الأدباء، والشعراء وأصحاب الاهتمام بالشأن الثقافي..؟!
قد يتساءل البعض عن السبب الذي يقف خلف إثارتي لهذه القضية..؟!
وهو تساؤل مشروع.. وللإجابة عليه أود أن أوضح أن هناك سبباً مباشراً، وسبباً غير مباشر لهذه الكتابة عن هذه القضية وإثارتها بالذات..؟!
** ولنبدأ بالسبب غير المباشر، وهو المتمثل في غضبي الشديد على تلك الإهانة الكبيرة التي توجه للشعر والشعراء بشكل يومي على صفحات الصحافة المحلية..!
تلك الإهانة التي يقف وراءها الجاهلون بالشعر، وأصحاب المصالح، وأقسام الإعلانات في الصحف.
إن قصيدة الإعلان بالذات قد فتحت الباب واسعاً لدخول الأدعياء والمتسولين إلى مملكة الشعر بدون الحصول على الهوية أو على تأشيرة الدخول..!!
وإن هذه الأوضاع المتردية في ساحة الشعر السعودي تشكّل معاول هدم للقصيدة وللإبداع.. الأمر الذي لا يحتمل الصمت..
** أما السبب المباشر لهذه الكتابة، فهو أن أحد أصدقائي الشعراء قد لفت انتباهي لنص جميل، تم نشره في صفحة القراء المبتدئين بإحدى الصحف المحلية..؟! وعندما قرأ صديقي النص أمام مجموعة من الشعراء والمتذوقين، عبّر الجميع عن إعجابهم بالشاعر، وبالقصيدة..، كما عبّروا عن استيائهم من نشر هذا النص الرائع في صفحة القراء..؟!!
علقت أنا قائلاً:
لو كان هذا النص يحمل اسم أحد الشعراء المعروفين، لنُشر على صفحة كاملة.. أو على نصف صفحة على الأقل.. نظراً لجمال النص من ناحية، ولأنه يتناول قضية الوطن والإرهاب بشكل لافت.. لكن كان ذنبه الوحيد أنه لشاعر لم يدرج اسمه في قائمة الشعراء الكبار أو المشهورين.. فكان نصيبه أن يدفن في صفحة القراء..؟!
** النص بعنوان (وطن الحب) للشاعر الجميل محمد سعود عبدالعزيز آل طالب..؟!
إذا كنتم مثلي لم تسمعوا بهذا الشاعر، ولم تقرؤوا له من قبل.. فاحفظوا اسمه جيداً..؟! لأنه قادم بقاربه على أمواج الشعر العاتية..!
احفظوا اسم (محمد آل طالب) في المكان الذي يليق به في الذاكرة، فهو جدير بالاحترام وبالاهتمام، وأتوقع أن يكون له شأن وحضور باذخ..
ويا أيها المشرفون على صفحات الشعر والأدب.. لا تنساقوا وراء الأسماء الكبيرة، وتهملوا الأسماء القادمة من أُفق الشعر الجميل، ومن رحم القصيدة..!!
** ولنستمع إلى محمد.. بل إلى مقاطع من معزوفته الوطنية الباذخة:
** القصيدة تتجاوز الستين بيتاً..
وهذا مؤشر على طول نفس الشاعر.. إذْ يندر في الوقت الحاضر من يمتلك القدرة على كتابة نص تناظري تتجاوز عدد أبياته الستين بيتاً.. وإن كانت العبرة في جودة القصيدة ليست بالكم، ولا يقاس جمال الشعر بالطول والعرض..
** وفي الختام ينبغي التأكيد على وجود بعض الأخطاء الصغيرة التي لا تؤثر على جمال هذا النص الشعري، ولا أعتقد أنها تغيب عن فطنة القارئ الذي يمتلك ذائقة سليمة..
ويبقى ان أُحيي هذا الشاعر الجميل، وأنتظره في نصوص قادمة بجمال هذا النص وروعته؟
** وبمناسبة الحديث عن الذائقة الشعرية.. لا بد من الإشارة إلى أن من أبرز مظاهر انحدارها، وفسادها:
1 أننا نصدم كثيراً بنشر قصائد على صفحات كاملة وملونة.. وهي في الواقع لا تستحق أن تنشر في صفحة القراء والهواة..!
والعكس صحيح.. فكثيراً ما نطالع نصوصاً في صفحات المبتدئين، وبها من القوة والجمال ما يؤهلها للنشر على صدر الملحق أو الصفحة الأدبية..؟!
2 أننا نصدم بشكل يومي بأشخاص متعلمين وأصحاب مناصب يعرضون أبياتاً أو مقاطع أو قصائد على الآخرين، ويتباهون بعرضها في كل مجلس، يعتقدون أنها جميلة.. بينما هي في الواقع متهالكة.. ومكسرة.. ولا تمت إلى الشعر بصلة..؟!
3 أننا نسمع ونقرأ عبارات الإشادة بنصوص ضعيفة.. وبمجموعات شعرية رديئة.. وبشعراء لا يمتلكون ما يؤهلهم لحمل هذا اللقب أو هذه الصفة..؟!
**ولقد ناقشنا هذه الظاهرة (فساد الذائقة الشعرية) في ذلك المجلس الذي استمعنا فيه إلى (وطن الحب)..، واتفق الرأي على ان السبب الذي يكمن وراء الظاهرة هو ضعف النصوص المقررة على طلاب وطالبات التعليم العام، والتعليم الجامعي، وسوء اختيارها..! كما اتفق الرأي على ضرورة إعادة النظر في تلك النصوص، واستبدالها بنصوص أخرى لشعراء بارزين ومعاصرين، مع التركيز عند الاختيار على ديوان الشعر السعودي.
النص الكامل للقصيدة وهي منشورة بجريدة الرياض الصادرة يوم الجمعة 1831425هـ :
وطن الحب
شعر/ محمد سعود عبدالعزيز آل طالب
سامحيني إن خانني التعبير
ما أنا اليوم أخطل أو جرير
واعذريني إذا بدوت كسيراً
خاطر العشق دائماً مكسور
كل حب يدوم حيناً ويمضي
وحدها الأرض حبها محفور
إن وجه الإرهاب وجه قبيح
يا بلادي وإن وجهك نور
رب طفل كبرعم الورد
غالته يد الغدر وهو غض غرير
وفتى وجهه الربيع إذا أقبل
مدت له يديها القبور
وفتاة عذراء عانقت الموت
وما عانقت هواها الخدور
يا بلادي وأنت أجمل شيء
عرفته أيامنا والشهور
ما تمنى الرشيد مجد لياليك
ولا رام عزك المنصور
السماوات في جبينك تاج
والأراضين تحتهن سرير
يطلع النور إنما من نواحيك
وتخضر في رباك العصور
كم عبرنا إلى البحار بحاراً
أعظم الفتح يا بلادي العبور
حين كنا في الغرب شعراً ونثراً
وعلى الشرق مخمل وحرير
حين كانت حضارة العرب ثوباً
وثقافاتهم عليها زهور
كيف دار الزمان وارتد قومي
وحواهم في قلبه ديجور
جازنا الغرب ألف شوط وشوط
وتعدى لغيرنا التنوير
قد عرفنا حضارة الغرب لكن
ظل فينا فجورها والقشور
أهي مسحورة روابيك يا نجد
مع الوسم أم أنا المسحور
سحبت ذيلها الغيوم بواد الطلح
فاخضر ريشه العصفور
كم توسدت رملها وثيابي
نفل من رياضها أو عبير
أنا جزء من وردها من شذاها
وأنا الرمل والحصى والخرير
وأنا صيفها يزيد اشتعالاً
وأنا في شتائها الزمهرير
كيف نار الغضا وكيف سليمى
وسليمى غرامها تقطير
كم تعشقت في النقاب عيونا
أعذب الحسن عندي المستور
عانقيني فان حبي صدق
يا بلادي وحب غيري زور
قبليني فان وجهك أحلى
زمن الوسم والصباح مطير
شفريني على عيونك عشقا
إن أحلى غرامنا التشفير
واكتبيني على النوافذ شعراً
عاطفياً عنوانه (مقهور)
إن في القلب الف معنى ومعنى
يا بلادي ما عانقته السطور
غيّري يا حبيبتي لون عينيك
فأن الثوابت التغيير
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved