الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 5th July,2004 العدد : 66

الأثنين 17 ,جمادى الاولى 1425

أبو أوس شمسان في حوار حول مقومات الكتاب الجامعي «22» :
في محتوى كتاب (شرح ابن عقيل) نماذج تعبيرية ركيكة

* حوار علي سعد القحطاني:
من قوام الدراسة الجامعية الانفتاح على أوعية المعرفة، وقد التقت «المجلة الثقافية» بالدكتور أبو أوس شمسان وتحدث في الجزء الأول من اللقاء عن أهمية الكتاب الجامعي والصفات التي يحتويها هذا الكتاب مع دراسة أفكاره الأساسية، وأردف ذلك بالأمثلة التوضيحية والشواهد والتدريبات.
وفي هذا الجزء الثاني يركز ضيفنا الكريم الضوء على وجوب الدقة في استخدام المصطلحات وانتقد على سبيل المثال النماذج التعبيرية الركيكة التي تزخر بها كتب التراث ككتاب« شرح ابن عقيل».
دقة المصطلحات واطراد استعمالها :
ولابد لهذه المصطلحات أن تكون واضحة الدلالة منضبطة في الاستخدام، ولعل من المفيد أن نشير هنا إلى ما تعاني منه كتبنا الجامعية من فوضى فى استخدام المصطلحات، إذ لا تكاد تجد اتفاقاً بين المؤلفين على مصطلحات محددة دقيقة، وهذا التعدد في مصطلحات الشيء الواحد ثقفناه من القدماء الذين قالوا: لا مشاحة في الاصطلاح.
إثارة الأسئلة والقضايا :
ليس من هدف العملية التعليمية السليمة حشو الأدمغة بالمعارف حشوا استظهارياً، بل تربية العقول لتكون قادرة على تنمية مفردات العلم وتطوير جزئياته بما هو أعود عليه بالخير، وسبيل هذا أن يكون الكتاب الجامعي قادراً على إثارة الأسئلة في ذهن المتلقي، وقادراً على طرح جملة من القضايا المتصلة بموضوعه.
التسلسل المنطقي والتراكمية :
يجب أن يتصف الكتاب في مطالبه ومفرداته بتسلسل منطقي، فلا يقدم ما حقه التأخير، ولا يؤخر ما حقه التقديم، وإن من عيوب بعض المقررات أن يعرض لها مثل هذا الأمر، فكتاب مثل شرح ابن عقيل تأخر الكلام فيه على العوامل الناصبة والجازمة للأفعال مع أن لب التفسير النحوي قائم على العمل والعامل. وهو بهذا لا يراعي التسلسل المنطقي في المعرفة النظرية، لأنه يضطر إلى أن يعرض لأمور لم يسبق لها ذكر، كالبدء في أول كتاب شرح ابن عقيل بالكلام على مفاهيم تجريدية مثل المعرب والمبني قبل الكلام على العوامل نفسها المحدثة للإعراب، والوقوف في التدريس عند النحو المالكي يلغي تراكمية المعرفة، إذ لا أثر لمئات من الأعمال التي تلت هذا الكتاب، فلا غرابة إن اضطر الناس إلى وصف النحو بالاحتراق، ووصفه زميلنا حمزة المزيني بالموت.
ربط المعلومات بمصادرها ومراجعها :
يجب أن يحوز الكتاب الجامعي على ثقة المتلقي، وذلك بربط ما فيه من معلومات نظرية بمصادرها، ولتحقيق هدف آخر وهو أن يدرك أن الكتاب الذي بين يديه ليس كل شيء في العلم، بل هو فرع على غيره معتمد عليه ومستمد منه، وأنه كتاب يمكن أن يراجع على أصوله للكشف عن صدق صدوره عنها ودقة استفادته منها.
الإحالة إلى مراجع ومصادر لتوسيع بعض القضايا :
ليس من الممكن أن يضم الكتاب الجامعي من الناحية العملية تفاصيل ما يعرض له من القضايا، فيقتضي الأمر أن يحال إلى أبحاث تفصيلية تعالج هذا الأمر أو مراجع علمية فصلت القول في القضية، مثال ذلك في كتابي دروس في علم الصرف درست التصغير، وأحلت للتوسع في قضاياه إلى كتاب (التنوير في التصغير) لعبد الحميد السيد محمد عبدالحميد(8)، ومن قضايا النسب قضية المنسوبات الشاذة، شرحت الفكرة ووضعت جدولا يضم أمثلة لها ونظائرها القياسية، وأحلت إلى بحث مفصل في ذلك كتبه الدكتور سليمان العايد (9)، وفي قضية التذكير والتأنيث أحلت إلى ثلاثة كتب لعصام نور الدين (10)، وكذلك ما يتصل بالقرارات المجمعية، فهي تصدر بعد بحوث في المسألة، ويمكن الإحالة إليها لمن يريد المزيد.
التحديث :
تتطلب بعض الكتب الجامعية على تفاوت بينها التحديث في مادتها شكلا ومضموناً، لأن ثورة المعرفة متنامية، وثورة المعلومات طاغية، ولأن الكتاب بعد تدريسه وعرضه على محك التجربة قد يفصح عن أمور تحتاج إلى فضل معالجة أو زيادة أو نقص حسب مقتضيات ما يجد من الدواعي، ولعل ما ييسر ذلك الاستفادة من التقنيات الحاسوبية، ونشر الكتاب في الشبكة العنكبية (الإنترنت).
اللغة الخاصة :
* عرفنا أن للكتاب الجامعي محتوى خاصاً، وتحكمه شروط عرفنا تفاصيلها وبقي أن نسأل عن لغة الكتاب نفسه أخاصة تلك اللغة أم عامة كلغة أي كتاب.
اللغة وسيلة الاتصال والإبلاغ، وينبغي للغة الكتاب الجامعي أن تتصف بجملة من الصفات التي من شأنها أن توفق في إبلاغ مضمون الكتاب على أكمل وجه، لذلك لابد أن تتصف بالسلامة اللغوية، ووضوح العبارة، ودقة التعبير، والإيجاز، وقصر الجمل.
السلامة اللغوية
ينبغي أن تكون الكتب الجامعية على اختلاف تخصصاتها قدوة لغيرها من الكتب في سلامتها اللغوية، لأن الطالب في معرض التعلم، فهو يتلقى معارفه في هذه الكتب، ومما يتلقاه اللغة السليمة، وقد يحتج بأن مؤلفي الكتب الجامعية من أساتذة الجامعات، قد لا يستطيعون أن يكفلوا لكتبهم السلامة اللغوية المنشودة، وهو أمر مردود، إذ يمكنه أن يعرض كتابه على متخصص يقيم له لغته، على نحو ما يفعل النشر العلمي في الجامعة حين يدفع بمنشوراته إلى مصححين في قسم اللغة العربية.
وضوح العبارة :
لا تكفي السلامة اللغوية وحدها ليكون الإبلاغ على النحو المنشود، إذ قد يكون الكلام صحيحا،ً ولكنه غامض المعنى بسبب تقديم أو تأخير، أو بسبب حذف عنصر من عناصر الجملة، أو لأي سبب آخر سوى ذلك، وكان سيبويه رحمه الله قد عقد في كتابه باباً لمثل هذه المسألة من احتمالات التراكيب (11)، وإذا كان الأمر كذلك، فإن شرح ابن عقيل على سهولته ليس بالكتاب الأمثل لأداء الغرض المنشود، ذلك أنه شرح لنص غامض هو ألفية ابن مالك، ولعل كثرة شروحها راجع إلى غموضها، والشروح نفسها اقتضت تعليقات تنير جوانب فيها، فكتبت الحواشي، ومنها حاشية الخضري على شرح ابن عقيل، والطالب ينفق وقتاً في تفهم شرح الألفية مما يضيع عليه الغرض الأساسي، وهو تحصيل المعرفة النحوية المطلوبة.
دقة التعبير :
وينبغي للغة الكتاب إلى كونها سليمة من حيث النحو واضحة في دلالتها أن تكون دقيقة في تعبيرها عن مرادها، فلا يعبر بشيء، والمقصود شيء آخر. فمن ذلك أن يستخدم أدوات التأكيد في موضع التأكيد، وأن يستخدم أدوات الحصر عند الحاجة إلى ذلك، ومن أمثلة مخالفة الدقة في التعبير أن يقال (:إنما تستخدم كان في العربية ناقصة ) ويخل في دقة التعبير تجنب تعميم حكم ليس له صفة العموم، ومن أمثلة الإخلال بالدقة قول ابن عقيل في شرحه (نعم منع الكوفيون التقديم في مثل زيد قائم) (12)، والعبارة توهم أنهم يمنعون مستخدم اللغة أن يقول قائم زيد، وليس الأمر كذلك، إذ هم لا يمنعون هذه الصورة بل يمنعون إعراب المتقدم خبراً، فهو إذا تقدم صار بتقدمه عندهم مبتدأ.
الإيجاز :
ينبغي أن تكون لغة الكتاب الجامعي على قدر المعنى، فلا تتصف بالترهل والإطالة التي تستنفد الوقت، ولا تعود بخير على المتلقي، وهذا ما نقصده بالإيجاز، وهو ما يخل بالقضية الإبلاغية، ولا يفوت الغرض.
قصر الجمل :
إن من شأن الجمل القصيرة أن تكون أدنى إلى السلامة والدقة والإيجاز، ومن شأنها أن تكون أعلق في الذهن وأسرع في الوفاء بغرضها الإبلاغي، أما الجمل الطويلة فهي عرضة للغموض لتباعد عناصره المتكاملة، وقد يعرض لها بسبب طولها أن تفقد عنصراً من عناصرها المكمل لغيرها، فيؤدي ذلك بها إلى شيء من الغموض.
وطول الجمل شيء بدأ يغلب على كثير من المصنفات، وقد يكون ذلك مرده إلى تعقد الأفكار أنفسها، ومسألة قصر الجمل أو طولها محكوم بالغرض منها، ولكن القصر أولى إن أمكن، وإن كان الطول أعود بالفائدة كان المصير إليه.
الإخراج الفني :
لعل ما يتصل بكمال الفائدة المتوخاة إخراج الكتاب إخراجاً فنياً جيداً، ويشمل هذا الطباعة الواضحة في حروفها وأشكالها ورسوماتها وصورها.
(8) أبو أوس إبراهيم الشمسان، دروس في علم الصرف (ط1، مكتبة الرشد الرياض، 1997) 2: 61
(9) السابق 2: 79
(10) السابق 2: 23
(11)أبو بشر عمرو بن قنبر سيبويه، الكتاب (ط1، المطبعة الكبرى الأميرية بولاق مصر المحمية، 1316هـ) ص 8
(12) ابن عقيل، شرح ابن عقيل (ط1، دار القلم بيروت، 1987م) ص 183
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved