الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 5th July,2004 العدد : 66

الأثنين 17 ,جمادى الاولى 1425

هؤلاء مروا علي جسر التنهدات

* بقلم / علوي طه الصافي
من أصدقاء العمر، وكنا نتجاور سكنياً في مدينتنا الصغيرة الهادئة، الحالمة الساكنة، التي تغسل قدميها في البحر، متكئة بشعرها الأسود المصبوغ بالحناء، المعطر بالكادي والبعيثر على جبال (فيقاء) (الرميث) وتغفو في عينها على وسادة من الفل الناصع البياض، الذي تعطر رائحته كل منزل من منازلها التي لا تخلو من (ردايمه) .. أشجاره..!!
طموحه ليس له حدود، لكنه يجامل، ويقيم علاقاته مع الآخرين في حدود، لا تستطيع أن تكسب صداقته بسهولة، لأنه مسكون بالحذر في أغلب إن لم يكن في كل المواقف... وإذا ما كسبت صداقته فإنه يظل أسير حذره الذي ليس له حدود!!
لا يمنحك شيئا من أسراره، فيبدو لك أنه غامض يتحرك داخل ذاته، أما تصرفاته، وتعامله مع الآخرين فتبقى مشدودة بحبال متينة من (التحفظات) .. يشعرك بأنه يمنحك بعضاً من مشاعره، لكنك تكتشف بمرور الزمن أن هذا (المنح) مجرد (قبض ريح) وأنك كنت مبالغاً حين منحته مساحة واسعة من مشاعرك (الذاتية) ليس لأنه لا يستأهلها، وإنما لما يصدمك به من محاذير وتحفظات، مجترحة حيناً، ومتغيرة أحياناً أخرى، بحيث يضطرك إلى مراجعة علاقاتك به برمتها!!
ولأنه رجل ناجح في حياته العملية والعلمية فهو يدرك جيداً أن له محبيه، كما أن له كارهيه في آن واحد مما يجعله فريسة (الالتباسات) و (الافتراضات) و (الاحتمالات)!!
وإذا كنت قلت في البداية إنه صديق عمر، وجار، فهو أيضاً (زميل حرف) ورفيق حياة حميمة ليست قصيرة، أزعم من خلالها أنني أعرفه، لكنني لا أزعم من خلالها أنني أعرفه، لكنني لا أزعم صحتها بدقة، فهل يعني هذا أنه (طقسي) المزاج، (ظرفي) الحالة و(الزمكانية)؟
هو ليس لغزاً محيراً أو (فزورة) غامضة يحتاجان إلى شيء من عناء التفكير لحلهما، وإنما هو حسب اعتقادي كما تساءلت طقسي المزاج، والطبع، والطبيعة، (ظرفي) الحالات (الزمكانية)!!
حين كنا في مدينتنا الصغيرة كانت لنا لقاءات مسائية أدبية جميلة في منزله على ضوء (الفانوس) حيناً.. أو (الاتريك) أحياناً قبل أن تعرف المدينة وسيلة (الكهرباء).. كان القمر يشاركنا بضوئه الرومانسي.. فينضم إلينا بعض الأصدقاء من هواة الأدب، والصحافة.. فتكون من خلال اجتماعاتنا (ثلة زاجلة)، نتسامر، نتناقش ونقرأ الكتب الأدبية، والدواوين الشعرية، والصحف والجلات التي تيسر لنا حسب ظروفنا المادية، إنه الصديق العزيز (هاشم عبده هاشم).
(لم نكن من أبناء الأثرياء.. ولم نكن من فقراء المدينة.. كنا نعمل نهاراً رغم صغر سننا.. هو يعمل ضارب آلة طابعة في مديرية المالية والجمارك.. وكنت أعمل محاسباً في إحدى الشركات حتى في مجال العمل كنا نتجاور لا يفصل شركتي عن إدارته إلا مسجد يسمى (مسجد خضير) الذي نلتقي فيه يومياً لأداء صلاة الظهر، وبعد المغرب ندرس المرحلة المتوسطة في مدرسة (معاذ بن جبل) الواقعة في مدخل المدينة البري (المطلع) لكن عملنا ودراستنا لم تحولا دون لقائنا وممارسة هويتنا الأدبية والصحافية، حيث كنا نتواصل بالكتابة لصحيفة (قريش) لصاحبها أستاذنا (أحمد السباعي) في مكة المكرمة، وصحيفة (الرائد) لأستاذنا (عبدالفتاح أبو مدين) في جدة، ومجلة (الجزيرة) الشهرية لأستاذنا عبدالله بن خميس) في الرياض.
وقد انبثق من خلال اجتماعاتنا المسائية إصدار صفحة أسبوعية في جريدة (الندوة) بمكة المكرمة لصاحبيها يومذاك الأستاذين الأخوين (صالح وأحمد جمال) باسم (صفحة الجنوب) هدفها الأساس مناقشة قضايا اجتماعية وأدبية، وإجراء لقاءات صحفية وبعض الأخبار، لكن هذه الصفحة لم تدم طويلاً، إذ بعدها انتقلت إلى جدة لدراسة الثانوية العامة، وكان ذلك عام 1382هـ كما أذكر كما انتقل صديقي العزيز (هاشم عبده هاشم) محور موضوعنا هذا أيضا إليها.. وقد كانت بداية صداقتنا منذ عام 1378هـ إن لم تخني الذاكرة.. أي أن صداقتنا مضى عليها (46) عاماً.. أو ما يقارب نصف قرن.. وهو تاريخ طويل تقصمه صروف الدهر، ولم تقوض كيانه اختلافات الرأي والتوجهات وبعد المسافات والمناصب حسب شعوري علي الأقل.
وفي جدة كانت تجمعنا ليلياً (مدرسة الشاطئ الثانوية) الواقعة في (السبخة) وفي عطلة نهاية الأسبوع نجتمع في مكتب صحيفة (الرائد) في شقة بطريق المطار القديم حيث تعرفنا على عدد كريم من الأدباء الذين كنا نقرأ لهم عن بعد.
لم نكن نملك سيارات كانت وسيلة مواصلاتنا سيارة أوتوبيس صغيرة أعتقد أنها كانت تسمى (نيسان) حيث تأخذ على مشوار الفرد الواحد منا أربعة قروش.
(ولا أدري كيف انشغل صديقي العزيز (هاشم) بكرة القدم، وحضور مبارياتها، وكتابة التحليلات عنها.. وبلغ من هوسه بها إلى حد أصبح واحداً من أكبر المحللين، والمعلقين، رغم نشأته الأدبية ولم يسلم من مشاكلها ومتاعبها لما تتميز به من تحزبات، وانتماءات لفريق معين ضد الفرق الأخرى، لهذا لا نستغرب إذا عرفنا أن أول إصدار له كان كتاب (دراسات كروية) وهذا ما اضطره إلى عدم تكملة دراسته الثانوية إلا بعد انتقالي إلى الرياض، (ونحن لا نبالغ حين وضعنا عنوان هذا الموضوع إنه (متعدد المواهب) فهو في الأساس، والنشأة (أديب) يكتب المقالة والدراسة والقصة القصيرة بل أثبت قدرته على كتابة النقد الأدبي وأذكر له موقفاً نقدياً في مواجهة (شاكر النابلسي) حين كتب عن البناء (المعمار الفني) للقصة السعودية، وكتب دراسة أدبية عن قصة للصديق الراحل (سباعي أحمد عثمان) تغمده الله بواسع رحمته.. كما دارت بيني وبينه معركة أدبية قصيرة في مجلة (الجزيرة).
(وهو سريع القراءة، وفي الكتابة أسرع، أما ماذا يكتب وما أثر وقيمة ما يكتب، فهو ما لا نستطيع الحكم له، أو عليه، لأننا لسنا في مقام التقييم، والتقويم، وقد أخبرني شخصياً عن قدرته على قراءة موضوع (ما) ثم إلقاء الموضوع جانباً، وكتابة موضوع قد يحتوي على تأثره بالموضوع الذي قرأه، لكنه يتحدى أي قارئ أن يتهمه بالسرقة!! أما كيف يحدث هذا؟ فهو سؤال يمتلك الإجابة عليه الصديق (هاشم)!!
وهذه ليست من غرائبه، أو خصوصياته، أو تعدد مواهبه فحسب، بل يمتلك قدرة على معارضة كل الذين أجمعوا حوله على مسألة أو قضية معينة لهذا لا يبدي وجهة نظره المعارضة إلا بعد أن يتحدث الآخرون، ويتفقوا على رأي واحد!!
(وسأروي لكم حكاية حدثت ربما تلقي بعض الظلال عى ما قلناه ولها علاقة بقدراته الذاتية وربما كشف موهبة أخرى يمتلكها صديقنا (هاشم) فقد حدث أنه كان يشرف على تحرير صفحات الرياضة في إحدى الصحف، وكانت يومها مباراة مهمة لكرة القدم ومن سوء حظ صديق الطرفين (علي عمر جابر) بأن كلف بتغطية المباراة، وهو مثلي ليس له في كرة القدم، ناقة، ولا جمل ولم يكن الوقت أمامه كافياً للاعتذار ولأن المحرر الرياضي في صحيفته كان في إجازة فاضطر الصديق العزيز (علي جابر أن يذهب إلى الصديق العزيز (هاشم) لإنقاذه من الورطة التي وقع فيها مكرهاً، فوعده بحلها، بأن حضر المباراة وكتب تحليلين لها، كل تحليل مستقل عن الآخر، ونشر التحليلين في الجريدتين المتنافستين في اليوم التالي وهنا أتوقف لأنني لم أعرف الصدى، كوني لست من قراء الصفحات الرياضية لتخلفي في شؤونها ودهاليزها!!
ثم بعد انتقالي إلى الرياض، نال الثانوية، وحصل على الجامعة (تخصص علم مكتبات) وابتعث لأمريكا لتحضير (الماجستير والدكتوراه) لكنه عاد بعد أشهر ملتحقا بجامعة القاهرة في الوقت الذي عين رئسيا لتحرير جريدة (عكاظ) ولا أعلم كيف استطاع الجمع بين رئاسة التحرير ودراسة شهادة الدكتوراه وكيف تم له التوفيق بينهما؟ وهذه تحسب ضمن قدراته الخاصة.
(وللعلاقة الطويلة بالصديق (هاشم) فإن لي مواقف كثيرة معه وذكريات أكثر في داخل المملكة وخارجها.
(والجمع يعرف أنه صحافي ناجح، وملم بكل مفردات الصحافة، ومفاصلها إلى حد إتقانه بجدارة (فن الإخراج الفني) ولعل (عكاظ) بوضعها الحاضر المتميز الذي يجعها من أكثر صحفنا انتشاراً وإقبالاً من شرائح واسعة المساحة من القراء داخل المملكة وخارجها تعكس نجاحه الصحافي.
(وإذا كانت الصحافة قد كسبت الصديق (هاشم) وتميزه، فإننا في الجانب الآخر قد خسرناه أديبا لو استمر لكان له شأنه، ومكانه، ومكانته.
( ونسأل أهو راض عما يكتبه في زوايته (إشراقة) وما رأيه فيما يقال عنها في السر إنها اسم على غير مسمى لأن كثرة موضوعاتها التي عليها لا تخرج من كونها صور (معتمة)؟ وبعضهم يرى أن (هاشم) في زاويته يكتب عن (هاشم) نفسه!! إنني مجرد ناقل لما سمعت.. وأنت أيها الصديق (هاشم) صاحب الحق في الرد من منطلق أن من حق كل إنسان الدفاع عن نفسه، لأنه حق مشروع للجميع.
(والفكر معروف فيه تباين الرؤى وتنازع الآراء واختلاف الأفكار ومن خلال هذا التباين والتنازع والاختلاف يثرى الفكر الإنساني ويتنامى.
ونقطة أخرى تقال أيضا همساً تتعلق بشكل الكتابة الغريب في (إشراقة) فأنت تكتب أربع مفردات مثلا دون أن تكمل الجملة، لتنتقل إلى سطر ثان تكتب فيه مفردة أو مفردتين، ثم إلى سطر ثالث تكتب فيه ثلاث مفردات أو مفردة، وهكذا من بداية الزاوية إلى نهايتها إلى حد تأخذ شكل قصيدة (التفعيلة) دون وزن وما يسمى (بالقصيدة النثرية) دون التزام منك بديباجة الأسلوب العربي، الملتزم بعلامات الترقيم، والبداية، والنهاية، بحيث لو أعاد القارئ الفطن كتابة زاويتك حسب المنهاج العربي المتبع والمتعارف عليه في الكتابة لاحتلت الزاوية مساحة أقل من المساحة التي تحتلها.
والغريب أنك لا تتبع هذه الطريقة إلا في الزاوية لكن الأمر يختلف حين تكتب افتتاحية أو موضوعاً خارج الزاوية!!
(والذين يهمسون بذلك، ولا يواجهونك، لا يفوتهم وضع علامة استفهام؟! ولأنني صديقك كما أشعر والصديق من صدقك، لا من صدقك أنقل إليك ما يقال همساً، ولا يجرؤ على قوله علناً، فاعذرني أيها الصديق العزيز (هاشم) على هذه الصراحة المسكونة بالصدق، والود، والاحترام والمحبة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved