الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 05th September,2005 العدد : 121

الأثنين 1 ,شعبان 1426

أعر اف
الإوزّ والماعز!
محمد جبر الحربي

يصف الأديب الكبير رسول حمزتوف في رائعته (بلدي) من يتنكر للغته بسخرية مريرة: (أجل، رأيت أمثال هؤلاء الناس، لغتهم الأم بالنسبة لهم لغة صغيرة وفقيرة، فراحوا يبحثون لأنفسهم عن لغة أخرى، غنية وكبيرة، فكان من أمر الجدي في الأسطورة الآفارية: ذهب الجدي إلى الغابة لينمو له ذنب ذئب، فعاد حتى بدون قرنين).
ويسترسل رسول فيقول: (أو إنهم يشبهون الوزة، إنها تعرف الغطس والسباحة، ولكن ليس كالسمك، وتعرف الطيران قليلا ولكن ليس كالطيور، بل تعرف الغناء قليلا ولكن ليس كالشحرور، إنها لا تعرف أن تفعل شيئاً كما يجب).
أذكر أنني همشت هذا المقطع منذ سنين، وربما استخدمته في كتابة قديمة، وأجدني اليوم واقفا أمامه وأنا أقلب سيرة حمزتوف متسائلا: ماذا يمكن أن نقول إذا عن الذين يتنكرون لهويتهم وأوطانهم، الذين يتنكرون لأمتهم وحضارتهم ويريدون تمييعها وتذويبها، وإلحاقها كزريبة أو حظيرة كما يفضلون بأقرب عدو أو دولة تمكنت ببريقها الزائف من طمس أعينهم، بعد أن عميت القلوب التي في الصدور.
هذا هو المشهد اليوم:
فنحن نشاهد أعدادً هائلة من الماعز والإوز يرطنون بما لا نفهم، ولكننا حين نترجم عجمتهم إلى عربيتنا نجد أنهم يطلبون منا ومن الناس ما يتعارض مع الإيمان والهوية والقيم.
ولكم ولنا أن نستغرب من جموع الإوز والماعز هذه التي انفتحت علينا من كل حدب وصوب، وتكأكأت علينا حتى كأن لا صوت يُسمع غير صوتها، وهي تردد ما تتم صياغته وإملاؤه عليها من قبل محركي الخيوط المعروفين للجميع.
ومما أمكن استنتاجه من ترجمة خطاباتها وأحاديثها وكتاباتها ما يلي:
نسف العربية كلغة، وككلمة تشير إلى أمة، وما أمكن نسف الأمة.
نفي الابداع عنها، ورجم مبدعيها المتمسكين بها وبدلالاتها وبهويتهم لأنهم متخلفون وإرهابيون وينبغي نفيهم إلى الصحاري التي يمكن تسميتها بالعربية إلى حين يتم تقسيمها هي الأخرى.
تغليب الانعزاليين ودسهم بين ظهراني العرب وترويج أفكارهم التي تلتقي ويا سبحان الله مع المخطط الصهيوني لتفكيك وتجزئة الأمة.
شن هجوم إعلامي كاسح لا يتم إلا بتعاون المتخاذلين ضد الدول الحاضنة للعرب والعربية بوصفها دول إرهاب، والتنكر لها ولوجودها.
تسخير الاحتلال الأمريكي لخدمة المخطط الشعوبي تحت مسمى اغتنام الفرصة التاريخية لتحقيق تلك المآرب المريضة.
تناسي أنهم أدوات هدم رخيصة في يد المحتل، ولعبة من ألاعيبه.
توهم أن الحال ستستمر بهذه الصيغة الناقصة، والسعي لابقائها بهذه الصيغة.
لذا نحن أمام نوعين من الإوز، الأول ليس منا وقد اتضحت مشاريعه منذ سنين طويلة للمتشبثين بحضارتهم وقيمهم، والثاني ويا للعار منا وهو يعمل بلا كلل لتمرير مشاريع كهذه ومنها مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهو مبهور بكل ما هو غربي حتى ولو مرّغ أنفه في الوحل.
وكلا النوعين من الإوز ينسى أو يتناسى دروس التاريخ المجانية وأولها استحالة مسح هوية الشعوب، ولغاتها، فكيف إذا كان يحفظها قرآن عربي مبين!!


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
مداخلات
الثالثة
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved