الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 05th September,2005 العدد : 121

الأثنين 1 ,شعبان 1426

مقررات الأدب السعودي :بين التصنيف والإهمال والإلغاء!
* الثقافية - علي بن سعد القحطاني:
من المفترض أن يجد الطالب في المرحلة الثانوية بغيته من فكر وآداب وفنون في منهج (الأدب) إلا أن المتصفح لهذا المقرر خصوصا في الصفحات المخصصة عن الأدب السعودي يؤمن بأن واضعه تزامن مع إنشاء وزارة التربية والتعليم عام 1373هـ، لم يطرأ عليه تعديل منذ ذلك التاريخ إلا في صفحة الغلاف، ويبدو أن القائمين على هذا المنهج لم يؤمنوا بالمستجدات التي تطرأ على الساحة الثقافية، ومع قراءة سريعة لمنهج الأدب ينتابنا التثاؤب من قراءتنا لصفحاته الأولى منه، فكيف بالطلاب؟ هذا المنهج يعمد إلى تغييب ملكة الخيال وإماتة الإبداع عبر الاحتفاء بالنصوص التقليدية ورموزه مع تهميش للفنون الأدبية الأخرى كالسيرة الذاتية والمقالة والرواية والمسرح والفن التشكيلي، وقد التقت (المجلة الثقافية) بمجموعة من أساتذة هذا المنهج لاستطلاع آرائهم عن قرب.
أشار الشاعر أحمد اللهيب إلى أن الأدب السعودي لم يحظ إلا بـ58 صفحة فقط من مجموع صفحات الكتاب المقرر على الطلاب والبالغ عدد صفحاته 111 صفحة يدرسها الطالب في مدة قصيرة لا تتجاوز التسعة أسابيع، كما أن المنهج يعمد إلى عرض النصوص بالشكل المدرسي الذي يلغي أي تنمية نقدية للطالب، وألمح اللهيب إلى أن ظاهرة (التكرار) تكاد تكون سمة بارزة في المقرر وقال: يعمد مؤلفو مادة الأدب العربي للمرحلة الثانوية لاعتماد المنهج التاريخي، ابتداء من العصر الجاهلي ومرورا بالعصرين الإسلامي والأموي، وانتقالا إلى العصرين العباسيين الأول والثاني، ثم معرجين على الأدب في عصر الدول المتتابعة، فالأدب في العصر الحديث، ثم الأدب الإسلامي، وختاما بالأدب الحديث في المملكة العربية السعودية. هذا ما يؤكده المعدلون في مقدمتهم لمادة الأدب العربي للصف الثالث الثانوي.
لا أدري كيف أحدثكم عن الأدب السعودي الذي نقدمه لطلابنا في التعليم العام، وقد أمضيت من عمري سنوات خمس في تدريسه لطلاب المرحلة الثانوية، لكن لا يعني ذلك الرضا حول مفردات المقرر، بقدر ما هو نوع من التأسي والحزن اللذين يقبعان بين منعرجات قلبي أن نقضي في مثل هذا الكتاب جزءا من أعمارنا. ولذلك هنا أقدم شيئا من مساحة القول المسموح بها فقط، وإلا فإن المقرر بمفرداته الصغيرة وجزئياته المتناثرة بين الصفحات يحتاج إلى أن يفرد له صفحات. هنا فقد أقدم ما يلي بشكل نقاط سريعة لعلها تفي بالغرض المقصود:
المدة قصيرة
يحظى الأدب السعودي في مادة الأدب للصف الثالث الثانوي بـ(58 ص) فقط من مجموع الكتاب البالغ (111 ص). يدرسها الطالب في تسعة أسابيع في الفصل الدراسي الثاني. بمعنى أن طالب المرحلة الثانوية لا يدرس الأدب السعودي طيلة أيام دراسته في تلك المرحلة إلا هذه المدة القصيرة فقط، وهذا يعني أن ما يقدمه هذا المقرر عن أدبنا السعودي المحلي لا يمثل شيئا مقارنة بغيره من مراحل الأدب العربي. ولا يفي بحق الامتداد التاريخي لهذا الأدب.
النصوص
يبنى على النقطة السابقة أن النصوص الأدبية المقدمة للطالب في تلك السنة الدراسية إذا قارنتها بغيرها من السنوات ستكون أقل، وهذا مدخل آخر لكون أن المراد من تدريس مادة الأدب هو تعريف الطالب بالنصوص الأدبية وتنمية ذوقه وجذب اهتمامه لها. وهي أيضا نصوص محصورة في اتجاه واحد فقط غير متنوعة المشارب، وغير آخذة باتجاهات الأدب الحديث الذي رسمه شعراء المدرسة الجديدة كالسياب ونازك ونزار والبياتي وغيرهم. إضافة إلى ذلك فإن عرض النصوص بالشكل المدرسي يلغي أي تنمية نقدية للطالب، هذا إذا علمنا أن طالب اليوم لم يعد محتاجا لكتاب لا يتجاوب مع ثقافته التي بدأ يستمدها من مصادر أخرى سماعية أو مرئية أو مقروءة، بل وتجاوز ذلك لممارسة الكتابة الإبداعية الجديدة من خلال تغذيته بتلك المصادر، مما يسوغ له أن يقف أمام النصوص التي تدرس في مادة الأدب موقفا سلبيا.
المنهج التاريخي
إن اعتماد المنهج التاريخي وهو واحد من مناهج متعددة في تقديم الأدب شعرا أو نثرا، يفقد الفرصة الجيدة في توسيع دائرة ثقافة الطالب بالمناهج الأخرى، والأدب الحديث ومنه السعودي هو نتاج مرحلة تاريخية واحدة ومتقاربة الاتجاهات، ومن ثم فإن الاعتماد هذا المنهج وتغييب المناهج الأخرى أو إقصاءها، يفقد الطالب هدفا مهما من أهداف هذه المادة. كما أن الربط التاريخي بالدعوات الإصلاحية وجعلها بداية للأدب السعودي فيه نظر وهذا من عيوب المنهج التاريخي التي تلزم الباحث باتخاذ حدث تاريخي معين لتحديد بداية أي عصر؛ ذلك أن الأدب السعودي هو في الأصل امتداد للأدب الحديث فالعوامل والمقومات التي ساعدت على تشكيل الأول ساعدت على تشكيل الثاني. ولذلك فإن الفصل بين الأدب الحديث في العالم العربي والأدب السعودي تجعل ظاهرة (التكرار) سمة بارزة في مقرر الأدب، مما يثقل الكتاب بالإعادة والتكرار لبعض المواضيع مثل العوامل التي ساعدت على ازدهار الأدب، والنصوص الشعرية ذات المنحى الأدبي الواحد.. وغيرها. وهذا يعيق المتعة المرجوة من الكتاب، ويثقل كاهل الطالب بقضايا تاريخية محلها مادة التاريخ وليس مادة الأدب.
الرواية
تغيب الرواية التي أصبحت حديثا (ديوان العرب) وكأنها جنين غريب عن رحم الأدب، وهذا مدعاة للتساؤل أمامنا، أليست الكتب المدرسية تطبع كل عام، ويتم فيها التعديل؟ أجهلا تغيب الرواية أم كسلا؟ إن الرواية منذ سنوات أصبحت ذات حضور إعلامي مميز. ونحن نشاهد في مقرر الأدب وأدها وعدم الاهتمام بها. وكما تغيب الرواية تغيب أي إشارة أو ذكر إلى أي مرجع أو مصدر يزيد الطالب ويساعد المعلم الكسول للاستزادة علما ومعرفة بأدبنا السعودي. وما أجمل لو وضع مؤلفو مادة الأدب قائمة بذلك في نهاية الكتاب!.
التأثير
لاحظ الأستاذ أحمد سعود العويس المشرف التربوي في إدارة التربية والتعليم بالرياض أن تأليف المنهج تأثر بعباءة المصريين الأوائل الذين ألفوا في الأدب السعودي ورأوا تأثره بالمصري وقاسوا الجمال فيه بمدارس الأدب المصري الحديث فما وافقها فيه جميل مجدد وما خالفها يعد بعيدا عن التجديد، وقال:
خصص تدريس الأدب في هذا المنهج لأدب السعوديين بعد دراسة الأدب العربي الحديث في الفصل السابق فكانت هذه الملحوظات:
1) كان المنهج عبارة عن (111) صفحة، أخذ الحديث عن أدب الدعوة الإسلامية فيه النصف تماما حيث بلغت (52) صفحة في أدب الدعوة والباقي لأدب السعوديين الحديث والمعاصر.
2) أدب الدعوة الإسلامية توافرت في (6) نصوص (4) منها لمصريين واثنان لسعوديين.
3) تحدث المنهج عن أدب السعوديين الحديث (1157 / 1351هـ) وأسهب فيه وهي فترة كان الأدب فيها تقليديا صرفا، نقل الشعراء تجاربهم إبان ذلك الوقت بغير الفصحى. مما أسبغ على الأدب السعودي صفة ليست فيه، ونفى عنه التجديد.
4) لبس تأليف المنهج عباءة المصريين الأوائل الذين ألفوا في الأدب السعودي ورأوا تأثره بالمصري وقاسوا الجمال فيه بمدارس الأدب المصري الحديث فما وافقه فيعد جميلا مجددا وما خالفه يعد بعيدا عن التجديد.
5) تحدث المنهج عن الاتجاهات الفنية في الأدب السعودي، فأهمل ركنا مهما وهو أدب الابتداعيين الذين تأثروا بشعراء التجديد في لبنان والعراق والمهجر.
6) أدخل في الاتجاهات الفنية اتجاهات موضوعية كالاتجاه الرومانسي حيث تحدث عن جوانبه الموضوعية دون خصائصه الفنية.
7) أثناء اختيار النصوص لم يمس حاجة المرحلة الثانوية في اختيار الموضوعات المناسبة لهم كالعتاب، والحب والغزل، والشكوى والألم. أو اختيار قصص ومقالات تستهويهم وتمس اهتماماتهم كالقضايا المعاصرة.
8) اتخذ منهج التأليف التاريخي مما لا يتناسب مع تدريس النصوص.
توصيات
قدم الأستاذ أحمد العويس توصياته في هذا الشأن للخروج من العباءة المصرية في نظرتنا للنصوص وأوجزها في نقاط:
1) دراسة الأدب السعودي في مراحله الأولى من عام (1157 / 1351هـ) ضمن منهج الأدب الحديث في الفصل الأول بحيث تلغى سيطرة المصريين على هذا الأدب، فعند النظر فيه تجد أن النصوص المختارة (15) نصا، منها (10) لمصريين، و(5) موزعة على باقي آداب البلدان الأخرى ليس فيها أي نص للأدب السعودي.
2) تخصيص منهج الفصل الثاني لأدب السعوديين دون أدب الدعوة الإسلامية الذي لابد أن يدخل ضمن موضوعات الأدب السعودي واتجاهاته في المضمون.
3) تخصيص أدب هذا الفصل للأدب السعودي المعاصر من عام (1351هـ / ...) إلى يوم تأليف الكتاب.
4) اختيار نصوص تناسب المرحلة حيث التركيز على موضوعات دقيقة كعرض بعض المواقف الصغيرة السريعة، ومواقف الغزل، والتوجع والشكوى، وكحديث الشاعر إلى هاتفه الجوال مثلا، أو إلى طبقه الفضائي، أو غير ذلك.
5) تحديث المنهج وتطويره بما يتناسب مع الواقع، فتغير النصوص لابد أن يكون دائما حسب اختلاف ذوق الطلاب وميولهم.
6) تغيير جوانب الإبداع وطرقه فلا يمكن الجمود عند البلاغة العربية والذوق القديم في تدريس هذه النصوص إذ لابد أن ينظر إلى مقاييس للجمال جديدة تتناسب مع سرعة عصرهم واختلاف أذواقهم.
7) الحديث عن مصادر أخرى للأدب السعودي كالإنترنت والنشرات المختلفة وبيان مواقعها وإيضاحها فلا يجمد المؤلف عند مصادر الأدب القديمة كالكتب والمجلات وغير ذلك.
8) إدخال عناصر أخرى للنثر كالسيرة الذاتية والخاطرة دون الجمود على العناصر القديمة.
الصورة
طالب بندر النميان مشرف اللغة العربية بمركز الإشراف التربوي بالسويدي بإعادة النظر في المنهج المقرر خصوصا وأنه مضى على تأليفه حقبة طويلة مما جعله يفتقر إلى تقديم الصورة الواقعية للأدب السعودي ودعا إلى الأخذ بالمستجدات التي طرأت على الساحة الثقافية.
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
مداخلات
الثالثة
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved