الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 05th September,2005 العدد : 121

الأثنين 1 ,شعبان 1426

قصة قصيرة
بمحاذاة الجنون!
سليمان عيسى الطويهر *
(1)
أتذبذب بين الصحو والنوم، كالجالس في الحد الفاصل بين الشمس وظل ساترٍ قماشي تحركه أنامل الريح. يمطرُ عليه الظل تارة، وتلفحه الشمس تارة أخرى..
النافذة مفتوحة، والبرد يرسل ألسنته اللاسعة، رياحا تركض في فضاءات الغرفة.. فأشد إليّ دثاري كالطفل يحتمي بأمه.
وعلى الجدار تسقط ظلال الأغصان، فاضحةً مداعبة نور القمر لها في الخارج. وتتمايل.. كرؤوس الشياطين.. مثيرة في نفسي أمواجاً من الفزع. أضم أجفاني بقوة، كما أضم الوسادة إلى صدري بعنف..
لحظات سكون يتخللها حفيف الأشجار.. وهمسات عصافيرٍ لم تنم..
أبحر في الخيال البعيد.. البعيد.. البعيد.. فتسكن الأمواج المضطربة داخلي رويداً.. رويداً.. رويداً..
وفجأة..
يموت الصمت، بصرخة الجدار، حينما يهوي البابُ على صدغه بصفعةٍ قاسية، طاعناً نومي في مقتل. أهُبُّ فَزِعاً من فراشي.. وعيناي تبتهلان للرؤية..
لكنه العمى، يبتسم لي ساخراً..
(2)
تتأقلم عيناي مع الظلام قليلاً.. وتسكن نفسي حين أدرك كنه الأمر.
في الظلام كل الأشياء تتشابه، وتتشابك، كأنها تخاف هي الأخرى. بعض الجهات تبدو أكثر إظلاماً من الأخرى، يُوحي إليَّ أنها قد أخذت أكثر من نصيبها في نهارٍ سابق، أو أنها موعودة بإضاءة أكثر في نهار لاحق!.
أسحب أعمق نفسٍ أستطيعه..
يا للخوف! حتى العصافير والأشجار صمتت!!
أعود لوسادتي، احتضنها
أستدّر شفقة النوم..
و.. تلتقط أذني تكة خافتة وهمس.. (انهض دون مقاومة .. كي لا تخسر حياتك)!!
القلب تتخلّغ عروقه من فرط الإجهاد، والعقل يقصر عن إدراك الحالة، وأنا.. انتفض كالمتبرد في الظل.. وأتصبب عرقاً، كالملدوغ من الشمس.!!
تُرى هل لا زلت في الحد الفاصل بين الصحو النوم؟!. هل الساتر انزاح قليلاً فانكشفتُ للشمس؟!.. تعصر عيناي بالأجفان أكثر..
أم أن الريح شعرت ببلوغ الساتر، فخجلت من مداعبته!
شعور بالأمان، يُطلق أسر العيون، ولا شيء سوى الظلام..و... أنفاس!
أنفاس تفح كالثعبان.. مصدرها يبدو أكثر إظلاماً.. (قل لي.. أين تحتفظ بمالك؟!)
صوت حقيقي كالعاصفة، يزيل الساتر القماشي تماماً.. تنكشف الشمس.. ترقص حبات العرق على جبينٍ مضطرب، وأموت.. أموت ببطء.. فيصرخ الهمس (يبدو أنك طويل النَفَس..)..
تلتصق برودة دائرية على جبيني.. يتابع (لذا.. سأقطعه تماماً..)..
يزحف ريقي بطيئا في بلعومي.. وعيناي تكادان تقفزان.. ولا رؤية.. أهمس بصوت مرتعد:
ل.. ل.. ليس .. لدي س.. سوى.. عقد أمي.. هناك.. فوق (الدولاب)..
أحس بابتعاد أنفاسه عني، ينزاح الثقل من صدري رويداً.. رويداً.. وعيناي مصرتان على الانغلاق.. (وماذا غير العقد؟!) أسمع هسهسة العقد بيديه. وأنفاسه تقترب. تفتح كثعبان. أهمس:
صدقني.. لا شيء غيره.
وكالصدى يصبح صوته، وهو يقول (إذن.. لا جدوى من وجودك على قيد الحياة). والفوهة الباردة تقبل جبيني قبلة الوداع. وتكةٌ خافتةٌ تختم تأشيرتي نحو الموت..
الموت الذي بدأ يعزف موسيقاه لاستقبالي.. ويرتفع صوتها.. يرتفع.. يرتفع..
لا ااااااااا.. لاااااااا... لاااااااا لا لا لا..
أباغت خوفي وخدري.. وأقفز في عنف..
(3)
تُضاء الغرفة فجأة، ويطل وجه أمي، يزاحمه وجوه إخوتي الصغار. تضرب صدرها شاهقة:
ما هذا الذي في يديك؟!
أمد لها يدي بنشوة المنتصر:
هذا مسدس.. وهذا عقدك الذي سرقه هذا المعتوه.
من هو المعتوه؟!!
أشيرُ بيدي نحو السرير المبعثر.. فترسل النظر إليه، قبل أن ترده إلي مبللاً بالدمع. تقترب مني. تحتضن رأسي..
لا شك أنها فَرِحَةٌ بعودة العقد، فخورة ببطولتي..
أسمعها تنفث. وتقول:
بسم الله عليك يا وليدي.. بسم الله عليك..


Sulaiman_t@hotmail.com*

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
مداخلات
الثالثة
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved