ما بالُ وَرد الضحى ألقى الندى وَصِبَا |
وهو الذي كان يزهو روعة وصِبَا! |
وأين كف النسيم العذب كيف ذوتْ؟ |
ونبع أحلامنا الدّقّاق هل نضبا؟ |
يا آهة صدعت صدر النُّهى كمداً |
وأشعلت قبل غافي أدمعي السحبا |
فأمطرت غُصصاً من لوعتي وسقتْ |
محاجري من سواقي وَقْدها عتبا |
استنطق الرملَ صمتي واستحال دمي |
أنشودةً وضلوعي للشجى حطبا |
فقمتُ أبكي وأذرو للدجى كبدي |
وكل من كان حولي خرّ منتحبا |
تبتّل الحزن في مِحراب بهجتنا |
وَقَنْدَلَ الوجعُ الممشوقُ والتهبا |
جواد أُلْفَتِنا الغالي قضى وطراً |
من عمرنا في مغاني وجدنا وكبا |
والعندليب الذي أشجى ترنّمه |
أرواحنا مات من إطراقنا غضبا |
وشمس شقوتنا ضلّ المدار بها |
وبدرنا من أماسي أُنْسِنا غربا |
كنّا هنا حلما كنا هنا نغماً |
كنا خيالاً على هام الهوى نُصِبا |
جسمانِ عشنا بقلبٍ واحدٍ فسطا |
على وريديه جهرا غاسقٌ وقبا |
أهديتُ عينيك كحل العِشق من قلمي |
فمدتا لي إلى عرش العلا سببا |
أبحرتُ في فلك الإلهام بينهما |
فأشعلا في خوافي بوحيَ الشهبا |
( كفّاك والمَرْوُ ) في أهداب محبرتي |
رَسْمَانِ من نور عيني زفرتي شَرِبا |
أساور القلق الممتد عبر دمي |
من وجنتيك أتتْ قيثارتي رغبا |
فغافلتْ وترَ النجوى فرقّ لها |
وخِلتْه من دياجي سرِّنا قرُبا |
فأمطرت صمته نوحاً وشق لنا |
فجراً على كل أعناق المنى صُلِبا |
( وصيةُ الوردة البيضاء ) هاكَ فمي |
وصيةً وارفعي عن وَجْدِه الحُجُبَا |
لا تتركي صوتَه المذبوحَ قارعةً |
للخوف يشكو إلى مشكاتِهِ الكُربا |
وصية الوردة البيضاء أذهلني |
بنانُكِ الغضِّ شجّ الأرضَ وانسكبا |
فاهتزت البِيدُ عطرا والسما أرجا |
وساقط السعدُ من عذق الشذا رُطبا |
ومدّ ظلا على ريحانِ لهفتِنا |
وماسَ خصرَ الثواني وانتشى طربا |
وصية الوردة البيضاء ما لِيَدِي |
مشلولةً وغنائي بات مُضطربا |
من ربع قرنٍ خيوطُ الفجرِ تغزلُنا |
طهراً وتكسو قوام العفة الحسبا |
أتذكرين ( حصاناً ) تمتطين كما |
تهوين في سائر الأحيان طيش صبا؟ |
ومقعدا مخملي العطف من كتفي |
والمهدُ حضنٌ بديباج الحنان رَبَا |
تذكري وجه أمي وهْيَ ضاحكة |
من ضحكتينا نناجي الطير واللعبا |
تذكري صوت أمي وهْيَ غاضبة |
وقد ملأنا زوايا دارها صخبا |
تذكري دفتر الشعر الذي بليتْ |
أوراقُهُ واشطبي إن شئت ما كُتِبَا |
حورية الروح ما للروح من أملٍ |
سواكِ يا كوكبا بعد الضياء خبا |
فأين تمضين ؟ من لي إن رحلت ؟ وما |
معنى وجودي ؟ وقد خلفتِني عَطِبا |
أيْتَمْتِ شعري وأبنائي ومُوجَعَةً |
تبكيك إذْ كنتِ أُمّاً بيننا وأبَا |
في كلِّ شبرٍ بهذا البيت قد رسمتْ |
يداكِ ذكرى صفاءٍ عابقٍ سُلَبا |
في كل ثانية من عمرنا عزفتْ |
أنغامُ صوتِكِ لحنا بالمنى خُضِبا |
ما زلتِ في دفتري حرفاً ، وفي خَلَدي |
نهر المعاني، وفي جِيد السهى ذهبا |
فأين تمضينَ ؟ من لي إن رحلتِ؟ وما |
معنى وجودي؟ وقد خلفتِني عَطِبا؟ |
الواقفونَ معي بُحَّتْ حناجرُهُمْ |
وأغدقوا البؤسَ من آهاتِهِمْ سغبا |
شاختْ قناديلُ أحلامي وبعثرني |
برقُ القنوطِ الذي بينَ العروقِ حبا |
فجئتُ أُهدي هشيمَ الروحِ ( مبخرةً ) |
أوقدتُ دمعَ الجوى في جوفِها لهبا |
ألقيتُ قلبي عليها كيْ يفوحَ لها |
في ( موكبِ العرسِ ) عطراً من دمي سُكِبَا |
فاستنشقي نبضاتِ الودِّ وامتزجي |
بعطرِها واقطفي منْ غَيْمِها عنبا |
أأنتِ راحلةٌ بالنورِ من فلقي؟ |
أتتركيني لداجي حسرتي حصباً؟ |
أأنتِ راحلةٌ ؟ كل القلوب بكتْ |
لكنَّ قلبي على سكبِ الدموعِ أبَى |
من أينَ للقلبِ دمعٌ يا مغادرةً |
بنبضه ؟ فتداعى في اللظى إرَبَا |
أأنتِ راحلةٌ ؟ من للزهورِ ومنْ |
يُغري الفراشاتِ ؟ يحدو في المروجِ ظِبَا؟ |
أتنتهي قصةُ العشقِ التي وَشمتْ |
في جبهةِ الفجرِ منْ حبرِ التقى أدبَا |
كلُّ المرايا بكتْ عينيكِ وانطفأتْ |
أضواؤها ومُحيّا شوقِها شَحُبَا |
واحرّ قلبي على قلبي وواأسفا |
على فراقك والنور الذي حُجِبا |
من ربع قرن وشعري نبعُ عاطفةٍ |
يسقيك شهدَ الهوى ما منَّ ما وَهَبا |
أهكذا تتركيني ميِّتاً وأنا |
حي أناغي غرابَ البينِ إنْ نَعِبا؟ |
أبَعْدَ طيبِ التصافي يا سنا لُغتي |
نُمسي على مَشْرِقي طرفِ الرضا غُرَبا؟ |