الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 05th December,2005 العدد : 132

الأثنين 3 ,ذو القعدة 1426

أعر اف
المثقفون والأوطان
محمد جبر الحربي

لم تؤذَ الأمة العربية من قِبَل أحد مثلما تأذت ممن يتحدثون باسمها بلغة عربية وهي منهم براء. ولم تأخذ أسهم من يبيت لنا نية السوء طريقها إلى صدورنا إلا عبر الأقلام المسمومة في المنافي الطوعية كلندن وباريس وواشنطن وغيرها من مدن الغرب.
لم يطل الأذى وطنا من أوطاننا إلا عبر المسوغات التي يبثها هؤلاء تحت شعارات براقة، ولكنها تخفي ظلاماً عظيماً.
والأذى ليس بالكتابات السياسية والتحريضية ضدها ممن حسبوا على ثقافتها، بل هو في الخطاب الثقافي والأدبي أيضا. إنه إعلام متكامل موجه لنفخ روح الخيبة والهزيمة والانكسار في الأمة.
وهو خطاب عنصري دأب على إلغاء الهوية والحط من كل قيمة جميلة في ماضيها وحاضرها، والاستهزاء برموز حضارتنا العربية الإسلامية وثقافتها، والطعن في أي عمل يبرز جمالها، أو يتغنى بهويتها.. أو ينافح عنها.
بل حتى التقليل من قيمة لغتها، ووصفها بالجمود، ووصف إبداع بنيها بالمحدودية والضآلة. ونحن لم نشهد مثل هذا الاستعداء في تاريخنا مثل ما نراه اليوم.
بل إن جهات قد خصصت أقلاماً لمرتزقة دورهم أن يتابعوا كل ما يصدر بروح عربية وتسفيهه. سواء أكان ذلك مكتوبا، أو مبثوثاً على النت، أو على شاشات التلفزة، والدليل على أنهم يتبعون جهة واحدة، وتفكيرا واحدا، أنهم جميعا يستخدمون الأسلوب نفسه، والجمل، وحتى المفردات ذاتها.
ولو تابعنا المطبوعات المهاجرة في معظمها لوجدنا أن من يحررها ويقوم على معظمها مجموعة من الخارجين على أوطانهم وأمتهم، والخارجين على كل قيمة أخلاقية.
معهم يصبح الحق باطلاً، والنور ظلاماً، والعدل ظلماً، وأمة العرب أعرابا، وبيانها عبئا، ودينها تخلفاً، وحضارتها وهماً.
ومعهم يصبح الوطني خائنا، والعميل جليلاً، والدخيل أصيلاً.
لدى هؤلاء كل شيء مقلوب، يسيرون عكس التيار، وليتهم يفعلون ذلك وحدهم لينجرفوا إلى بئس المصير، لكنهم ينفثون شرهم في دماء الشباب الذي لم يتحصن بما يكفي.
ومع ذلك، مع كل ذلك، إلا أن ضخامة إفكهم، وعظيم نفاقهم يشير إليهم أينما ولوا، ويفضحهم حيثما حلوا. سيماهم في وجوههم من أثر التقلب والتلون، تعلوهم ذلة مهما استأسدوا.
وخنوع ظاهر كلما قابلوا أسيادهم الذين يأزونهم أزا.
ولكن مَنْ يكونون؟!
هل هم من أعدائنا فقط؟!
هل هم شعوبيون فقط؟!
هل هم من الخارجين من أهلنا فقط؟!
كلا، هم مجموعة متجانسة وغير متجانسة مما سلف، يدارون بخيوط يصعب رؤيتها كالعرائس، يحركهم المال، ويجمعهم ألا موقف لهم.. سوى موقف السوء فيسهل جمعهم.
ولقد كانت من حسنات الأمس علينا أنهم بعيدون في عواصم تشبه برودهم.. لكنهم اليوم انفتحوا علينا من عواصم عربية تطل علينا.
إن متابعة سريعة للقنوات التي نشأت في ظل الاحتلال تدلنا على حجم الاستهداف ضد هذه الأمة، وبلدنا هذا في المقدمة، ممن يدعون أنهم من سلالة حكمة سيدنا علي رضي الله عنه، وأقرب ما ينتمون إليه الحمق والخسة، وهم ليسوا الوحيدين، فقد ابتلينا بمرضى السنة أيضا، ممن تخلوا عن سنة الحق والعدل والخير، ومالوا حيث تميل الخديعة.
إنهم حفنة من عديمي الضمير..
شعراء، وروائيون، وكتاب، ونقاد.. لكنّ أكثرهم أذى الإعلاميين منهم.
تراهم بربطات أعناقهم في المحافل يهيئون للأجنبي الذبيحة التالية..
وبأيديهم دماء الأوطان وأبنائها مهما اغتسلوا.
وهم، لو تابعت سيرهم، يطردون من مكان إلى مكان كلما استهلكوا، وذهبت جاذبية الإفك لديهم.
لكن العجيب فيهم أنهم لا ييأسوا، ولا يتعبوا، فقد تمكن منهم سحر المال، وحب الظهور.. وسرت في دمائهم لعنة الخيانة.
ألا بئس رحلة حياة يقطعونها، وبئس مكان يسكنون إليه، وبئس أناس يشترون بضاعتهم الفاسدة.


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved