الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 05th December,2005 العدد : 132

الأثنين 3 ,ذو القعدة 1426

غواية البوح:
قراءة في الجوانب الشكلية لرواية (بنات الرياض) ودلالاتها
(3) المقدمات السير ذاتية

*د. صالح بن معيض الغامدي:
يقصد بالمقدمات السيرذاتية في هذه الرواية المقدمات التي تروى بضمير المتكلم وتخص الراوية - الكاتبة، أي أنها المكان الرئيس الذي تظهر فيه الكاتبة وعيها الكتابي وتفصح عن هويتها الشخصية وحضورها في الرواية. وسنشير لاحقاً إلى هذا البعد السيرذاتي في الرواية.
ولهذه المقدمة السيرذاتية وظائف متعددة، لعل من أهمها أنها وسيلة أو تقنية جيدة تستخدمها الكاتبة للربط بين الرسائل أو فصول الرواية، لإنتاج نص روائي متماسك إلى حد معقول، كما أنها تكسب النص حيوية معينة عندما تدخل قراء رسائلها المتخيلين طرفاً في كتابة رسائلها البريدية وتحاورهم وتستشيرهم حول مجرى أحداث القصة ومضامينها وأساليبها، بل إن حتى نشرها الرسائل بصيغة الرواية كان استجابة لرغبة أحد قرائها. وقد تسعى الكاتبة من خلال هذه المقدمات السيرذاتية إلى توجيه (وفي بعض الأحيان إلى دفع) قرائها إلى طريقة معينة لتلقي الرواية من خلالها.
بيد أن من أهم الوظائف التي تؤديها هذه المقدمات أنها تبدو أحياناً بمثابة هجوم استباقي أو حتى قمعي تستخدمه الكاتبة لمحاولة تحطيم كل مظاهر الاحتجاج والرفض التي كانت تتوقعها أو تتخيل توقعها من قِبل قراء عملها، وخصوصاً القراء الذين لا يتبنون المفاهيم والمواقف الفكرية التي تتبناها الكاتبة، أو لا يرتضون الأساليب الصريحة المباشرة في تصوير بعض الظواهر والعادات والتقاليد الاجتماعية ونقدها، أو حتى مناقشة بعض الموضوعات الاجتماعية الحساسة المحظور الحديث عنها عادة. والنجاح الذي تحقق لهذه الوظيفة ضعيف جداً مقارنة بما حققته الوظائف الأخرى، بل لعل هذه الوظيفة قد أساءت إلى الرواية كثيراً لأنها هي التي ضخمت ثورة الكاتبة على كثيرٍ من القيم والأعراف والتقاليد المرتبطة بالحب والزواج والحرية والإصلاح... وغيرها من القضايا الأخرى التي نوقشت في الرواية. وتبرير الكاتبة ثورتها على هذه القيم بالجرأة التي تمتلكها وبكونها (مستبيعة ولا انتظر شيئاً ولا أخشى شيئاً) (ص10)، وبأنها فتاة مرجوجة أو مجنونة لا تدعي الكمال ولا العصمة، أو بأن الأعمال بالنيات (ص 68 - 139)... وغيرها من العبارات التنصلية الأخرى لا يسوغ للكاتبة في رأينا هذا الأسلوب الصدامي المباشر الذي يسيطر على الرواية. فالفرق أحياناً بين الجرأة والتهور، والواقعية والابتذال، والصراحة والوقاحة... وغيرها من الثنائيات المشابهة يبدو فرقاً ضعيفاً جداً.
إن مصدر أغلب الاحتجاجات المناوئة للرواية والكتابات غير المتعاطفة معها (وقد كانت الكاتبة في أمس الحاجة إلى تعاطف قرائها) لا ينبع في رأينا من كون الكاتبة تناقش قضايا حساسة تتعلق بوضع المرأة غير المرضي أو حتى المزري أحياناً في مجتمعنا، أو تناقش بعض الجوانب السلبية التي تكتنف العلاقات التي تربط بين الرجل والمرأة في مجتمعنا مثل الحب والزواج والجنس... وغيرها فحسب، فهذه أمور قد طرحت وما زالت تُطرح في سياقات مختلفة أدبية وغير أدبية دون أن تثير مثل هذه الضجة التي أثارتها الرواية، بل إن مصدر هذه الاحتجاجات مرتبط إلى حدٍ كبيرٍ بالأسلوب الصدامي الذي انتهجته الكاتبة بوعي تام في معالجة هذه القضايا المهمة، أو بالأحرى ما رأت أنه يُشكل قضايا جديرة بالنقاش قد لا تهم بالضرورة شرائح المجتمع كلها. كما أنه مرتبط إلى حدٍ كبير أيضاً بالتحيز الفكري الواضح الذي تتبناه الكاتبة في عرض هذه القضايا والإشكاليات والمفاهيم (مثل الحرية، والتحضر، والتزمت... إلخ)، فطريقة عرضها المراوغة في كثيرٍ من الأحيان هي التي تحلل بعض الأمور وتحرم بعضها، على الرغم مما صرحت به: (أنا لا أحلل ما أفعل ولا أحرمه (ص 68). فاحتجاج كثيرٍ من القراء، على سبيل المثال، على اجتماع الفتيات في منزل أم نوير ليس سببه كونها مطلقة كما تصر الكاتبة، بل لكون منزلها يتحول إلى مكان سري تمارس فيه الأعمال غير المشروعة ديناً وأخلاقاً. ولوم أبي لميس إياها بعد أن قبضت عليها الهيئة مع شاب في مقهى بالرياض لا يقدم بوصفه اعتراضاً على لقاء ابنته غير المشروع بذلك الشاب كما قد يتوقع، بل لأن اللقاء حدث في مدينة الرياض، وإلا فهو يسمح لها بذلك في مدينة جدة!. والأمثلة على هذا التحيز الفكري كثيرة جداً بحيث لا يتسع المكان هنا لسردها. وثمة وظيفة أخرى مهمة تؤديها هذه المقدمات السيرذاتية وهي الدفاع المتكرر عن تجربة الكاتبة الحياتية القصيرة وأحقيتها في التعبير عنها وإظهارها في صورة عمل أدبي أو رواية. فالكاتبة يبدو أنها كانت تستشرف هذا النقد لروايتها أثناء الكتابة، ولذلك حاولت كثيراً التقليل من وجاهة هذا النقد بطريقة مباشرة، وذلك بالقول مراراً إنها لا تكتب إلا عن تجربتها الخاصة التي عاشتها مع صديقاتها، وبطريقة غير مباشرة عن طريق استعراض كثير من تجاربها الحياتية غير المعاشة لكن المستمدة من تجاربها القرائية المكثفة في حقول علمية وأدبية مختلفة، تجلت في المظاهر التناصية الكثيفة في روايتها. وعلى الرغم من أننا لسنا مع من يقلل من أهمية هذه الرواية لكون كاتبتها فتاة صغيرة في مقتبل العمر، إلا أننا لسنا أيضاً مع الكاتبة في تضخيم تجربتها الحياتية التي بدت مستندة إلى حدٍ كبيرٍ على ثقافة الأغاني والأفلام والمسلسلات التي تتخذ من العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة مرتكزاً لها. كما أننا لا نتفق معها في المقارنة الجائرة التي أقامتها أو أوحت بها بين ما تقوم به في روايتها من جهود لتحرير المرأة (أو المجتمع) وبين ما قام به مارتن لوثر كنج ضد التمييز العنصري في أمريكا (ص 113). لقد بدا لنا من خلال اطلاعنا على بعض المقابلات التي أجريت مع الكاتبة أنها أدركت أن عليها أن توسع من تجاربها الحياتية وتنوعها لتصبح أكثر قدرة على كتابة عمل روائي يأخذ في اعتباره شريحة أو شرائح واسعة من المجتمع ويتعامل مع قضاياها تعاملاً متوازناً، وهذا ما نؤمله منها مستقبلاً.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved