الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 05th December,2005 العدد : 132

الأثنين 3 ,ذو القعدة 1426

الحب الافتراضي
غازي أبو عقل
أتابع قدر المتاح والمستطاع تطور المنظومة المعلوماتية المتسارع يوماً بعد يوم، فلا يمر يوم إلا وتطالعنا وسائل نقل المعلومات بتطبيقات جديدة وابتكارات ذات تقانة عالية تكاد تتجاوز الخيال. فدخول (الرقمي) بقوة حسمَ مسألة مهمة مؤخراً، وهي اعتبار الصورة، الثابتة أو المتحركة، وثيقة مادية تؤكد حدوث المشهد المصور في الواقع.
وأخذت الصورة الافتراضية طريقها إلى المرئي. وبوسع التقانة الافتراضية اليوم وغداً وبعد غد إظهارك وأنت تشارك في تمثيل (دراماناتنا) كلها مع أنك لم تغادر كرسي المقهى. مع ذلك أصيبت هذه الأدوات المعقدة المتقدمة جداً بداء عجيب غريب ينشأ من فايروس، سمه جرثوماً على القياس، يؤدي إلى فقدان ذاكرتها لأنه يمحوها ويسبب لها حالة من الشلل العام... لست متأكداً الآن ما إذا كان هذا الفايروس نعمة أم نقمة.
ومع ذلك سارعت إلى إقتناء مطياف (تلفاز رقمي) لأتمكن من مواكبة العصر ورؤية البرامج النقية الواضحة جداً المصنوعة على أساس التقانة الرقمية. هيأت نفسي لاستقبال بث الأقنية الفضائية والفراغية، التي تستخدم الرقمي بدلاً، وحرصت على ضبط استقبال محطاتنا لمواكبة (دراماناتنا) المحلية في شهر الصيام الذي يتضاعف فيه استهلاك الطعام.
وما أن انقضى اليوم الأول من الشهر، حتى غاب أي أثر للصورة أو الصوت من شاشة مطيافي الرقمي، مع أن حاسوباً إبليسياً يتحكم بضبطها. وبعد الاستنجاد بالمهندس المعني بمثل هذه الأمور، أفادني أن فايروساً أشد إبليسية تسلل إلى الجهاز الجميل، وأن خير ما يقال في هذا المجال هو المثل الشعبي غير المتطور: فالج لا تعالج..
حملت (دراماي) الشخصية هذه، وجئت بها صديقي الناقد وجاري، فاستمع إلى حكايتي ملياً ثم سألني: ما بوسعي أن أفعل من أجلك؟ قلت له لا أريد سوى مساعدتك للعثور على جواب وحيد، هل الفايروس من بلد المنشأ أم أنه تسلل إلى الجهاز بعد تركيبه وتشغيله هنا.
وأضفت أن مطيافي الواضح جداً الرقمي صنع في اليابان. وأعرف حبك لليابان وكيف تفهمها بعد أن أقمت فيها سنوات. أكد لي صديقي الناقد أن الفايروس يستحيل أن يكون من منشأ ياباني، لهوسهم بالنظافة حتى أنهم لا يصافحون أجانب كثيرين من شعوب عديدة حرصاً منهم على النظافة، وبرأيه أن الفايروس متسلل، أو أن الجهاز مقلّد. أخذنا، صديقي الناقد وأنا، نقضي سهرات رمضان في مناقشة مسألة الفايروس الذي أصاب مطيافي بالشلل، ومنعني من مشاهدة دراماناتنا وكوميدياناتنا فجعلني غير منسجم مع البيئة المحيطة بي، من حفَظَتها ومريديها وأتباعها.
وذات مساء ذكرت لصديقي الناقد أن الجهاز المتقدم استقبل في اليوم الأول لرمضان ثلاثة برامج، منها (فجيعتان وتهريجة) هذا اجتهاد غير مأجور في ترجمة ما ليس هناك فائدة من ترجمته وبعد انتهائها أصيب بما أصيب به. فهل يكون الفايروس قد تسلل إليه منها. وإذا كان الجواب بالإيجاب فمن أيها؟ ملاحظة ذات صلة بما قبلها: شاركَ المحررُ المعلوماتي لصحيفة (الكلب) المحتجبة، في النقاش الدائر بيني وبين صديقي الناقد، واستغل هنيهة صمت غير مقصودة، فتدخل في النقاش، واستأذَننا ليقرأَ علينا رسالةً بعث بها إلى صحيفته عنوانها (الحب الافتراضي) تعالج هذه الناحية المتقدمة من الغرام، وتمر بمسألة (الفايروس) التي تؤرقنا. وأَصَرَّ على قراءة ما كتب، زاعماً أنها رسالة ما بعد حداثية، فوافقناه على مضض...
***
أقنعَتْني بحبّها الافتراضي
وهو نوعٌ من الغَرامِ الرياضي
فيه يشكو الحاسوبُ - لا أنت - طبعاً
من ظنونٍ تُعَدُّ في الأعراض
فالحواسيبُ أصبحتْ ِسمةَ العصرِ
وثوبَ الحداثةِ الفضفاض
وغرامُ الملَّوحين بليلى
ابتذالٌ مرشحٌ لانقراض
وتصيبُ الحاسوبَ بعضُ الجراثيمِ
ويشكو أيضاً من الأمراضِ
وهي تمحو من قلبه كلَّ (نبضٍ)
حيث يغدو كرأسِنا اليومَ.. فاضي
وإذا ما أردتَ للأمرِ شرحاً
قلتُ: يُبلى الحاسوبُ بالإجهاض
ويقولون: للحواسيبِ (عقلٌ)
ليس يرضى بما به أنتَ راضي
صانِعوها يُقَلدونَ اختراعاً
سالفاً، عاثَ مُفسداً في الأراضي
ينسخون الإنسانَ نسخاً رديئاً
وهو أمرٌ يدعو إلى الامتعاضِ
يقفُ (الكلبُ) داعماً للحواسيبِ
بأنيابهِ الحدادِ المواضي
فالحواسيبُ أنجبتها عقولٌ
تتحدى ولا تحبُ التغاضي
وهي بعد انتشارها في قُرانا
علَّموها أن تلتهي بالماضي
انتصارُ العقولِ لا ريبَ فيه
رغم أنفِ الراضينَ والأرفاضِ
يومَ يزهو بالنصرِ جنسُ الحواسيبِ
ويُلقى الإنسانُ في الأنقاضِ
أقبلي يومَها، لننعمَ بالحبِّ
وزيدي الحنينَ بالإعراضِ.. .
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved