الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 05th December,2005 العدد : 132

الأثنين 3 ,ذو القعدة 1426

شِهَار ..
المكان الشاعر.. والزمان الشاهر«1»
حمّاد بن حامد السالمي*

الطائف المأنوس
تناول بعض وسائل الإعلام في فترة سابقة، قضية تتعلق بنزلاء (مستشفى شهار) في محافظة الطائف، وتناوب على العرض والمعالجة في هذه القضية الإنسانية، التي بدأت بنشرها صحيفة (الوطن) السعودية، أكثر من كاتب في أكثر من صحيفة، فكانت هذه فرصة نادرة، وفرت للذاكرة الشعبية - كثيرة النسيان في العادة - استعادة اسم شهار المكان، وشهار المصحة النفسية العريقة، التي كانت هي أول مصحة نفسية تعرفها البلاد منذ تأسيسها، قبل أن تنتشر المصحات النفسية في كثير من المناطق والمدن في المملكة.
(ما قصة شهار المكان والمستشفى.. أو لنقل: ماذا عن شهار المشهور وشهار الآخر المكفور (1).. ؟)
مستشفى الصحة النفسية في شهار، بدأ في العام (1382هـ - 1961م) في الموقع الذي هو عليه اليوم، وكان يسمى وقتها، (مستشفى المجانين)، ثم أُطلق عليه تخفيفاً بعد ذلك، (مستشفى شهار)، نسبة إلى الموقع الذي اسمه شهار، ثم حمل فيما بعد اسم (مستشفى الصحة النفسية بالطائف)، بدون لفظ (شهار) الذي عرف به منذ (45 سنة).
ظل (مستشفى شهار) هذا سنوات طويلة، وهو يستقبل المرضى النفسيين من كافة أنحاء المملكة، وشهد تحولات وتطورات كثيرة، منها التوسع العمراني، ومنها إدارته في التسعينيات الهجرية، من قبل أول طبيب متخصص في الطب النفسي هو الدكتور (أسامة الراضي)، ولكن بعد تحقيق صحافي ناجح، نشرته مجلة اليمامة قبل (24 عاماً) تقريباً، وقعت تحولات تشبه العاصفة زمن وزارة الدكتور غازي القصيبي للصحة، فقد تغيرت إدارة المستشفى، وتنوعت أساليبه العلاجية التي كانت تتهم بأنها تعذيبية إلى حد ما، بل تم فتح مستشفيات مماثلة للصحة النفسية في كبريات المدن، فلم يعد شهار هو اسم سبَّة لمن يوصف بالجنون، بل أصبح في الرياض وجدة والدمام ومكة وغيرها، مصحات نفسية شبيهة بوضع مصحة شهار العريقة والعتيقة.
عرفت مصحة شهار إبان عملي في صحيفة الندوة، وكانت تربطني صداقة بالدكتور الراضي، الذي كان يسهل لي كتابة قصص إخبارية طريفة ونادرة من داخل المصحة، إضافة إلى عرض نشاط إدارته، الذي تميز بالحفلات الأسبوعية التي يشهدها الموظفون وبعض النزلاء من غير (الخطرين)، وفيها برنامج خطابي وثقافي ومسابقات وشعر، وكان الصديق المرحوم الدكتور (رشدي حسن محمود)، يسبغ عليها وعلى المستشفى نفحات أدبية من نظمه الطريف، الذي لا يوفر حتى ألوان الطعام.. وكذلك هدايا ذهبية من الشيكولاته.. ! التي لا تفارق حقيبته اليدوية، ولهذا قصة تتعلق ببناته الست، اللواتي يحملن أسماء تاريخية عجيبة، ربما تطرقت لها في مناسبة أخرى رحمه الله.
بعد إدارة الدكتور الراضي، جاءت إدارة الدكتور (عثمان الطويل)، وهو متخصص آخر في هذا المجال الفريد، وقد كنت قريباً منه بحكم عملي الصحافي، وأشهد أنه أسس لمؤسسة طبية نفسية كانت رائدة، حتى غاب عنا شخصه، نحن أهل الطائف على أقل تقدير.
في شهار، عرفت رواداً في الفن والأدب والشعر والصبر على الظلم والبلاء، يسمونهم مجانين، وهم أعقل العقلاء، وقد تأثرت بهذه القصص الإنسانية العظيمة، حتى أني كتبت ذات يوم، قصة أسميتها (الخارج من مستشفى العقلاء)، ولم أنشرها حتى اليوم، ووقفت على مآسٍ تتحرق منها الأكباد، وتدمع لها العيون، وجالست أشهر نزيل شاعر في شهار حتى وافاه الأجل المحتوم، وهو المرحوم الشاعر (حمد الحجي)، وتسببت في كشف وخروج نزيل جُني عليه بالعمد، أمضى (18 سنة) ظلماً، فقد جيء به بمؤامرة من أهل زوجة أبيه، وهو ابن (18 عاماً) باسم غير اسمه، وظل إخوته يبحثون عنه، حتى وجدوا صورته منشورة في صحيفة الندوة .. !!
(شهار.. وما أدراك ما شهار..)
شهار ليس هو فقط المستشفى أو المصحة، ولكنه مكان جميل من جنوبي الطائف على طريق الذاهب إلى غدير البنات. كان فيما سبق، روابي مخضرة، وحقولاً وبساتيناً ووادياً يتنزه فيه أهل الطائف والمصطافون، في أمسياتهم وعصاريهم البهيجة، وظل كذلك إلى العام الذي أنشئ فيه المستشفى، فقد ظل مبنى المستشفى عدة سنوات، وهو في مكان قصي عن المدينة، وفي برحة ابن عباس، موقف لسيارات تنقل المسافرين إلى المستشفى، خاصة أيام الجمع لزيارة أقاربهم المرضى، وكنا في الصغر، نمر قرب بوابته ونحن على دوابنا مسافرين من الطائف إلى بني سالم أو العكس، أما اختيار الموقع، فقد تم بعد دراسة مستفيضة لعدة مواقع كما قيل لي من أكثر من مصدر، فكان شهار أميزها نقاءً وهواءً وانفتاحاً. وأقيم بناء على ذلك مصحة أخرى للصحة الصدرية، في مقابلة مصحة شهار في طرف السداد.
شهار في اللغة.. لعله المكان المشهور، أو البارز المعروف والمذكور. هو اليوم، واحد من أحياء الطائف المكتظة بالعمران والسكان بعد أن كان وادياً زراعياً، فيه بساتين العنب والرمان والسفرجل والورد، وتغني على أيكه ودوحه البلابل.
ويبدو أن وادي شهار هذا، كان موضعاً معروفاً منذ القدم، خاصة وأن طرفه الشمالي، كان جزءاً من الطائف القديمة داخل السور في العصر الجاهلي (2).
وقد جاء ذكر ل(شُهار) بالضم في شعر لشاعر اسمه (أبو صخر) (3) قال:
ويوم شهارٍ.. قد ذكرتك ذكرة
على دُبُرٍ مُجْلٍ من العيش نافذ


يتبع
* كاتب سعودي
assahm@maktoob.com


****
هوامش وإحالات
(1) المكفور: ما كان مخفياً أو مغطى. غير معروف.
(2) الطائف القديمة في العصر الجاهلي، كانت إلى الجنوب من وادي وج، بين المثناة وحوايا وشهار. والطوف الذي شيده الثقفيون حول مدينتهم، كان على أطراف شهار من جهة المزغدية اليوم.
(3) الشاعر لم أجد له ترجمة تدل عليه. وانظر كتابي (المعجم الجغرافي لمحافظة الطائف)، مادة (شهار).
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved