الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 05th December,2005 العدد : 132

الأثنين 3 ,ذو القعدة 1426

قصة قصيرة
زمن الطين
عبدالله سليمان الطليان الخرج
مزق السكون والهدوء صوت المؤذن مناديا لصلاة الفجر فاستيقظ أبو سعد من نومه العميق وبدا عليه التعب والإرهاق.. لقد كان ملقيا بنفسه فوق كتومة من القش ولم يكن يغطي جسمه سوى قطعة من القماش لم تصل إلى حد ركبتيه في تلك الغرفة المظلمة التي لا يوجد بها الا سراج مكسور موضوع قرب النافذة، والقش متناثر هنا وهناك.. لقد كانت مخصصة لتخزينه من أجل البهائم. وتلك عادة أبو سعد، لا يبالي في أي مكان داخل البيت الطيني يطرح بنفسه. توضأ استعدادا لصلاة الفجر وبعدها خرج من البيت وهو يردد: أصبحنا وأصبح الملك لله، صباح خير.. والتثاؤب لا يكاد ينقطع من فمه. وفي الطريق الضيق المؤدي إلى المسجد لمح شبح شخص ما، فقال مَنْ تكون؟ فإذا به جاره أبو عبدالرحمن، وكان يسعل بفعل شرقة الماء الذي توضأ به، فألقى عليه السلام ومن ثم بادره بسؤال: هل تعتقد ان الجميع سوف يكونون جاهزين اليوم؟ فقال أبو عبدالرحمن: علام تتحدث؟ قال ان النوم ما زال يعشش في رأسك.. أو إن السن بدأ يضعف ذاكرتك.. إننا أعطينا صاحب الأرض الشمالية من القرية وعدا بالبدء في البناء اليوم ولا نريد ان نتأخر.. ان هناك أعمالا كثيرة يجب ان تُنجز.
دلفوا إلى داخل المسجد ولاحت بعض الوجوه من خلف ضوء ذلك السراج الصغير المعلق في محراب المسجد.. لم يكن هناك سوى خمسة رجال افترشوا ذلك الحصير، وكان النعاس يطبق على غالبيتهم. ألقيا السلام، فلم يسمعا إلا بعض التمتمة والهمس. وبعد انقضاء الصلاة التفت أبو سعد إلى يمينه فشاهد في آخر الصف أبو ناصر كعادته متأخرا عن الصلاة، وتفرس الوجوه فوجد أن الحضور مكتمل، ولاح خيط الصباح معلنا يوما جديدا، فتجمعوا وقام البعض منهم باستبدال ملابسه استعدادا لبدء العمل. وقف أبو سعد الذي يعتبر هو من أمهر البنائين في القرية وله خمسة عشر عاما في تلك المهنة وقال بصوت عال: لقد حان وقت العمل. فبدأ أبو ناصر في خلط الطين مع التبن، وقد غاصت قدماه وهو يقوم بذلك حتى وصل الطين إلى ركبتيه. أما أبو عبدالرحمن فشد على يديه بقوة وهو يعد ذلك الزبيل لكي يحمل فيه الطين.. ومع انهماكهم في العمل راح أبو سعد بمثابة القائد الذي يحثهم على بذل الجهد والعطاء وينسيهم التعب يرسل تلك الكلمات: لبنة.. طينة.. طينة.. لبنة.. أما أبو ناصر الذي لم يبقى في جسمه موضع إلا وصل الطين اليه فأنشد وقد نسى نفسه (يم ثويبٍ حمر طار قلبي معك). وفي أثناء ذلك احضر إليهم الفطور الذي لم يكن إلا (مراصيع) وقليل من التمر مع القهوة، فأقبلوا عليها بنهم ثم استأنفوا عملهم من جديد والشمس ترتفع في كبد السماء حتى أصبحت فوق الرؤوس، عندها نادى المؤذن لصلاة الظهر فتوقف العمل. بدا الجميع منهكا والعرق ينزف من تلك الأجساد بفعل حرارة الشمس اللاهبة. أدوا الصلاة جماعة، وبعدها توجهوا إلى صاحب الأرض الذي كان معدا لهم وجبة الغداء، حيث جرت العادة وقد تمكن الجوع منهم بعد عمل شاق، وتفرقوا على ان يلتقوا في اليوم التالي بعزم وقوة. وفي طريق العودة إلى بيوتهم سار أبو عبدالرحمن إلى جانب أبي سعد الذي قال: متى ينتهي هذا البيت؟ فرد عليه أبو عبدالرحمن وقال: ما زلنا في البداية لم أعهدك تتضجر من العمل فما الذي حصل؟ فأجاب أبو سعد: أنت تعرف انه منذ سنين طويلة وأنا أمارس تلك المهنة وأطمع بعد تلك السنين ان يكون لي مزرعة أعمل فيها مع أولادي أفضل لي من ذلك. وبعد مرور سنة تحقق حلم أبي سعد فأصبح صاحب مزرعة في آخر القرية وترك ذلك الطين ومتاعبه وتفرغ لمزرعته التي أصبحت ملك وقته وتفكيره.


abdllh_800@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved