الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 05th December,2005 العدد : 132

الأثنين 3 ,ذو القعدة 1426

قصة قصيرة
معلقة
حصة العتيبي
تتكئ بأيامها على حائط الهم، وترتكز ببؤس يحتل معظم احداقها على قارعة الأمل، وترجو أن تنال حريتها بسرعة قبل أن يلغيها وينساها الأهل والزمن.
قضيتها معقدة، فهي ترغب مفارقة زوج لا يعرف كيف يتعامل مع هذا المخلوق الحساس، طريقه للتفاهم عصاه، لغته للكلام الصراخ، وتضاريس وجهه القبيح تعبر عن جهله بأقل حقوق زوجته وبيته عليه.
(كان كمن يشرب الهواء، كان يعلك الحقد ويمضغ هزال جهله، ويزداد سوءا في معاملته كلما وجدنا سعداء، بالعربي الفصيح هو مريض، مختل الاخلاق،
ناقص الرجولة، قليل الذكاء، لا يعرف سوى نفسه، ويظن أنه وحده على الأرض، وبيده أمر كل البشر.. الغرور سيقتله لا محالة!!).. هكذا بدأت تلك السيدة وهي تحكي مأساتها.. (كنت كزهرة فائقة الروعة والجمال في بيت والدي لا أعرف من الدنيا سوى المرح وحب أهلي لي، وعندما كبرت كان زوجي من المنبهرين بهذا الجمال، ومن أوائل المتقدمين لطلب يدي، سمعة أهله الطيبة جعلت أهلي يوافقون عليه، فتم الزواج ودخلت السجن الكبير مكبلة بوصايا من والدتي منها: المرأة يا ابنتي ليس لها سوى بيتها وزوجها.. كوني له أمة يكن لك عبداً). وهكذا.. بدأ العبد يتمرد على الأمة ناسيا رغبتها في الاستمرار معه تحت أي ظرف، لكنه كان متعاليا يراني وانا أتودد إليه كأمة لا بد أن يدوس عليها أكثر وأكثر حتى يزيد من خضوعي له.
طعم الايام اختلف، لون الوصايا العشر بهت، صوت أولادي وهم يبكون عندما يرون أدمعي زاد مع الأيام، وانقشع ما كان في قلبي من وداد له.. للأبد.
كرهت صوته، كرهت وقت عودته للبيت، حتى اني كرهت صورته وأحاول أن أنسى أنني زوجته، عفوا.. أقصد أمته التي يملكها بحبر مكتوب على ورقة باهتة قبل سنوات غابرة لم اعرف فيها سوى الدموع.
عندما يغيب.. نجد فسحة أنا وأولادي لنعيش بهدوء، نضحك بحذر نخاف ان يدخل علينا خلسة، نتظاهر بالنوم عندما يعود متأخرا حتى ننجو من عقابه الذي لم نقترف ذنبا لنناله، يستعرض رجولته الناقصة ويحاول أن يكملها على ضعفنا وقلة حيلتنا.
علامات الضرب كانت بادية على وجهي وأجساد أبنائي، ومع ذلك لم أنل حريتي عندما فررت هاربة إلى بيت أهلي، فرفعت قضية للطلاق عليه، لكنها ما زالت حبيسة تنتظر مثل انتظاري لحظة الحرية.
مواعيد المحكمة بطيئة.. أملا من القاضي أن يعود هذا الشارد لرشده، لكن كيف يعود.. وهو فاقد كل حس.. ملغيا كل احساس، عابثا بالامانة، ضاربا بحقوقي كل جدار.
وينطبق عليه المثل (من أمن العقوبة أساء الأدب)؛ لأنه يملك حريتي في يده، ويعلم جيدا أن أمر الفكاك بيده، لن يرغمه قاض أو محكمة على طلاقي طالما هو ظاهريا زوج محب، وابن ناس محترمة.
في بعض المرات كان يهددني بأن يجعلني ناشزا، وكثيرا ما كان يتهكم قائلاً (أمة ناشز.. ما أجمل الصفة، انها تليق بك، تشعرني بالمتعة وانا أرى عذابك الذي لا يعرفه أحد سواي معلما حول عينيك)... هكذا كان يتندر وأنا أشرق بدمعي وأتساءل: مَنْ أعطاه الحق، مَنْ جعل منه قاضيا وسيافا، مَنْ أمكنه من هذه السطوة على رقبتي، أين حقي كزوجة، وأم، وامرأة كسيرة لا تريد من هذه الدنيا سوى ان تحلم وتعيش بسعادة مع ابنائها، وأن تعمرّ قلوبهم بحب الحياة الذي لم يعرفوه في بيت والدهم الجاهل؟؟.. أنا الآن معلّقة لا أدري هل أنا على الأرض أم الأرض تفترشني قبل أن أتوسد حجارة قبرها المظلم.
ويبقى السؤال معلقا محدقا في آفاق ليس بها سوى ضباب وغبرة.. يبقى التساؤل عن أحوال أخريات نالهن ما أصاب صاحبتنا من غم وهم، يبقى الالحاح مرتكزا على حقها الانساني، كيف حدث لها ذلك، كيف ارتأت طبيعتها الاحتمال، وكاهلها الصبر، وعيناها الباهتتان ألم سنين كان السبب فيه (رجل)!.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved