الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 05th December,2005 العدد : 132

الأثنين 3 ,ذو القعدة 1426

قصة قصيرة
بعد أفول الشمس
محمد صالح القرعاوي
البحر بالنسبة لها عشق دائم ولكن..! تخاف من المجهول عندما تلملم الشمس أشعتها الذهبية مغادرة إلى أوطان بعيدة..!
تذكرت هذا الخوف عندما كانت تطالع تلك الأوطان في كتاب الجغرافيا.. عندما كان يصفعها ذلك التساؤل.. كيف يسافر الناس إلى الأوطان البعيدة؟
أعادها إلى منظر البحر صوت المؤذن من المسجد القريب من الشاطئ.. رددت مع المؤذن وهي تتأمل أشعة الشمس المنعكسة على الطائرة فوق البحر..! نعم.. إنها لم تغرب بعد..! إنه الإختفاء.. أين..؟ في الأوطان البعيدة.
وقفت..! وحينما همت بمغادرة الشاطئ.. سمعت إمام المسجد وهو يقرأ { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} .. تذكرت الخوف وهي تلتفت إلى ناحية الشمس لعلها تدرك المجهول..!!
عبر بوابة النصيب.. كانت على موعد مع الخوف..! نعم الكل يثني عليه ويمدحه.. الطموح لديه كبير وينتظره مستقبل زاهر.. هذا مصدر القلق..!! تدرك أن مثل هذا الشاب ليس لسفينته حدود..! ولكن.. أين؟ خلف البحر..! هل هو هناك ذلك المستقبل الزاهر..؟ ربما..!!.. ستمضي الأيام سريعا.. ستكونون مشغولين بالدراسة..!
ستأتون في الإجازات..!!.. إنه مجتهد سوف يختصر المدة المقررة للدكتوراه..! كانت تلك وسائل الإقناع لكي لا تفوتها الفرصة من الزواج من عادل.. هل أحمل معي مدائن الخوف..؟! أم أخبرهم بما يعتصر داخلي؟ نعم.. أعرف أن الكل يقف خلف أسوار هذه المدائن..!
سقطت وثيقة السفر من يدها وهي تعانق والدتها.. هل أنت خائفة..؟ ربما.. والدموع تغسل لون الوداع الأسود.. توكلي على الله يا بنيتي.. الهاتف بيننا..
في داخل الممر الموصل إلى الطائرة همست ولأول مرة.. عادل.. عادل.. إني خائفة!!
انها من أحسن الطائرات..! لم يدرك معنى الخوف..!!
على مقاعد الدرجة الأولى الفسيحة.. عادل يشرح لها عن الطائرة والرحلة وكم تستغرق وعدد المطارات التي سوف يتوقفون فيها.. الجامعة.. الدراسة.. الأمان في تلك المدن.. التفت نحو نافذة الطائرة.. وبحركة غريبة.. شهقت.. أعادها إلى مدائن الخوف.. أشعة الشمس الذهبية وهي تسطع على أجنحة الطائرة.. تذكرت شاطئ البحر.. صوت الإمام.. صعقها تساؤل عادل.. ! هل أنت لازلت خائفة..؟
بصوت مبحوح.. نعم.. ولكن لا مجال للتراجع..! قالتها بصوت غير مسموع!
تذكرت تلك التقارير التي ترد على التلفاز عن الجرائم في هذه المدن بعد غروب الشمس.. تمنت أن تصل إلى السكن المعد قبل الغروب.. الحمد لله على السلامة.. قالها عادل وهي مشغولة بإغلاق النوافذ بإحكام وكذلك الستائر..! لماذا؟ ألهذه الدرجة أثرت عليك تلك التقارير..؟ إنها من أقوى المدن كنظام بوليسي..! ان الهواتف متصلة بالشوارع مباشرة.. ولكن.. كل كلمات عادل لم تزرع الأمان في داخلها..!
منذ شهور عديدة لم تعرف فيها زرقة البحر ولا أشكال المطاعم.. عادل مشغول بالدراسة نهارا وهي ترفض الخروج بعد غروب الشمس..!
أسقط في يدها عندما أخبرها عادل أن اليوم عطلة وسوف يقضونه خارج المنزل..! ليس هناك مبرر للرفض.. منذ وصولهم إلى مهاجع الخوف لم تخرج معه في نزهة رومانسية..!
المكان هادئ.. العاملون به.. سحنتهم عربية.. نعم انهم اتراك.. هكذا قال لها عادل.. كانت لحظات جميلة على الرغم من القلق الراكن خلف قلبها.. لقد كانت خائفة من أن تنتهي وجبة الطعام.
عشرون دقيقة فقط من هذا المطعم الجميل إلى المنزل.. قالها عادل وهو يلتفت اليها.. قالت جميل يا حبيبي ولكن كم هي بالسنين عبر مدن الخوف..؟ ضحك عادل.. وهو يقول أتدرين ماذا؟ أتوقع أن تعودي إلى الوطن وحيدة..
خلف باب المنزل علقت حجابها وهي تتمتم.. الحمد لله.. التفت نحو عادل وهي تتأمله..! أليس لديك خوف.. ألا تدرك عدم وجود الإيمان.. الا تدرك انتشار المخدرات.. أليست المادة هي المسيطرة عليهم.. إنها..!
ليست الوحيدة من مدن البلاد البعيدة التي يعبرها فيها الموت الشوارع ليلاًَ.. ولكن..!
أين إيمانك بقوله تعالى {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ}.
نعم يا حبيبي.. هذا هو سر الخوف..! لم أعتد مواجهة الموت وحيدة.. وكذلك أنت..!
على الكنبة المواجهة للتلفاز كانت هناك مصادمات لتلك الانفعالات حينما سمعوا خبراً عن الجريمة في الشارع الخلفي لمنزلهم راح ضحيته أحد الغرباء..!
هل لديك الرغبة بالشاي المنعنع؟ قالتها وهي تقوم نحو المطبخ..! لم تدرك معنى هذا التصرف..!
قد يكون الهروب من مدن الخوف.. أم رغبة في قتل القلق.. أم..!
قطع عليها عادل التفكير وهو يربت على كتفها.. هل أنت خائفة من الموت..؟
لم يكن السؤال مفاجأة.. بل كان هو المتوقع منه وهو يدرك مدى خوفها..
لا يا حبيبي..! ولكن طريقة الموت نفسها.. بعيدا عن مرافئ الأمل.
نظرت إليه بنظرة خاطفة.. قرأت مدى خوفه عليها.. أدركت أنه يريد انتزاع الخوف من جذوره. لذلك.. همست بصوت حنون. ماذا بك..؟
ألا تودين الاتصال بالأهل منذ مدة لم نتصل عليهم..؟ لا يهم متى وقت التخفيض للمكالمات..! المهم راحة النفوس..!!!
حملت الشاي وهي تردد الوقت غير مناسب ولكن غدا نهاية الاسبوع.. انها فرصة..!
التوازن النفسي كان المطلب الأساسي من خلال البحث عن هذه الشريكة التي كانت تدرك معنى الغربة وعن المدن البعيدة التي تسرق أشعة الشمس..!
أثار عادل تساؤله لعله يقتل الخوف في دقائق الزمن التي سبقت كأس الشاي.. ما هي قصة شاطئ الغروب..؟ لم يدرك أنه في سؤاله هذا فتح الجرح..!
ردت بصوت حزين.. الرهبة من المدن البعيدة.. لم تكن الحلم ولكن..!
في الدقائق الأخيرة من الليل أفاقت وهو يقفل المنبه ويتأهب لصلاة الفجر.. كانت في حالة فزع.. تعوذت من الشيطان الرجيم..! ما هذا..!!؟
إنه حلم مزعج..! ولكن.. أين ذلك الشاطئ اني أعرفه..؟ وطائر النورس.. لقد اختفى.. لقد حذرته من مدائن الخوف.. تلك التي تسرق أشعة الشمس.. أعوذ بالله .. قامت إلى مصلاها في الغرفة المجاورة.. أدت الصلاة.. نظرت إليه أعجبها بطول سجوده!
جهزت الإفطار والشاي والقهوة والتمر لجعلها مفاجأة هذا الصباح الجميل.. نادت.. عادل.. عادل.. القهوة جاهزة.. لماذا لا يجيب..؟ أهو عاد إلى النوم.. أم..!!
لا يزال على سجوده .. الشمس تذرع الأفق.. عادل.. والخوف يملأ تجاويف الحروف..
ما أن لمسته حتى سقط على جنبه.. صرخت.. لقد عبر الموت من هنا..!
مدن الخوف تعيد الصدى.. الحزن يختلط بالخوف يتشكل كتلة من الوجوم على محياها الجميل.. جلست. على شاطئ الغروب.. ادارت رقم الهاتف إلى مواطن الأمل..
أمي..!! هل لك أن تخبري أبي بأن يأتي ليحمل الأمل من دهاليز المدن المخيفة..؟
وسقطت سماعة الهاتف..!
عبر الممرات الموصلة من الطائرة إلى صالة القدوم.. تسمع الصدى.. انها شهور.. تلك هي الفاصلة بين الخوف وضياع الأمل.
أين صاحب هذه الوثيقة؟ كان هذا التساؤل كالخنجر من مسئول الجوازات..
ذهب مع طائر النور خلف أشعة الشمس.. إلى..! وانهمرت الدموع..!
جلست على سجادة الصلاة تودع الأمل وتستقبل المعزين ويبقى شاطئ الغروب محفوراً بالذاكرة..!


dalo46@yahoo.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved