الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 05th December,2005 العدد : 132

الأثنين 3 ,ذو القعدة 1426

من الحقيبة التشكيلية
د. أحمد الكريم
يوظف سيموطيقيا اللسانيات في العمل التشكيلي

إعداد: محمد المنيف
في حقيبتنا اليوم اسم يعرفه كل من مر بكلية التربية - قسم التربية الفنية بجامعة الملك سعود معرفة تامة ويحملون له التقدير والإعجاب مع ما يمتلكه أيضاً من إعجاب الوسط الثقافي والتشكيلي في المملكة نتيجة لوجوده عبر إبداعاته التي قدمها في عدد من معارضه الشخصية في الرياض وجدة إضافة إلى حضوره واستجاباته المستمرة للدعوات التي توجه له في مختلف المناسبات التشكيلية، إذاً فضيفنا اليوم هو الفنان الدكتور أحمد عبدالكريم من مصر الشقيقة أحد أعضاء التدريس بقسم التربية الفنية وأحد أهم الأسماء التشكيلية المعاصرة والمتجددة في عطائها الباحثة عن أبعاد جديدة في مجال الفنون التشكيلية في مصر الشقيقة وعلى المستوى العربي.. مثرياً بها الساحة ومثيراً من خلالها الكثير من الجدل، محركاً الساكن في مياه النقد كاشفاً الكثير من مواقع وأمكنة الجهل عند بعض من لا يفقه في النص البصري التشكيلي، الفنان أحمد عبدالكريم له مساهمات كبيرة في هذا المجال ابتداء من البحث والتجريب مروراً بإقامة المعارض الشخصية على مستوى الوطن العربي والعالم وصولاً إلى إعداده الكثير من البحوث مع ما ينجزه من عمل في قسم التربية الفنية للطلبة على مستوى البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراه.
الفنان عبدالكريم والتجربة المختزلة
ما نشاهده من إنجازات بصرية في إبداعات الفنان الدكتور أحمد عبدالكريم نجدها كما يشير في كثير من أحاديثه ولقاءاته الصحفية أو في مشاركته في الندوات من نتائج إيجابية في تجاربه وبحثه ما يعني اختصاره للمسافة أوصلته إلى وضع أكبر مساحة للمستقبل ليقدم من خلالها الكثير من تلك التجارب. أما الجانب الأهم فيها فهو في ما أحدثه من نقلات مدروسة ومتتابعة لا يمكن فصل أحدها عن الآخر بقدر ما تحمل الروح والإحساس الذي انطلق منه وبه مع أول خطوة في مسيرته التشكيلية مع تمسكه بمبدأ أن الفنون البصرية لا تعيش في معزل عن العلوم الإنسانية مهما كانت عوامل الاغتراب قائمة بينهما.. فالفنون البصرية كائن حي يمتد عبر الزمان والمكان متجسداً في أعمال الفنانين على كل من المستويين الفردي والحضاري.
نقل الإشارة من النص المقروء إلى العمل الفني
تلك المقولة أو الإشارة من الفنان الدكتور أحمد عبدالكريم جاءت بعد تجربته الأخيرة في تحويل مفهوم الإشارة في النص أو ما يطلق عليها السيموطيقيا إلى العمل الفني، كما يقول في أحد اللقاءات أنه وجد هذا المصطلح خاصاً بعمل (اللسانيات) ومجاله الرموز والعلاقات والإشارات متسائلاً: هل تلك المصطلحات ليست لها علاقة بالفنون البصرية ليجيب عنها بتجربته التي قدمها في معرضه بأتيلييه جدة ليكون الدكتور أحمد عبدالكريم الوحيد في هذه التجربة، وبهذا المفهوم إذا ما عدنا إلى تجارب مشابهة إلا أن الدكتور أحمد يضيف أنه حاول تقديم فكرة عن عصر التقنية والاتصالات السريعة التي نعيشها اليوم، مشيراً إلى أن مصطلح (السيموطيقيا) يرتكز على الرموز والعلاقات والإشارات التي لها علاقة بالفنون البصرية بتوظيفها جمالياً بقصد من الفنان على سطوح الأعمال الفنية ذات البعدين أو المجسمة ثلاثية الأبعاد، من خلال الرسم أو التصميم على أن تتضمن مضموناً فلسفياً أو تعبيراً ذاتياً في إطار جمالي.
وتأخذ سيموطيقيا العلامات في مجال الفنون البصرية صياغات بصرية متنوعة كما قدمها في معرضه، واستخدم فيها القطع المعدنية المفككة والأسلاك الكهربائية والمسامير والبعض من الأجهزة الإلكترونية.
مع أن مثل هذا الطرح وفي بيئة ما زالت تتلمس معنى ومفهوم الفن التشكيلي بين فئات بعيدة الفهم للجديد في الساحة والقاصرة في سعيها لمعرفة ما يمكن حدوثه وما يجب أن نصل إليه من خلال هذا الإبداع مقابل ما يحدث في العالم دون إخلال بالموروث الذي انطلق منه الفنان الدكتور أحمد عبدالكريم ما يبعث فينا الخوف من ردود الفعل لمثل هذه التجربة أو الطرح نتيجة عدم قناعة المتلقي أن العمل الفني لغة... ثم كيف لفنان أن يجد من يفهم هذه اللغة ومن المسؤول عن تعليمها..؟ أما السؤال المباشر للدكتور أحمد: كيف ترى مستقبل تجربة نقل الإشارة أو الدلالة أو الرمز من النص المقروء إلى الشكل؟
إن مثل هذا الإبداع المعاصر والنابع من أعماق الفكر والتراث والموجه لمتلقّ عربي ما زال مرتبطاً ومتعلقاً بمفهوم أن الفن نقل لواقع يرى أن في الخروج عنه خروجاً عن النص وفعلاً غير مقبول ما قد يجعل من أعمال الفنان أحمد عبدالكريم من مصر وأعمال حسين الشريف في الإمارات وأعمال هاشم سلطان من السعودية التي تتعامل مع السيموطيقيا أو لغة لإشارات والعلامات نتيجة جهل المتلقي بما تعنيه أو تحمله من بعد جديد للغة الإبداع واستبداله لها بلغة الهيرمينوطيقا أو التأويل، فتصبح تلك الأعمال مثار اشمئزاز وتندر، وقد يتهم صاحبها بالجنون.
إن مثل أعمال الفنان أحمد تشعرنا أننا في حاجة لفهم كيفية قراءة العمل الفني الجديد بمنظور أكثر قرباً منه وبحثاً عن سبل تحليله وسبر أغواره من أن ننكر ونستسلم لأول سوء فهم يشعرنا بالصدمة الوهمية التي تحجب الرؤيا وتقف أمام العقل، وإدراك الشيء الذي نراه بالبصر ونحيله للبصيرة، فعلينا أن نضع لنا سلماً قوامه الثقافة لنصعد به ونرتقي من خلاله من مستوى الجهل بالشيء إلى مرحلة الوعي بدأ بالنظر للعمل الفني الجديد فكراً وتقنية دون النظر لأي تسمية يمكن أن تلصق به كالمفاهيمية أو الحداثة أو السيموطيقية وغيرها، فالعمل كما نراه لا كما يطلق عليه من تسمية أو صفة لنا معها في تاريخ الفن الكثير من التأويل.. نعود للقول قراءة العمل ابتداء من العلامات بكل أشكالها، مروراً باللغة لكل عمل، لنعود بهما إلى كشف خفاياه وأبعاده بكل ما تحتمله الرؤيا من مصداقية أو تأويل مع أن الأخيرة هي السائدة وصولاً إلى تحويل العمل الفني إلى معايشة فعلية.
التجربة والمختزل الكبير
من الأمور التي يجب إعادة النظر فيها ووضعها في مقدمة الاهتمام هي معرفة مستوى فهم وثقافة وتجارب من يقدم تجربة جديدة للساحة، ويكفي أن نقول إن ما قدمه الفنان أحمد عبدالكريم وما تحمله التجربة من بعد علمي وتقني وفكري كافية لنستشهد بها ونقبلها وننتظر ما يمكن أن يطرأ عليها مستقبلاً مقابل ما نراه من أعمال وتجارب يقدمها الكثير من التشكيليين على الساحة نتيجة تقليد غير واعٍ لتجارب أجنبية غربية لا تحمل أي مضمون بقدر ما سعى أصحابها إلى الفصل بينهم وبين المتلقي لعدم قناعتهم به ولعدم أهمية رأيه تجاه الإبداع متناسين أن الفن رسالة سامية يجب أن تقدم بصدق وشفافية للارتقاء بالذائقة، وهذا لن يتم إلا من خلال توظيف الواقع واستلهامه بأنماط معاصرة تحمل الروح والانتماء وتبرز بأنماط جديدة خصوصاً إذا اعتبرنا أن الفنون التشكيلية لغة بصرية عالمية تحتاج إلى أن تقدم في إطار فن عالمي يتماشى مع روح العصر وديناميكيته.
وإذا عدنا إلى أعمال الفنان الدكتور أحمد عبدالكريم لوجدنا أنها لم تأتِ عبثاً أو لمجرد التجريب والمحاولات المعتمدة على النتيجة التلقائية بقدر ما تعود إلى ذاكرة معرفية نتج عنها تراكمات بصرية معبرة عن ذات فردية مبدعة دون أن تلغي الانتماء لتجارب سابقة أو لمصدر الإلهام ودون أن تذوب في ثقافة الآخر وتكون تابعة بل متبوعة، ومع أن الكثير ما زال ينفر ويصدم بمثل هذه التجارب والشعور بأنها طمس لحقيقة الفن المنتمي للبيئة والمجتمع الذي يبحث أفراده عن أنماط الفن التشكيلي المقولبة والمحكومة بنسق ومسار تقليدي يعبر عن مفهوم معين لا يعي معنى الذاكرة البصرية الجمالية المعاصرة التي تعمل من منطلق جديد يبحث عن الجوهر دون إقصاء للذات وعقوق لخصوصية الموروث الحضاري ما قد يدفع بالفنان إلى الركض خلف العولمة وساحات الفن السطحي الساذج الذي يلغي حقيقة وجدان الإنسان واهتمامه بقيم الجمال.
إن ما يقدمه الفنان الدكتور أحمد عبدالكريم من إبداعات معاصرة عبر محطات التجريب التي يتوقف بها منتقلاً إلى ما بعدها من تجارب نجده يجمع الأصالة بالذاتية ويسعى للتفرد بالاستقلالية منفتحاً على الآخرين.. يؤلف في أعماله بين البنيوية والسريالية والرمزية والدادية والتعبيرية، دون أن يشعرك بالانتماء إلى إحداها على حساب أخرى متنوعة لرؤيا والرؤى رافضاً القوالب المسبقة الصنع.
أخيراً..
يمر بالساحة التشكيلية الكثير من التجارب المهمة من قبل عدد من الفنانين المحليين ممن جعلوا لفنهم من وقتهم الكثير للبحث والتجريب وخوض غمار الجديد بثقة تعود لنتاج تجاربهم السابقة إضافة إلى تجارب الأخوة والأشقاء من الفنانين العرب الذين أضافوا الكثير من الخبرات للساحة المحلية، وهنا نعني المبدعين منهم والمتمكنين من إبداعهم نتيجة امتلاكهم مقومات النجاح وأسس بناء العمل مؤطرين ذلك الإبداع بثقافة واعية وفهم عميق للهدف الذي يسعون إلى تحقيقه لهذا الفن قبل تحقيق الشهرة أو الوجود، والفنان أحمد عبدالكريم نموذج من تلك النماذج المؤثرة على الساحة المحلية والعربية عوداً إلى سيرته الذاتية في مجال الفن والبحوث والدراسات مع ما يحمله من هموم إبداعه، فأصبح مسكوناً به منذ أن عرف فيه طريقه. ولهذا كان علينا أن نستعرض إنجازاته ولو بإيجاز مع اعتزامنا تقديم أسماء أخرى لها حضورها وتأثيرها في الساحة العربية بشكل عام والسعودية على وجه الخصوص.


monif@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved