الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 05th December,2005 العدد : 132

الأثنين 3 ,ذو القعدة 1426

التقديم للعمل الإبداعي.. شهادة أم إطراء؟!
* الثقافية- عبدالحفيظ الشمري:
ظلت وعلى مدى عقود طويلة فكرة (التقديم) للعمل الإبداعي رائجة وسائدة، فلا يخلو أي ديوان شعري، أو عمل سردي من ديباجة هذا التقديم الذي أصبح تقليداً متعارفاً عليه، حيث أصبحت هذه الديباجة العالية من الجمل القصيرة التي تشيد بالعمل وصاحبه حتى وإن كان من باب المجاملة للشاعر الكبير، والدعم والتشجيع للشاعر الناشئ.. أصبحت تراوح بين استلهام فكرة الشهادة الواقعية والعلمية لما يقدمه المبدع أو التعريض بما يتم نشره. ومع تطور النشر، وتشعب مهامه أصبحت الرواية كحال الشعر في دواوين الشعر بحاجة إلى دفع ودعم بممالحة أو تعريض أو تقريض لهذه التجربة وتلك، وذلك من خلال (التقديم) الذي يبثه الآخر الرمز في نظر هؤلاء الكتاب. حتى فن القصة ظل مرهونا بهذه التجربة التي جاءت بداياتها مؤكدة على هوس الشعراء في استرعاء اهتمام من حولهم حتى ولو من قبيل لفت الانتباه إلى هذه الاضمامة من القصص التي تصدر عادة متوجة للبدايات لدى المبدعين.
النسبة بين من يقدم لأعمالهم عالية وان كانت تتمحور حول البدايات لأي عمل والسبب يعود إلى حاجة المبدع إلى دعامة تسنده أمام القارئ، في وقت ظل الكثير من الكتاب لاسيما التقليديون فهم متشبثون في هذه الرؤية على الرغم من تعدد أعمالهم، وتطور تجاربهم، وطول خبرتهم فمن هنا يبرز السؤال: هل (التقديم) للعمل الإبداعي شهادة يعتد بها ويؤخذ بأمر وجودها..؟ أم أنها إطراء وطبطبة على أكتاف هذا الكاتب أو ذاك..؟
تراهما معاً، شهادة بحق تجربة متميزة مع إطراء وتعريف مناسب يخدم العمل ولا يمس جوانب العمل المقدم للقارئ.
الشعراء و فكرة التقديم
يلحظ المتابع لفكرة تقديم العمل الإبداعي أن الشعراء هم من يعمدون إلى مثل هذه (التقديمات) حينما يصدرون بها قصائدهم، في وقت جاءت الرواية والقصة مراوحة بين القبول والتمنع في استحضار هذه المقولات التي تسبق جهده، وعطاءه الذي هو المسؤول الأول والأخير عنه. حول هذه الفكرة استضفنا عددا من الأدباء والمبدعين للحديث عن أبرز النقاط التي توضح حقيقة هذا التعلق في تقديم العمل الإبداعي، فكانت المشاركة الأولى للناقد الدكتور عبدالله المعيقل الذي أشار صراحة إلى أن هذا التقديم غير مبرر من الناحية العملية لأن لكل عمل هويته، وبعده التأثيري فلا يمكن لأي مقدمة مهما كان جرسها، ورنينها أن تزيد فاعلية عمل رديء.. فالعمل هو في الحقيقة جهد شخصي لايمكن لأحد أن يسهم في دفعه للقارئ ما لم تكن هناك عناصر قوة تقدم العمل للقارئ.
إلا أنه أكد على أن هذه الفكرة قد تصلح للعمل الذي يقدمه الناشئة من المبدعين والمبدعات الذين قد لا يتجاسرون في تقديم أنفسهم إلا من خلال هذه المقدمات التي يقدمها من هم أكبر منهم سناً ومكانة. إلا أن الناقد المعيقل يرى أن من المفيد والرائع للمبدع أو المبدعة أن يقدم ما لديه مباشرة، دون حاجة إلى مثل هذه المقدمات الرنانة.. تلك التي يقوم بها البعض إما من خلال مطالبة الكاتب له بفعل ذلك، أو بالايحاء بدافع التظاهر بقوة العمل ومكانته لدى هذا الأديب أو ذاك.
بين المكاشفة والإطراء
القاص ناصر سالم الجاسم يؤكد من خلال رؤيته حول هذه القضية على أن التقديم للعمل الأدبي والإبداعي تقليد قديم أثبت نجاعته في تقديم رؤية ملخصة ومختصرة حول هذا العمل أو ذاك إلا أنه ظل يوازن بين فكرة (المكاشفة والاطراء) باعتبارهما قطبي معادلة ذوقية يجب أن تتوفر حول كل عمل يسبق بمقدمة.. ويرى الجاسم أن (التقديم) الذي يسبق الكثير من الأعمال الأدبية هو من قبيل الإطراء، والقليل منه ما يراه عكس ذلك أي أنه متميز ومفيد بهذا التقديم أو بدونه، لأن السبب - كما يورده الجاسم - يعود إلى شخصية صاحب العمل، واستعداده لتقديم عمله بلا وسيط ودون مقدمات وهذه سنة العمل الطبعي من حيث وتكوينه وسلوكه نحو القارئ في أي زمان أو مكان. ويستطرد القاص الجاسم مبيناً خطورة مثل هذه المقدمات التي ترى فيها جوانب الاطراء، والمقولات المبالغ فيها، لأنها - حسب رأيه - لا تقدم أو تؤخر، فضلا عن هذا وذاك فهو يراها تجارب عفى عليها الزمان وقد لا تصلح إلا لأصحاب البدايات أم من هم غير واثقين من عطائهم تمام الثقة.
فرصة للتعريف
يرى القاص خالد الخضري أن فكرة التقديم لأي عمل قصصي مقبولة طالما أنها متوازنة في مضمونها، بل يرى أن بعض المقدمات تخلق نوعاً من الثقة لدى القارئ حينما يقوم بتقديم بعض الأعمال.
ويشير الخضري إلى أنه له تجربة مع هذه التقديمات حيث كتب الناقد الدكتور يوسف عز الدين مقدمة متميزة تستميل القارئ نحو العمل تخلق - حسب رأيه - جواً من الألفة بين الكاتب والمتلقي يقوم هذا الناقد الفذ بتقديمها عبر كلماته التي طوف فيها العديد من الجهات الأدبية والفكرية.
ويؤكد القاص خالد الخضري على أن تجربته مع هذا التقديم للدكتور عز الدين كان مثمراً، ومتميزاً استطاع العمل أن ينفذ إلى ذاكرة القارئ من خلال هذه البانوراما التي تحدث فيها الناقد عز الدين عن فن القصة القصيرة بوصفه تراثاً عربياً خالصاً رغم أن الغرب عنوا بالشعر أكثر من عنايتهم بأي لون آخر.. لتصبح هذه المقدمة - حسب رؤية الناقد - فرصة مناسبة لاستعراض ثقافته السردية والتعريف بأبعاد الفن القصصي ومنعرجاته.. فيما أفرد للكاتب بعض أسطر معدودة أشار فيها إلى مجموعة (كوابيس المدينة) القصصية.. فكانت الرؤية مطولة إلا أنه ورغم هذا الإخلال في سياق التقديم إن تم التواضع على أهميته تأتي مناسبة للتعريف بالعمل وتقديمه إلى القارئ.. وغير بعيد عن تجربة هؤلاء الكتاب مع المقدمات ظلت الفكرة الرائجة عند الكثير من المبدعين هي أهمية تقديم اللامعين والمبرزين في الأدب لأعمالهم، وهي رؤية شكلية لا تقدم بعداً حقيقياً للعمل الأدبي إنما قد تعرف به ليس أكثر.. وتنشط فكرة التقديم لدى جيل كبير من الكاتبات أيضاً إذ لا تخلو بعض هذه الأعمال القصصية والشعرية من تقديم أو إشارة أو إشادة بهذا العمل أو ذاك دون النظر إلى أي اعتبارات فنية قد تكون مهمة في مثل هذه الأعمال التي يتحرى بها الدقة، فلا يتم ربطها بما يعرف بالتذوق أو الحاجة إلى التشجيع الذي ينبني عادة على الإطراء، والمجاملة التي لا تخدم المنجز المعرفي أو تسهم في تواصله مع القارئ.
رأي آخر في هذه الاشكالية يطرقه الشاعر والروائي ابراهيم شحبي حيث يرى أن (التقديم) في العمل الإبداعي من حالة إلى أخرى.. فهو يرى أن تقديم العلم الأدبي والمعرفي نوع من أنواع الشهادة القوية والمؤثرة.. تلك التي ينتظرها الكاتب والقارئ على حد سواء.
ويرى (شحبي) أن تقديم الشاعر غازي القصيبي لبنات الرياض وكاتبتها هو نوع من التشجيع، حيث تكمن أهمية الدعم المعنوي لمثل هذه الأعمال التي تأتي - حسب رأيه - محققة لمعادلة الجدة التي يتوسمها القارئ في مثل هذه الأعمال.
ويؤكد (شحبي) على أن مقدمات بعض الأعمال الشعرية، والروائية تأتي على هيئة مجاملات جاهزة الاستخدام، ومكشوفة التوجهات لاسيما حينما يأتي التقديم من مبدع عادي لعمل عادي أيضاً، في وقت يرى أن التقديم المتواضع قد يسيء إلى العمل أكثر أكثر من أن يفيده.. بل أن المبالغات في توصيف بعض الأعمال قد تلقي بها في الحضيض..
ويشير (شحبي) إلى أن الجيل الجديد من المبدعين تخلصوا من تبعات هذه الظاهرة.. فلم يعودوا آبهين بمثل هذه الاكليشيهات، والشكليات التي عفى عليها الزمان، فالعمل أولى به أن يصافح القارئ مبشارة دون وسيط أو وصيِّ على الذائقة حسب رأيه.
من خلال ما تم عرضه نستخلص حقيقة واحدة تكمن في أهمية التقديم للعمل الجديد لكن دون إطراء، أو مبالغة في وصف هذا العمل أو ذاك.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved