الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 06th February,2006 العدد : 139

الأثنين 7 ,محرم 1427

الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد لـ«الثقافية»:
أحلام القصيدة الفلسطينية في العودة بدأت تتحقق

* القاهرة - مكتب الجزيرة - عتمان أنور:
يعد الشاعر الفلسطيني الكبير هارون هاشم رشيد من رواد الحركة الشاعرية الفلسطينية وينتمي إلى كوكبة الشعراء الذين يطلق عليهم شعراء النكبة غير أن الفرحة العارمة قد اجتاحته وملأت عليه كيانه عندما شاهد أخيرا القوات الإسرائيلية وهي تنسحب من غزة فهذا الانسحاب له وقع خاص لديه لأن الحارة التي ولد ونشأ فيها وهي حارة الزيتون تنتمي للقطاع الذي نال تحرره من قبضة الاحتلال ومن ثم تحقق مقولته التي كان يؤكد عليها دوما وهي عائدون، عائدون.
هارون هاشم رشيد الذي تتفجر مسيرته الحياتية ابداعا التصق منذ اللحظات الاولى بقضية اللاجئين وأصدر أكثر من 20 ديوانا منها مع الغرباء وعودة الغرباء، غزة على خط النار، أرض الثورات، حتى يعود شعبنا، الرجوع، يوميات الصمود، وردة على جبين القدس، المبحرون إلى يافا، غزة، غزة.
وسط غمار فرحته بالانسحاب الإسرائيلي من غزة لم يجد هارون هاشم رشيد مناسبة أجمل من أن يبدأ حواره معنا بالعودة لذكرياته الأولى في حارة الزيتون فيقول: عندما اتحدث عن نفسي كأنني اتحدث عن أي فلسطيني، أنا لست في تفاصيل الحياة الفلسطينية استثناء وشاءت لي الأقدار أن أعيش المأساة من أولها كما فعلت شريحة واسعة من كبار السن من الفلسطينيين، فمنذ الثلاثينيات والأحداث تتوالى، والفلسطيني أيا كان عمره ومكانه ومكانته، اندمج معها، حتى أصبحت جزءاً من كيانه وتفاعلاته الحياتية اليومية. لقد أثرت هذه الأحداث في الصغار قبل الكبار حتى تمكنت من أن تنتزع منهم طفولتهم تماماً كما الأجيال التي تلت وعاصرت النكبة وغيرها وانتزعت منهم كل ما يحلم الأب ان يوفره لأطفاله من براءة ولعب بل وطفولة وأذكر في عام 36 في أحد أيام رمضان انني كنت مع مجموعة من الأطفال بالقرب من مسجد الشمعة نلعب في ساحة اسمها (باب الدارون) في حارة الزيتون بغزة وقبيل أذان المغرب بقليل حيث اعتدنا على ذلك لقضاء الوقت حتى يحين موعد أذان المغرب لنذهب إلى الافطار.. ولكن وقبل موعد الأذان مرت دورية بريطانية صغيرة بجانبنا، وفجأة ظهر خمسة ثوار، واطلقوا النار على الدورية وحدث اشتباك بينهم وبين أفراد الدورية البريطانية اسفرت عن استشهاد اثنين من الثوار وجرح آخرين فيما تمكن الخامس من الفرار.
وبعد وقت قصير امتلأت الساحة بالمصفحات والمجنزرات وتعزيزات كبيرة من الجنود البريطانيين، فطوقوا المنطقة، وجمعوا الرجال في مسجد الشمعة، وكان والدي وأخي الاكبر يتناولان طعام الافطار عند شقيقتي خارج الحارة، فنمت وبقية أهلي وحدنا في تلك الليلة أذكر تلك الليلة جيداً لقد اصبحت عتمتها وظلامها وطغيانها جزءاً مني وأذكر كيف عانيت خلال هذه الليلة من الخوف والاضطراب..
وفي الصباح طلب منا الجنود البريطانيون مغادرة المنزل حيث قاموا بنسف عدد من البيوت المحيطة بالمنطقة، ومنذ تلك اللحظة أدركت أن هناك مخاطر تتهددني وأسرتي وشعبي، ومنها ومن فجر تلك الليلة بدأ الالتزام، وشعرت انني خرجت فعلياً من دائرة الطفولة وأدركت أن هذه الأرض لها شأن آخر غير أي أراض أخرى.
***
فلسطين في الذاكرة
* لقد عايشت النكبة، ويطلقون عليك شاعر النكبة أو شاعر القرار 194 لكثرة حديثك عن اللاجئين ومأساتهم..
كيف أثر هذا الحدث عليك؟
- لا أستطيع ان أنسى تلك اللحظات الصعبة والمأساوية، التي يهجر فيها شعب بأكمله من دياره إلى الشتات، لقد عشت مأساة اللاجئين وكنت أحد المتطوعين للمساعدة في نقل وإيواء اللاجئين وكان اللاجئون يصلون في مراكب تسمى الجرو وأذكر كيف ان هذه المراكب لم تكن تستطيع الوصول إلى الشاطئ فكان الصيادون يذهبون إلى هذه المراكب في زوارقهم ويحضرون الأسر المهجرة الضائعة إلى الشاطئ الذي يفتقر إلى الميناء، نساء واطفال وعجزة وشباب وفتيات مشهد جحيمي..
كنت أشعر كم نحن وحيدون كنا نحمل هذه الأسر على اكتافنا إلى الشاطئ ومن ثم نرسلها إلى أماكن الإيواء في المدارس والجوامع، وبعد ذلك شاءت الأقدار أن أعمل مع لجنة لشؤون اللاجئين بطلب من ابن خالتي الذي كان عضوا فيها، ومنذ تلك اللحظة بدأت عمليا وبصورة يومية أعيش مع اللاجئين كل لحظات مأساتهم لقد مكثوا فترة من الزمن في الخيام حتى جاءت وكالة الغوث وتم نقل اللاجئين إلى معسكرات النصيرات والبريج والمغازي وهي في الاصل معسكرات للجيش لا تصلح للسكن.. وزاد تفهمي للهم الكبير الذي يسكن اللاجئين
* ماذا عن بدايتك الشاعرية واولى كتاباتك؟
- لقد نشأت في أسرة تعشق الشعر والأدب فكان أبي وأخي الأكبر يحبان الثقافة ويعرض أخي الشعر فبدأت على ايديهما وعلى أيدي اساتذة المدرسة كتابة القصائد ولم أكن اتخيل في يوم ما انني سأصدر ديوانا شعرياً، فقبل صدور الديوان كانت لدي مجموعة من القصائد، وكنت على علاقة حميمية مع المرحوم صلاح خلف أبو إياد الذي كان يدرس حينها في القاهرة وكنت معجباً بأستاذه الدكتور عبدالمنعم خفاجة - وهو من كبار الأدباء والكتاب - وخلال إحدى إجازات أبي إياد الذي يسكن في مكان قريب من بيتي في غرفة، قرأ بعض قصائدي وقال لي إنه سيحملها إلى القاهرة لنشرها. فقلت له هذا ملف بالقصائد خذه معك شريطة عدم نشرها إلا إذا اطلع عليه الدكتور عبدالمنعم خفاجة وأجاز نشره وفي القاهرة اطلع الدكتور عبدالمنعم - الذي كان عضوا في (رابطة الادب الحديث) على القصائد وأعجب بها وقال الدكتور عبدالمنعم لأبي إياد: إن هذا الشاعر كبير وقرر الدكتور عبدالمنعم طباعة ديوان مع الغرباء حيث صدر عن رابطة الأدب الحديث وكتبوا عليه شاعر فلسطين القومية، وقدم الدكتور عبدالمنعم خفاجة لهذا الديوان وكتب العديد من الأدباء المعروفين حول هذا الديوان في مقدمتهم مصطفى السحرتي وعبدالله زكريا وغيرهم.
وتناولته صحف ومجلات وجرائد وكتبت عنه دراسات واسعة في غير مكان من الوطن العربي وتم اختيار عدد من القصائد التي غناها محمد فوزي وفيروز وكارم محمود وفايزة كامل وغيرهم.
وقد تعرفت على عدد كبير من الشعراء وتوطدت علاقاتي معهم، وفي القاهرة دخلت المجتمعات الأدبية مبكراً، فكانت لي علاقات مع صلاح عبدالصبور ومعظم شعراء وأدباء هذا الجيل.
***
الحداثة والتطوير
* أنت تكتب قصيدة التفعيلة بجانب القصيدة العمودية إلا يعد هذا خروجا عن مسارك الأساسي؟
- أكتب شعر التفعيلة بجانب العمودي ولا أعد ذلك خروجا بل امتداد للشعر العربي ولموسيقاه الأصلية، فلم تخرج التفعيلة على شعر التراث وإنما هي جزء منه وحركت هذه التفعيلة الإيقاع وأعطته مدى أوسع لذلك فهي تطور مقبول ما دام جوهر الايقاع موجوداً داخلها وقد استخدمت التفعيلة مبكراً منذ ديواني الأول (مع الغرباء) وفي عدد من القصائد والمسرح الشعري، وصدر لي ديوان كامل عام 1970 كتب مقدمته المرحوم أبو إياد أقول ذلك لأؤكد ان كتابتي للتفعيله ليس خروجا عن مساري بل أعتبرها امتدادا للشعر العربي الأصيل، والتفعيلة أداة من الأدوات التي يستعملها الشاعر.
* وكيف ترى التطوير والحداثة؟
- الحداثة عندي فيما أكتبه وبوصول ما أريده إلى الآخرين، وما دام يروقهم فهو شعر حديث.
* إضافة إلى أنك شاعر فأنت كتبت المسرحية والرواية، هل لك ان تطلعنا على هاتين التجربتين؟
- بدأ اهتمامي بالمسرح عام 67، حيث التفت إلى أهمية المسرح في ايصال الرسالة وكتبت أول مسرحية لي عام 1972، وصدرت هذه المسرحية عن الكتاب الذهبي ومثلت بعد ذلك على المسرح حيث أخرجها كمال ياسين ومثلها كرم مطاوع وسهير المرشدي وعرضت في التلفزيون بعد ذلك.
وبعد ذلك كتبت مسرحية سقوط بارليف وهي منظومة على شعر التفعيلة وتحدثت فيها عن مفاهيم مختلفة عن كل المسرحيات التي قدمت وتم اختيار هذه المسرحية من بين عدد كبير من المسرحيات التي تم تبنيها من مصر في ذكرى العبور، وحصلت على المرتبة الأولى من بين ست مسرحيات اختيرت لهذه الغاية، ونفذتها فرقة المسرح القومي المصري عام 74 واستمر عرضها فترة طويلة من الوقت وطافت بلاداً عربية متعددة وكتبت بعدها جسر العودة وعصافير الشوك والقصر أما على صعيد الرواية فقد كتبت الرواية في أوائل الخمسينيات وكانت روايتي الأولى هي (دوامة الأعاصير) ودارت احداثها حول سقوط حيفا، وفي أواخر الخمسينيات كتبت رواية (مولد عائد) وهي رواية تتم أحداثها كلها في لحظات ميلاد امرأة لاجئة في معسكر المغازي وكان زوجها في عملية فدائية ومع كل طلقة من طلقات الميلاد، كان هناك حديث عن خلفية المرأة وتهجيرها من يافا وكان المفروض تمثيل هذه الرواية سينمائيا وقبضت ثمنها لكن حدثت تغييرات ولم يتم عمل الرواية وضاعت النسخة الأصلية مني كما ضاعت من المخرج المصري توفيق صالح الذي كان مقررا أن يقوم بإخراجها. وكتبت رواية أخرى بعد ذلك وهي سنوات العذاب.
* انت شاعر وسياسي وإعلامي كيف ترى الوضع الحالي؟
- المنطقة العربية تواجه مشاكل عديده تحتاج إلى مشروع تنمية سياسية واقتصادية شامل لذلك يجب أن تكون الحلول مستندة إلى حاجات الناس والعرب منذ سنوات بعيدة وهم يقبلون بالمنطق والسياسة الأمريكية لأن النظام الرسمي العربي مشرذم ويتصرف الحكام وفق المصالح القطرية الضيقة دون الأخذ بالاعتبار مصالح الشعوب العربية، فبعد غياب الموقف العربي الواحد أصبحنا أسرى السياسة الأمريكية وغير مؤثرين وفاعلين في الساحة الدولية. أعتقد أن هناك أزمة كبيرة في النظام الرسمي العربي فلا يصبح القرار الرسمي العربي جديا وان عارض بالتصريحات والأقوال إلا إذا ارتبط بالموقف الشعبي، فعلى الأنظمة العربية التواصل والترابط مع شعوبها لمواجهة الأخطار المقبلة وتجسير العلاقة لبناء حالة واحدة بدلا من العداء وتربص كل طرف بالآخر.
* وماذا ترى في قصيدة النثر؟
- رأيي لم يتغير فيها وأؤكد أن هذه القصيدة المزعومة هدفها الانقطاع عن التراث والتأثر بالمفهوم الحداثي الغربي وما نتج عنه من غموض ووقعت في متاهات الغموض وخلع عباءة الانتماء وقطع الجذور وهذا مرفوض عند من يريد التمسك بهويته وأصالته فكسر وإضعاف اللغة والنحو وشطب الوزن موجة مرفوضة ولا أؤمن بها بل أضع علامات استفهام كبيرة على مشروع قصيدة النثر منذ بداياته والشعر عندي عندما يخرج كشعر فالقصيدة الناجحة هي التي تعبر عن صدق الشعور فالصدق شرط أساسي للشعر وبقدر ارتقاء القصيدة إلى مستوى الشعور باللحظة وتكثيفها وجدانياً بقدر ما تكون ناجحة والقصيدة الناجحة يتوفر فيها أيضا موسيقى الشعر، وإذا خلت القصيدة من الموسيقى تعتبر نوعاً آخر من الكتابة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved