الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 06th March,2006 العدد : 143

الأثنين 6 ,صفر 1427

شاعر زاده الوطن
ناصر الظاهري

محمود درويش.. شاعر زاده الوطن
آت من أوراق الزيتون عاشقاً من فلسطين
آت.. من زهر السنابل وقُبرات الجليل
وجهاً ملؤه الندى والياسمين وديمومة القصيدة
آت.. من ضوء النفق البعيد، قمراً على أغنيات الفلاّح وأطفاله الثمانية في المحجر.
آت إلى الإمارات مرة.. حديقة، سعيداً بما فعله الشجر في هذه الصحراء.
وأكثر إلى قلوبنا.. فرحاً بما تضم تلك القلوب البعيدة لرجل آت من بعيد.
ليدين من حجر وزعتر،
لوجهك البهي في ألق الحرف،
للغة المنسابة سهلة وممتنعة في الشعر والمقالة
كل هذا النشيد، لديوانك الأول أوراق زيتون حيث خيول الروم أعرفها وأعرف قبلها أني أنا زين الشباب، وفارس الفرسان.
أكبرت فيك يا زين الشباب، أكبرت فيك دفتر الأيام، وأيقونات من بلور المكان وما بين يديك من غيمة وخلافك غير اللغوي مع امرئ القيس.
أكبرت فيك الحصان الذي تركته وحيداً كي يؤنس البيت ووردك الأقل والأكثر، وكل واحد من الأحد عشر كوكباً.
أكبرت فيك أن تحابي، وما صنع الصهيل عند جموح القصيدة وما يتجلى به وعيك وحبك وانتماؤك وسمو أخلاقك.
أكبرت فيك رسالة إلى أمي
أحن إلى خبز أمي
ولمسة أمي
وقهوة أمي
وأعشق عمري
لأنني إذا ما مت
أخجل من دمع أمي
أكبرت فيك زياراتك للإمارات، عاشقاً للخضرة والجمال ورجلاً كبيراً كما يكبر الرجال، عزيز النفس سامي الموقف، صادق الحب وافر العطاء.
لقد كنت عظيماً، صغر في عينيك ما يكبر في عيون كثيرين.
كنت أود الإطالة لو يسمح المكان، لكن كلمة المتنبي تطل برأسها:
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
ترى هل من زيادة لمستزيد؟ محمود درويش، يا صديقي الذي هناك، يا ظلي العربي الذي هناك، لقد جئت كنسمة وذهبت كنسمة تاركاً يوماً ما تلك الحقيبة السوداء، وحيدة إلا من صهيلك وأعراس القصيدة، وجئتنا مرة.. لتشرف بك جائزة العويس ولتضفي عليها شيئاً جميلاً من صدقك وشرفك وحلو شعرك ولتفخر الإمارات أنك كنت يوماً جزءاً من فرحها العربي.
محمود درويش.. شاعر يمكنه أن يختزل حين يريد كل تلك الصفات لتعني واحداً بعينه، هو أكبر من تلك الصفات حين نريد أن نقارن، هو أغنى من تلك النعوت حين تختلط الأمور، وحين تكثر الموائد، وحين يستل شويعر سيف المتنبي ويجرح به الحروف، وحين يطل شاعر برأسه الذي لم ينبت الزغب فيه بعد، قاصداً حرق المراحل، ولا معترفاً بأن عنترة كان فارساً ثم شاعراً ثم كان قليل الكلام.
محمود درويش.. مشروع ثقافي أممي، تنزه عن الغث والعلك، بدا ثائراً ينفخ تحت أجنحة الكلمات، وبقي شاعراً قادته اللغة نحو مسالك الصوفي الغارق في المعرفة، الغارف من الأنوار والفيوضات وصفاء الأشياء، سابحاً خلف الأسئلة ووجع الكاف والنون والقلم وما يسطرون، همه الإنسان والحب والحرية، وتلك الأشياء التي تعجنها سيرورة الحضارة، وديمومة الإبداع، ليبقى عمل الإنسان وفعله والصفات المثلى.
كان وما زال يؤكد أن الإنسان قوته في معرفته، وحين تسمو المعرفة تخرس طبول الحرب، حرب الإنسان لنفسه وللأنا التي تسكنه كجثة دب عجوز، وللآخر ذاك الذي ابتدع الحرب من أجله، ومن أجل مساحة أكبر، وزهو بنصر خالطه الدم والجرح الذي يصنعه صوت الخنجر الثلم.
محمود درويش.. واحد من الشعراء الحقيقيين. والحقيقيون فقط.. هم ندماء الحرف.. أساطين البحر والحب والريح..


الإمارات

الصفحة الرئيسة
عدد خاص
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved