الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 06th June,2005 العدد : 109

الأثنين 29 ,ربيع الثاني 1426

بعد أن أفضى الكوني بسرد الرمل..
عبدالحفيظ الشمري
بعد أن أفضت تجربة الأديب الليبي إبراهيم الكوني إلى كم كبير من الروايات التي يحاكي بها مسيرة الإنسان في الريف، هؤلاء المجللون دائماً بوهج المجالدة مع الحياة القاسية في أعماق الرمل، ها هو يصل إلى حدود الشعر بحثاً عن أصل علاقته مع هذا الكائن الخرافي (الصحراء) رجال الطوارق هم شخوص رواياته، وهم عمادها الأساس، حيث ظل الروائي الكوني ينهل من معين ثقافة الصحراء العطرة.. تلك التي تختزن العديد من الجماليات، والعفوية الفاتنة.
فبعد أن تفرغ من روايته (السحرة) ذات السفرين اللذين يبلغان أكثر من ألف صفحة، تتملك رغبة في مكاشفته في حقيقة العلاقة بينه وبين الصحراء، فالكوني بعد كل منجز يشير إلى أن أشياء جديدة ستكون واردة في الذهن لم يشر إليها،وهو في رواية (السحرة) يفيض تأملاً وتفصيلاً في الحياة الصحراوية وربما ينشغل على مدى صفحات عدة في شرح طريقة لقاء الراوي بالعابر للمفازة.. تلك المقابلة التي تتم بشكل طقوسي خاص بالصحراء، فلحظة أن يرى الرجل رفيق دربه في المفازة تستيقظ كل حواسه، لينهض له بالماء، ويصف أيضاً لحظة إيقاده النار ووضع القرص المعد من دقيق الشعير في جوفها ليخرج خبزاً رائقاً، في وقتٍ ظل يرقب ضيفه عابر المفازة وهو نائم تتدلى منه حُجبٌ وتعاويذ وتمائم شيء يمنع الحسد، وآخر يخيف السياق، وآخر لكيلا تغدر به الصحراء، وآخر ضد الجوع والظمأ.
الكوني مشغول دائماً بعرض التفاصيل الدقيقة للحياة من حوله، فهو بارع في وصف تلك الرسائل الإنسانية، ومتفان في وصف فضاءات كثيرة.. شيء منها واقعي ممكن الحدوث وآخر خيالي تغلب عليه سمة (الهيولا).. تلك التي تفضي إلى تعاظم هش في كل ما يصفه حتى تصبح قصص (الجان) و(الأشباح) زاداً للحكاية التي يتفنن في إخراجها إلى القارئ.
ولا يقتصر أمر ثنائية الواقع والخيال على هذه الرواية إنما تأتي على هيئة مسحة عامة على جميع أعماله منذ (نزيف الحجر)، و(القفص) و(بر الخيتصور) إلى (فتنة الزؤام) و(عشب الليل) و(صحرائي الكبرى) فالجان والأرواح المتلبسة إمضاء الريح، وحلكة الليل وحرقة الرماد لحظة انخماد مارد اللهب هي جميعاً مقتنيات (الكوني) وأدواته حينما يكتب عن الصحراء بهذه الحميمية الفاتنة.
فبعد أن تقرأ أي عمل ولاسيما (السحرة) تدرك أن إبراهيم الكوني يقع تحت تأثير مرحلة حياتية ما لايمكن أن يتخلص منها حتى وإن ذهب صاعداً إلى قمم (الألب).. تلك التي كتب منها معظم رواياته، محرقة الرمل ستبقى طالما أنه فتن فيها، وهواجس المكان ستظل طازجة ونقية رغم خلو الأرض من براءاتها المألوفة..
فبعد إفضائه بسر الرمل للقارئ سيظل الكوني يبحث عن وجه آخر للحكاية التي تبقي الصحراء شاهداً قوياً على علاقته بالحياة الريفية في بلاد تعشق حكايتها الأولى.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved