الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 06th June,2005 العدد : 109

الأثنين 29 ,ربيع الثاني 1426

الثقافة بين المقارنة والاستقراء
د. عبدالعزيز الشعيل
بعد أن أصبح التقنين الثقافي جزءاً من التاريخ الماضي على الساحات الوطنية للشعوب وأصبحت المنهجة الثقافية أو التوجيه شيئاً من ماض لم يعد مقنعاً للمجتمعات لتعدد مصادر الثقافة وفنونها مما أدى إلى سباق حضاري على مختلف الأصعدة ليكون الصوت مسموعاً والحركة مرئية والمطروح جاذباً أو جذاباً يتناسب مع التأهيل العقلي في العصر بحسناته وسيئاته التي أخذت مأخذها على المستويات الاجتماعية كان للصياغات أو الأدلجة الثقافية دور في خلق المواجهات التي برزت في أشكال وأنماط عديدة فأفرزت المؤيدين ويقابلهم المعارضون في عددية متأثرة بأسس كل مجتمع في حين بقيت فئة بينية بعيداً عن حلبة الصراع وابتعدوا عنه إما لعدم القدرة أو ترفعاً عن هذا الصراع مما أدى إلى ظاهرة اللامبالاة الثقافية لديهم وهؤلاء يشكلون الكثرة العددية بطبيعة الحال.
هذه الإشكالية الثقافية من المؤكد أنها طرحت بشكل أو آخر وفي موضوعات عدة إلا أن الجانب الثقافي صار رهيناً لهذه الإشكالية مما يحتم على الجهات المعنية بالثقافة أن تسبر غور مجتمعاتها ليكون الخروج من هذه الإشكالية متزناً ومحققا لطموحات التحضر الثقافي المستهدف، ولن ندخل في جدلية الكيفية التي تقوم بها وسينحصر الإشارة في النمطية التي يمكن استخدامها أمام حضور هذه الإشكالية والدور المرتقب لمواجهته.
إن التخيط الثقافي المعتمد على إشكالية المتوفر من الإمكانات أو الوفرة الفرضية الغير مبنية، على الدراسات الاجتماعية والمتابعة لكافة المتغيرات يجعل من الثقافة رهينة لأسس أو خطط لم تعد صالحة للحاضر والمستقبل (وهنا يجب أن ننوه إلى أن الأسس والمبادئ يجب احترامها ووضعها كأسس رئيسة لكن يجب تكيفها أو إعادة النظر فيها لتكون مواكبة للعصر الحاضر).
لم يعد المجتمع ينظر ما يطرح عليه بمختلف الوسائل والسبل الإعلامية وغيرها ثقافياً نظرة المتلقي فقط بل أصبح مقارناً ما يطرح عليه بأسلوب استقرائي محدداً الجودة للمطروح من عدمها أو المناسب من غيره أو الحسن والقبيح أو الجميل وغير الجميل أو ما يواكب العصر أو ما لا يواكبه أو بمعنى هو الذي يخلق العصرنة عن طريق المقارنة والاستقراء كإحدى وسائل القبول من عدمه ولم تكن هذه المقارنات أحادية أو فردية أو نمطية أو موجهة بل أصبحت متعددة لتوفر وسائل الاتصال الثقافية وتعددها وتنوعها وسرعتها بل والأسرع مستقبلاً.
إن المذاق الثقافي أصبح متعدد الأشكال والأنماط لدى المجتمعات ولم يعد محصوراً في لون واحد فالأوعية الثقافية المتعددة أخذت تتنافس في استقطاب الكم الأكبر من المتلقين بأساليب عدة منها التبادل والمشاركة المباشرة وغير المباشرة وأصبح ذلك نهجاً تبادر التوجهات والتوجيهات الثقافية إلى محاولة الاستفادة منه أو من انعكاساته وهو ما نلحظه اليوم بشكل جلي في البرامج التي تطرحها القنوات الفضائية على سبيل المثال التنافس الثقافي مرتبط بالنفس الثقافي من حيث استعداد النوعية المطلوبة ومساحتها التي تتلازم مع الرغبة أو الرغبات التي يتحكم فيها نوعية ذلك المجتمع ومستوى وعيه فضلا عن أسس تكوينه الأساسية كالمعتقد والعادات و التقاليد، والتداري أو الإحجام عن الدخول في هذا المتنفس بحجة الالتزام أو الخشية أو الخوف يعني عدم البحث من أجل جعل هذا المتنفس ملائماً ومناسباً لهذا العصر وجمهور المتلقين.
المزاج والاستمراء الثقافي أضحى هدفاً لدى بعض الجهات المسؤولة عن الثقافة في العصر الحاضر وذلك من خلال صور ثقافية مختلفة تعطي انعكاساتها أبعاداً توحي بالاستمرارية والتكثيف وتحقيق رغبات المجتمع وإن اختلفت من حيث المضمون والموضوع والشكل ومدى مواءمتها لأسس ومبادئ ذلك المجتمع، بل تجاوزت ذلك إلى صياغة الأطروحة الثقافية بما يواكب المزاج الثقافي للمجتمع واستعداده لاستمرائه.
أما الروح الثقافية فهي نمط من أنماط الحياة الثقافية لأي مجتمع وإخماد فعالية هذه الروح بقصد أو بغير قصد أو تحجيمها يجعلها في سكون وخمول لا يؤهلها أن تكون مناسبة للحياة في هذا العصر فهي بحاجة إلى لياقة مستمرة وتستمد لياقتها وحيويتها من قدرتها على تكون موجودة في خريطة هذا العصر الذي يزداد فيه الزحام يوما بعد يوم والطرح بكافة أشكاله وإبداعاته من الأقليمية الفردية إلى الكلية العالمية.
وللتفاعلية والتفاعل والفاعلية سمة ثقافة العصر وأصبح هدفاً تسعى كافة الثقافات إلى أن تحظى بقدر أكبر منه من خلال الاسقاطات الشمولية لتكون ذات وجود وقبول وكلما كانت التفاعلية والفاعلية قوية أصبح القبول التلقائي منحى إيجابياً من قبل الآخر لهذه الثقافة على المستوى المحلي والدولي بل منافساً للآخر من قبل إثبات الذات وتميز الصياغة.
الزمان والمكان يكاد التطور السريع أن يلغي حضورهما على المسرح الثقافي فكلما استطاعت الثقافة أن تختصر الزمن وتصل إلى أي مكان استطاعت أن تفرض وجودها وقدرتها وقبولها وملامح صياغتها وحظيت بلقب المتنفس الثقافي والمورد المتميز المتنافس عليه والمزاج المستمر من قبل جميع الفئات وملكت القدرة على التفوق في المقارنات الثقافية محليا ودولياً وسعى المتلقي إليها مستجلياً قدراتها وإبداعاتها.
مما سبق هل سيكون للثقافة في المملكة العربية السعودية والتي تحمل رايتها في الوقت الحاضر وزارة الثقافة والإعلام كجهة مسؤولة عن الثقافة دور مرتقب يسمو بالثقافة ويوحد جهودها؟
هذا سؤال موجه نأمل أن نرى الإجابة عليه من خلال تفعيل الخارطة الثقافية التي نأمل أن تكون وزارة الثقافة والإعلام قد أعدت لها بروح فعالة وبقدرة هي أهل لها وبقوة هي قادرة عليها بمشيئة الله تعالى.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved