الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 06th June,2005 العدد : 109

الأثنين 29 ,ربيع الثاني 1426

عن البطولة مرة أخرى
أمل زاهد
دون شك أتاحت وسائل الاتصالات الحديثة بتقنياتها العالية وبآلياتها السريعة الفرصة للجمهور كي يختار بطله الخاص والرمز الذي يرى أنه يمثله ويجد في ملامحه ما يعبر عنه، ولم يعد ممكنا فرض صفات معينة أو رسم قسمات محددة لشخص البطل فأصبح الجمهور هو الحاكم بأمره والقادر بضغطة زر على رفع شخص ما إلى أعلىعليين أو خسفه إلى أسفل سافلين، ورغم كل صيحات الشجب والاستنكار التي يطلقها بعض رجال الدين والبيانات التي يوقعونها، ورغم ارتفاع بيارق الاعتراضات والخوف على مجتمعاتنا التي يرفعها المثقفون والخائفون على القيم والمبادئ، استطاع المارد الجديد المتجسد في أبطال يرسم معالمهم الجمهور ويحدد قسماتهم طبقاً لما يرى هو أنه صفات للبطولة وسمات محددة لها أن يفرض نفسه فيملأ أنظارنا ويغش أعيننا، فأصبح هشام عبدالرحمن وأبطال ستار أكاديمي ممثلي البطولة في مجتمعاتنا وحاملي ألويتها!! ومن يشار لهم بالبنان وتشخص إليهم الأبصار بكل فخر واعتزاز!!
وسواء اعترفنا بذلك أم انكرناه رفضناه أو تقبلناه فبرامج تلفزيون الواقع هي من يرسم معالم أبطالنا اليوم، والجمهور هم من يؤكد هذه الاختيارات بضغطة زر أو نقرة فأرة، كما يجب أن نعترف أن جمهور هذه البرامج لا ينحصر في فئة الشباب بل يمتد ليضم تحت جناحيه شرائح عمرية مختلفة، وقد فغرت فاهي دهشة عندما أكد لي أحد الأقرباء أن جدته المسنة تستيقظ مع أبطال ستار أكاديمي وتنام معهم وترافقهم في برنامجهم اليومي بدقائق تفاصيله، وأن حياتها تظللها الرتابة ويكسوها الملل عندما يصل البرنامج إلى نهايته وتدخل في حالة كآبة قاتمة ومزاج نفسي سيئ افتقادا لما كان يملأ حياتها من حماسة ومتعة.
والحقائق الظاهرة للعيان تقول إن حمى هذا السباق تسري في شرايين معظم البيوت العربية، فيشتعل أفرادها حماسة وتتأجج مشاعرهم قبل أن يشتد أزرها ويستوي عودها!! بل نستطيع القول بأن هؤلاء الأبطال أو الرموز صاروا أحد العوامل التي تذكي المشاعر الشوفينية القطرية في الشارع العربي ليتباهى السعودي على غيره من باقي الجنسيات القطرية العربية الأخرى بأن ممثله قد تشرف بنيل قصب السبق في هذا التنافس، ويطأطئ البقية رؤوسهم حزنا على ممثليهم الذين لم تسعفهم حظوظهم في الفوز، ثم لا تلبث آلية التبرير المجدولة في العقلية العربية أن تشمر عن ساعديها، فتنطلق قذائف من هنا وطلقات من هناك كي تدافع عن بطلها تارة أو كي تعزو فوز آخر للكثافة السكانية بعيدا عن جدارته الحقيقة بذلك الفوز الذي تهفو إليه النفوس وتتطلع إليه الأبصار.
وهنا لابد أن نتساءل عن البطولة ورمزها من جديد، وهل يتغير طبقا لمواصفات عصر معين فيلبس ثوبا جديداً موافقا لأنساقه الاجتماعية الجديدة وظروفه الاقتصادية المستحدثة وأحواله السياسية النائمة في عسل الركود والجمود؟! هل يدفع اليأس بالجمهور لامتطاء مراكبه قائلا له إن عصر البطولات قد انتهى وإن المعطيات القادرة على خلق الأبطال قد ذابت واضمحلت؟! وهل كل شيء يحيط بنا يؤكد انحسار القيم الأصيلة وذوبان معالم التميز وتساوي الصالح مع الطالح واختلاط الجيد مع الرديء؟! وهل عدم تقدير أصحاب الكفاءات الحقيقة واختلاط المواقع.. فنرى من يتبوأ مكانا ما كان يحلم باستراق النظر إليه، متربعاً على عرشه مهيمنا على امتيازاته هو أحد أسباب الإحباط العربي والسرطان المستشري في البنية الاجتماعية، فتجهض البطولة قبل أن يكتمل خلقها وتموت وهي بعد لم تستنشق أنفاس الحياة!!
وهل اختفاء بوارق الأمل من الساحة العربية وعدم القدرة على صنع الحلم هو ما يحدو بالمتلقي العربي إلى البحث عن أوهى الخيوط ليتعلق بها فيندفع لتنصيب أشخاص ذائبي الملامح باهتي التكوين ملوكا على عرش البطولة؟! أم هل يمثل اختيار شخص من دون مميزات حقيقية ترفعه إلى مصاف البطولة حلما قد يأخذ الجمهور نفسه فوق جوانحه؟!
فيصبح كل واحد منهم قادرا على احتضان حلم يقول.. أنه لا يشترط أن تحمل مواصفات خارقة أو صفات مميزة كي تصبح بطلا يشار لك بالبنان، وماعليك إلا أن تغمض عينيك وتحلم بالانضمام في صفوف هذا البرنامج أو ذاك، لتتساقط عليك ثمار الشهرة والثروة تعب منهما كيفما شئت.
ولأنها لا نستطيع أن نفصل السبب عن المسببات والنتائج عن المقدمات والقضية عن الحيثيات، فلابد أن نعترف أن هذا الشبل من ذاك الأسد وأن هؤلاء الأبطال هم إفراز طبيعي ونتاج تلقائي لهذه المعطيات المحبطة والبائسة، فالجمهور يولد من رحم الأحداث والظروف واشراقات الأمل أو مهاوي اليأس، وهو بدوره الذي يصنع البطولة ويختار رموزها، فهذا الجمهور اليائس المثقل بأنواء هزائم على كافة المستويات الخاصة والعامة، لا يستطيع ان يجد مهربا من سوء واقعةه واحباطات زمانه إلا بالاهتمام بالتفاهات والنزول إلى قاع السفاسف، أو القيام برحلة إلى الاتجاه المعاكس حيث التماهي في التغييب الديني والسقوط في دوامة تأجير العقول واستلاب الإرادات والسير مع القطيع دون إعمال للفكر أو تحكيم لمنطق الأمور.
هذه المعطيات مجتمعة هي من يصنع الجمهور وهي التي تجثم على صدره بأحمال ثقيلة من اليأس وعدم القدرة على الفعل وتوجهه نحو قطبي التناقض بوجهيةه المختلفين، فيقرر امتطاء أحد اتجاهي الموجه، فإما ارتفاع مع مدها أو انحسار مع جذرها، ولكن من خضم هذا الليل البهيم، تشرق علينا نفحات من الأمل قائلة إن زماننا المشبع باليأس قد يخرج علينا بمن يغرد خارج السرب، وإن الشباب القانط محتاج إلى نسمة أمل تشعره أنها تحمل في أعطافها بوادر تغيير حقيقي، وحينها ينفض الشباب عن نفسه غبار اليأس ويخلع أردية التفاهة وتشتعل الدماء في عروقه الفتية ليكون مشاركا وشاهدا في كتابة التاريخ ويعيد صياغة أحداثه من جديد.


amalzahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved