الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 06th June,2005 العدد : 109

الأثنين 29 ,ربيع الثاني 1426

طقوس الصبر في مجموعة عطش امرأة
محمد المنصور الشقحاء
وأنا أستعرض عناوين مجموعة من الكتب أهداني إياها صديق عزيز يشاركني لذة الكتابة، ووهم نسج الحكايات، لفت نظري كتاب يحمل عنوان (عطش امرأة) غلافه شجرة نصف مورقة، وأسمال إنسان وزع نظره بين الشجرة والفضاء الملبد بالغيوم وفي قاعدة الصورة ملامح أعشاب لطرف المكان المتخشب الذي احتوته الصورة. (عطش امرأة) مجموعة قصصية للكاتبة فاطمة الرومي من إصدارات النادي الأدبي بالرياض، عام 1426هـ تضم اثنتي عشرة (12) قصة على سبعين (70) صفحة تمارس البوح بحزن مغلف برومانسية شفافة من خلال الشعور بالفشل المرتبط بالأحداث السالبة في خصائص شخصيات عابرة فيهم روح المقاومة، من خلال الاطلاع على سيرهم الذاتية.
وأنا أشغل وقتي بقراءة النصوص أتذكر أني سبق لي قراءتها مثل (تفاصيل غريب) و(لماذا ترقص الأسماك) ومع ذلك واصلت اكتشاف النصوص للوصول الى تفتيت العطش الذي يتغلغل في المجموعة من نص لآخر بمقدرة عجيبة لكاتبة تفرق همّها الابداعي بين كتابة القصة القصيرة والعمل الصحفي كاعلامية كما نجده في سيرة الكاتبة.
في الصفحة (31) السطر الأول من قصة (ليلة فرح) تقول القاصة (كان حضوري هذه الليلة لحفلة زفاف ابنتي الكبرى مختلفاً عن حضور أية أم لليلة كهذه)، ومن سياق النص نكتشف أنه حفل زفاف الابنة الكبرى لأم مطلقة كما أن سياق النص لم يتلون بالفرح إذ لم تقم بالرقص في فرح ابنتها كما هو متعارف في هذه المناسبة الغالية، ولكن جاء صوت الأخ كما سيف بتر لحظة الانبثاق التذكري الذي معه شعرت الأم أنها غريبة، فهي لم تصبر وهي امرأة مطلقة، الكاتبة أبدعت في رسم الحالة داخل إطار الابنتين والأم، ولم تهتم بديكور المكان الذي يعج بصوت المطربة السمراء.
وكما هي معاناة امرأة قصة ليلة فرح تتصاعد هذه المعاناة في قصة (عطش امرأة) البطالة تعاني من الصبر وتتخلَّق في قمقم فض المغلق الذي معه تبحث عن الارتواء (بينما تجتاحها رغبة عارمة تشدها شداً نحو مجاهل ارتواء كامل) وقد تيبست أطرافها من الصبر (اصبري لعل رحمة الله تدركنا) ويكون الارتواء المجدب في إهاب ذات اعتادت الانتظار.
يقول البعض إن المرأة تعيش في ظروف صعبة تزداد يوماً بعد يوم وتتعرض للحرمان الجزئي أو الكلي منفصلة عن السياق العام وفق تصور أنها تتعرض الى العديد من الأوضاع المستغلة داخل المجتمع الذي لم يرتق وعيه الى الحاجة لسياسة شاملة متعددة المداخل لتنمية حقيقية.
والكاتبة في هذه النصوص تدرك أن التعصب الذي تعاني منه البشرية اليوم يهدد التماسك الاجتماعي القائم فلذلك انفلتت نصوصها من ملمحي الاستمالة العاطفية والاستمالة العقلية انتصاراً لرمز قصصها حتى لا تجرنا الى حكم مسبق ينطوي على اتجاه سلبي فعالمها تعددي يرفض الاستعلاء الثقافي الصريح أو الخفي مدركة أن الكتابة قضية غاية في المسؤولية، تأتي قصة (وإذا الوردة سئلت!!) وفق هواجس أحدث قصة (عندما تغيب عائشة) قسوة الرجل وخطر هذه الحالة على البقاء وتبلور الصمود الذي ينتج التمزق فكلا الوردتين أصيبتا بالجفاف فالمكان مسموم.
وكما أن الحزن الشفاف امرأة فهو أيضاً رجل نكتشف ذلك من نصوص أخرى لم تفرط في البوح بما تكنه النفس البشرية حيال قسوة الحياة ونتن الانتظار المنكسر، الأستاذة فاطمة الرومي قاصَّة تتميز بالصدق الشديد في التعامل مع أجواء العمل الأدبي الذي تخوض فيه وقد دشنت أسلوبها بمجموعة متميزة عن أشياء لفتت نظرها في المجتمع دارسة معالم الشخصيات والعوالم المحيطة بها، وهنا نجد الكاتبة تتجلى وهي تصف حالة الغربة بين شخصيات رصدتها بوعي في حالة غربة السفر من أجل العمل في قصة (تفاصيل غريب) وحالة غربة الشعور بالوحدة والانفصال عن المجتمع في قصة (رحيل البؤس) الذي لم يجد امرأة تشاركه (لعلها تحيل برودته دفئاً، لكنه يدرك كم كان نسيجه واهياً، فمن سترضى بالعيش مع رجل تعرف أنه لن يمنحها دفء الأمومة).
إن الكاتب الذكي عاطفي يساعد القارئ في ايجاد نص مريح، نص لا يرى فيه المتلقي المشاكل على أنها مؤشرات للضعف وإنما قضايا تحتاج الى حلول وهذا تتمتع به القاصَّة فنجد أبطالها، وهم يواجهون مصيرهم أقوياء وفي إمكانهم إحداث التغيير بشيء من التركيز والمثابرة، وهذا اتضح بجلاء في قصة (البوابة) التي تبتلع مزيداً من الداخلين والبطل يستدير هارباً ليتخلص من شعور الهزيمة.
لقد نجحت الكاتبة فاطمة الرومي في استخدام حاسة الحدس وهي تقدم لنا هذه المجموعة القصصية مع انبثاق العام الجديد (1426هـ) حتى تُبقي للقصة القصيرة شيئاً من الوهج، مع ثلة من الكتَّاب المنفردين بتلمس الواقع في رومانسية جديدة ترتبط بالتفاؤل الذي يتبنى أسلوب تحليل التعادل بين البنى المعتادة والمتغيرة من أجل البقاء بما تبقى لدينا من أمل في المستقبل.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved