الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 6th September,2004 العدد : 75

الأثنين 21 ,رجب 1425

تأملات في كتاب
أمريكا التي تعلمنا الديمقراطية والعدل.. (الأرض الخراب) (2)
سهام القحطاني
حلم الهيمنة يظل هو حلم الامبراطوريات العظيمة، لكن هذه المرة الحلم أمريكي وليس فرنسياً ولا بريطانياً.
لقد غيرت أحداث 11 من سبتمبر (الولايات المتحدة إلى الأبد) ص 25 واستطاع (الذئب الجريح) أن يضمد جراح كرامته المنهارة وفق ما يراه من العلاج الناجع، أي الهيمنة على العالم لإثبات قوته الأحادية غير القابلة للتنافس.
إن الاستراتيجية التوسعية (الامبريالية) التي تنتهجها اليوم الامبراطورية الأمريكية وخاصة في منطقة الخليج، بالتأكيد إنها ليست محصول الصدمة النفسية لأحداث 11 من سبتمبر. ومن السذاجة الظن بذلك، بل هو مخطط قديم العهد منذ التأسيس الأول لهذه الامبراطورية كما يقول نعوم تشومسكي، إذ (وفرت للولايات المتحدة ذريعة للتسريع في تنفيذ الخطط التي كانت طويلة الأمد وهي خطط الهيمنة) 205 لتسير وفقد تدرج حلزوني حسب نظرية فيكو حتى تكتمل دورة الاقفال الحضاري لهذه الامبراطورية لتنهار حضارتها (فالامبراطوريات نهاية الحضارة) كما يقول توينبي، وهذه هي سنة التاريخ. لذا كان المخطط حاضرا في ذهن مؤسسي الولايات المتحدة، (أن قيام امبراطورية أمريكية هو أمر يجري بشكل طبيعي، فلا تحتاج المسألة إلى إكراه.. (في يوم قريب سيمتلك الشعب الأمريكي وعياً بكونه صار أمة امبراطورية.. لقد حصل هذا لأن العالم أراده أن يحدث)) ص29 وأحداث 11 من سبتمبر أتاحت لأمريكا فرصة إعلان هذا الحلم و تنفيذه بطريقة إجرائية.
ما الذي استفادته أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر، تحقيق (الحلم) حلم الهيمنة على العالم والحجر على ثرواته بغرض حماية مصالحها، (حلم) القوة الأحادية وتحويل العالم إلى أتباع يركضون خلف عربتها، وفق نظرية الفيلسوف (هوبز الذي يقول إن العلاقات بين الدول بل وحتى الأفراد، قائمة على موازين القوة ولا شيء آخر.. أنا قوي فإذن أنا أفرض سياستي عليك بكل سهولة لأن لغة القوة واضحة لا لبس فيها ولا غموض) ص127 (حلم) تشريع النظام العالمي الجديد الذي يسمح (امتداد العلاقات الاستعمارية السابقة بين المركز (الواحد حاليا) وباقي العالم الأطراف) ص208 ل(يكفل مصالحها ويكرس سيطرتها المطلقة على الأسواق وعلى نظام العلاقات الدولية.. والاستيلاء على مناطق النفوذ والتحكم في
مصادر الطاقة وفتح الأسواق أمام الشركات الأمريكية) ص26 27 (حلم) البطل الذي يؤدي وظيفته المقدسة (استجابة لمباركة الرب) الذي خصه بنشر العدل وحماية (العالم من الشر المستطير)، في الماضي كان (الوباء الشيوعي) أما اليوم فهو وباء الإرهاب (الإسلام). وللحلم الأمريكي لغة رمزية متدرجة الإزاحة متعددة الإيحاء تشبه لغة شاعرهم الخالد* تي أس أليوت. (فالثقافة الأمنية والحرب على الإرهاب ومربع الأعداء ومحور الشر ومحور الخير والإصلاح والحرب الاستباقية والمصالح الأمريكية، والأمن القومي الأمريكي والضربة الوقائية والديمقراطية والعدل والحرية والنظام العالمي الجديد بمفرداته المختلفة) شكلت المعجم اللغوي للخطاب الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر وهي لغة تتميز بالانفرادية والاستعلاء والهيمنة.
(حلم) أحادية القوة المطلقة حتى (تظل الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم، وأن تمنع صعود أي قوة سواء أكانت دولة أو مجموعة من الدول) ص248 القوة التي وصفها المؤرخ الألماني ما ينكه (مثل الغذاء للإنسان) لتصبح القوة (هي الايدولوجيا الرسمية للبيت الأبيض) ص293.
القوة السياسية الواحدة، والقوة العسكرية الواحدة أو كما يسميها راسل القوة العارية وهي مركز قوة الامبراطورية الأمريكية وهذا (ما يؤكد أهمية وجوب تحقيق التفوق العسكري للامبراطورية الأمريكية على العالم، ومنع قيام أي قوة مناهضة للولايات المتحدة، فواشنطن تعلن صراحة أنها ستفعل كل ما في وسعها من أجل الحفاظ على سيطرتها على العالم، وهي تؤكد اعترافها على القيام بما يمكنها القيام به من أجل عدم ظهور أي قوة أو دولة يمكنها تحدي انفراد أمريكا بالسيطرة على العالم) ص285 (إن ما يهم الامبراطورية (الأمريكية الجديدة) هو أن تظل هي القوة العسكرية الأعظم في العالم إلى آخر الزمان) ص289 والثقافة الواحدة، والاقتصاد الواحد، والواحد والواحدة ها هنا هي أمريكا لا غير. وهكذا تصبح أمريكا (المرشد والمعلم والوصي وهي في الوقت نفسه الشرطي الشرس) ص31 فتتحقق (كامل شروط التبعية اقتصاديا وسياسيا، وبهذا تصبح حركة العالم كله تدور ضمن الفلك الأمريكي وذلك بإنجاز ينسجم مع نزعة الاستعلاء الأمريكية وهو يتواءم مع اعتقاد الأمريكيين قيادتهم للعالم هي قدرهم المحتوم الذي اختاره لهم الرب، وباركته من أجلهم الملائكة) ص131.
إن أمريكا اليوم تمارس كل أدوار تمثيل القوة وفق سياستها (الانفرادية) سياسة الامبراطوريات (في تقويم الأحداث وفي التعامل معها، والتصرف حيالها.. فالمصالح الأمريكية ليس لها أن تكتمل إلا بفرض الرؤى الأمريكية الخاصة على الجميع في أرجاء الأرض) ص125 و(للهيمنة على العالم وفي هدف ترويضه للقيام فقط بما هو مطلوب منه، أي القيام ما تمليه القوة الأوحد، التي هي الأعلم بمصالحه، وهي الوصية على مستقبله.. لقد أتاحت أحداث 11 سبتمبر لواشنطن أن تعبث في واقع عالم اليوم ومصيره كما تشاء) ص163 وبذلك (هي التي ستحدد وحدها معايير علاقاتها مع العالم بل وعلاقات هذا العالم نفسه داخله بين دوله وشعوبه) ليصبح (القرن الواحد والعشرين أمريكيا) ص305.
إن سياسة أمريكا مع العالم العربي والإسلامي (مربع الأعداء ومحور الشر وأعداء الحضارة وأبناء الظلمات) بدأ من القضية الفلسطينية مرورا بأفغانستان والعراق ومواقفها من المقاومة العربية في فلسطين وجنوب لبنان وحاليا العراق وتحويلها إلى فعل إرهاب. سياسة لا نستغربها نحن العرب ولا تدهشنا بل ومن الغباء أن نحلم بغيرها، وهي سياسة تعاضدّ، أنا وابن عمي (أمريكا وإسرائيل) على الغريب (العرب والمسلمين)، فما الذي قدمته أمريكا خاصة والغرب عامة للقضية الفلسطينية ليحسب لهم منعطفا تحويليا في تطور القضية حسب معلوماتي لا شيء سوى لغة من التنديد والتهدئة والتمويه وبعض من القرارات (إن مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة فيما يتعلق بشؤون المنطقة، خيبت دائما آمال الشعوب العربية واصابتها بالإحباط) ص38 بل ولا تتوانى سيدة الديمقراطية والعدل والحرية أن تقف مع الباطل (إسرائيل) ضد الحق (الفلسطينيين) بما تمتلكه من حق الفيتو في مناصرة إسرائيل ضد مواقف العالم، وموقفها الأخير من مسألة (الجدار) يحمل لنا دلالات علينا أن نستوعبها جيدا فهل نتمكن من فهمها؟؟
لماذا العراق خاصة وليس مثلا النظام الليبي وهو أشد شراسة وإرهابا من نظام صدام حسين، لماذا
العراق خاصة في حين أن نظام صدام حسين العسكري هو صناعة أمريكية، كما كان تنظيم أسامة بن لادن صناعة أمريكية؟ لا شك أن هناك أسبابا عدة منها، ما ورد في تقرير لليهودي يينون اوديد نشر مترجما عام 1986م بعنوان استراتيجية إسرائيل في الثمانينات (.. إن تفكيك سوريا والعراق في وقت لاحق إلى مناطق على أساس عرقي أو ديني، كما هو الحال في لبنان، يعتبر الهدف الأول لإسرائيل في الجبهة الشرقية يقصد الشرق الأوسط على المدى البعيد في حين أن تفكيك القوة العسكرية لهذه الدول وهي مصر وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية يشكل هدفا أوليا على المدى القصير، إن العراق الغني بالنفط من ناحية، والممزق داخليا من ناحية أخرى، يعتبر مرشحا مضمونا لأهداف إسرائيل، فتفكيكه يعتبر بالنسبة لنا أكثر أهمية من تفكيك سوريا) 1 إضافة إلى أن (العراق مكون مفصلي من مكونات مصادر النفط في الخليج العربي وتلك المكونات وصفتها وزارة الخارجية الأمريكية سنة 1945م بأنها مصدر مذهل للقوة الاستراتيجية) 206.
أي أن المسألة تتجاوز الإطاحة بنظام ديكتاتوري إلى (.. هيكلة شرق أوسط جديد، وتغيير الثقافة السياسية للمنطقة كلها.. إن الحرب على العراق جاءت استجابة لإدراك أمريكا بأن عليها أن تبادر إلى تصميم عالم على صورتها، قبل أن يصممها العالم على صورته) 55 ثم (إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط كلها بذريعة سد الفجوات الأمنية المتربصة بها) ص287 إن الشرق الأوسط بؤرة للإرهاب (فالمطلوب شرق أوسط بمواصفات إسرائيلية أمريكية لأن القاعدة الأمثل في عرف الأقوياء، هي أنهم الأجدر بترتيب الأوضاع، بما يكفل الأمن، حتى ولو كان ذلك الأمن تحت فوهات المدافع، ويضمن الاستقرار حتى لو كان ذلك الاستقرار فوق أكياس البارود وصناديق القنابل) ص57 قول يعيدنا لنظرية نتيشه (البقاء للأصلح، والأقوى هو الأصلح)، إنها الحقيقة السوداء التي علينا أن نؤمن بها.
أما الوجه الآخر للحقيقة فهو بترول دول الخليج (إن الخليج في النتيجة هو أكبر مستودع للاحتياطات النفطية وبالتالي فهو نقطة مفصلية في أمر السيطرة على العالم، وكيسنجر هو صاحب نظرية تفتيت المنطقة وتقسيم دولها وتقاسم خيراتها وتجزئة الحلول
السلمية بينها وبين إسرائيل لضمان السيطرة الكاملة عليها.. إن النقطة الحساسة لحدود الامبراطورية الأمريكية هي الخليج العربي التي تحيط به أغنى منابع النفط، الذي سيظل عصب التنمية الغربية لعدة قرون قادمة وعلى هذا الخط الساخن حققت وحدانية السوق آخر انتصاراتها بتحطيم العراق) 207 إن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها أمريكا خلال ارتفاع سعر النفط والعجز في الميزانية الأمريكية والمشاكل الداخلية وارتفاع الضرائب، الذي يتخذها المرشح الديمقراطي (جون كيري) للتأثير على الرأي الأمريكي، وتراجع مستوى التجهيزات التعليمية، وضرب المنافسة الصناعية التي تتصدرها كل من اليابان والصين، حلها البترول العراقي أي المادة الخامة. لذا دائما (القوة والأمن الأمريكي يعتمدان بشكل أساسي على الحصول على المواد الأولية من العالم وبالتدخل في أسواقه الداخلية وبالأخص في دول العالم الثالث التي يجب أن تبقيها الولايات تحت السيطرة الشديدة) فهي أقصد منطقة الخليج تمثل لأمريكا وإسرائيل فوائد عدة منها (المصالح الأمريكية في المنطقة، فهي ما تزال تتمثل في ثلاث مصالح أساسية: منع أي قوة أخرى من السيطرة عليها، واستمرار ضمان الحصول على البترول بأسعار معقولة، وحماية إسرائيل) ص283.
وفي سبيل ذلك فليذهب جميع العرب إلى الجحيم، ولتحترق كل البلورات الفضية التي يحلم بها أطفال العرب في أعياد ميلاد السلام.
(.. في كافة أرجاء هذه الأرض الشاسعة بشر يموتون، لكن السماء مهما بلغ اثمها، لن تسحقنا جميعاً في آن معاً..) 2 Certainly(will not wipe us all out at once)


* أمريكي الأصل إنجليزي الجنسية.
1 بروتوكولات حكماء صهيون ترجمة الدكتور إحسان حقي ص7 بتصرف
2 من رواية الأرض الطيبة للكاتبة الأمريكية بيرل باك، الحائزة على جائزة نوبل للسلام 1938م
sehamha@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved