الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 6th September,2004 العدد : 75

الأثنين 21 ,رجب 1425

أعراف
ثقافة (أبو غريب)
محمد جبر الحربي
تذكرت وأنا أشاهد فقرات من الألعاب الأولمبية عدداً كبيراً من مهازل القوى العظمى، والدول الكبرى، والغرب (الديمقراطي) (الحضاري) !!
والحقيقة أنني لم أستطع منع نفسي من شعور بالاشمئزاز، أدى إلى تصاعد تشجيعي لأي فريق، أو لاعبٍ من أية دولة غنية بحضارتها، فقيرة بمواردها.
ولقد كان صوت المذيع يذكرنا كل حين بأصول اللاعبين الذين اشترتهم الدول الغربية الغنية، وجنّستهم ليجلبوا لها الذهب، وعلى رأسها بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية، من دولٍ كرومانيا ويوغسلافيا، والدول المنحلة من الاتحاد السوفيتي ومن إفريقيا إلى آخر القائمة.
بينما كانت اليونان الدولة المضيفة، واليابان، والصين ودول أخرى تراهن على أبناء حضارتها، مراعية المعنى الحقيقي للرياضة، والهدف السامي للشعلة والأولمب، وما يمثله التاريخ مرتكزة على إرثها، متطلعة إلى المستقبل بشرف.
إنها مسألة تتعلق بالحضارة والقيم، وتصل إلى الفساد والإفساد المادي الذي يعيشه أفراد ومجتمعات الغرب الصناعي، وعلى الذروة منها المجتمع الذي شعاره في الحياة (النقود تتكلم)، والانهيار
الأخلاقي لجل هذه الشعوب وعلى الرأس سياسيوها والمخططون لها.
وقد قلنا مراراً إن الديمقراطية، والحرية، والمنافسة العادلة أمورٌ لم تحدث كما يصورها إعلامهم، وإنما هي شعارات مرتبطة أبداً برأس المال، ومصالح الشركات.
ذلك المال الذي أفسد كل شيء من البيئة إلى الدين إلى الأخلاق والقيم.
وكلنا نتذكر ونعرف تاريخ الانتخابات (الديموقراطية) في هذه الدول الممولة برأس مال الشركات الكبرى، المسيرة عبر مصالحها.
ونحن نتذكر حادثة رياضية أخرى هنا عندما طلبت منافسة أمريكية في التزلج من صديقها ضرب منافستها وتعطيل ساقها لكي تمنعها من مشاركة عالمية.
نعم لقد سَرحتُ وأنا أتابع ما يُفترض أن يكون تجمعاً عالمياً للتنافس الشريف، ولالتقاء الشعوب واكتشاف حضاراتها وثقافاتها.
وقادتني أفكاري إلى أن الخراب قد ضرب أوتاده في هذه الحضارة الناشئة.
وقلت إن حضارة بدأت على التصفية، والاستعباد، والجشع ستنتهي على نفس النهج الذي تأسست عليه.
وشراء اللاعبين، والرياضة
بالنسبة للإعلاميين، والإعلام.
فنحن مازلنا نعيش نتائج دعوة (كولن باول) المزدوجة والتي تتمثل في:
تحسين العرب من نظمهم الإعلامية ضمن خطة الإصلاح المقترحة للشرق الأوسط الكبير دون إسرائيل طبعاً.
أن يرافق ذلك تحسين أمريكا لصورتها لدى العرب والمسلمين.
وإذا ما مورست لتحقيق النقطة الأولى ضغوط سياسية وعسكرية.
فلقد تمت لتحقيق النقطة الثانية عمليات (دفع وشراء) بالمعنى الحرفي.
وقد رأينا وسمعنا وقرأنا السيل الإعلامي الجديد المروج للثقافة الأمريكية والسياسة الأمريكية والنهج (الديمقراطي) العجيب الغريب الذي يبدأ بالشراء.. وينتهي بما لا يعلمه إلا الله.
ومن مظاهر الثقافة الشرائية تواجد عشرين ألف مقاول من أصقاع الأرض مع الجيش الأمريكي.
والمقاول كلمة لطيفة تستخدم بدلاً من (مرتزق)، مما يدخل ضمن لعبة تحسين الصورة.
ومن مشاكل هذه الدول الصناعية الأخرى أن الكل أصبح يبحث عن المال بأية طريقة دون أية ضوابط، أو موانع دينية أو أخلاقية.
ومن مشاكلها أيضاً أنها كلما دفعت لتحسين صورتها، والجملة الأدق في هذا السياق هي: تغطية مساوئها هبّت فضيحة مجلجلة أطاحت بكل جهودها ونواياها غير السليمة.
فما حصل في سجن (أبوغريب) وهزّ العالم، إلا الأمم المتحدة بطبيعة الحال، يمكن ان نطلق عليه (ثقافة أبو غريب) وهي تمثل شريحة متنوعة من الأمريكيين:
القيادات من الجيش والاستخبارات والمارينز.
الأفراد منهم.
الأطباء الذين زوّروا حسب مصادر غربية في تقارير التعذيب، وشهادات الوفاة.
الإداريين المدنيين.
الإعلاميين، والمحامين المتعاطفين مع السجّانين لا المساجين، وغيرهم.
ومن أبرز ما في هذه الثقافة:
السادية، الانحرافات الجنسية، القتل بدم بارد، الكذب، الخداع، التزوير، الاضطهاد، التفرقة العنصرية، احتقار الأديان وغير ذلك كثير.
ولو عدنا لنقطتنا حول أن الخراب قد عمّ وفاض، وأن الكل يبحث عن المال، لوجدنا أنه لا بد أن من سلّم تلك الأفلام والوثائق سواء في أمريكا أو بريطانيا كان يهدف إلى تحقيق ثورة عبر فضيحة، وعلى حساب أي شيء.
وأن من زوّر أو اشترى ممثليه في الألعاب الأولمبية، سيزوِّر بالضرورة وثائقه في (أبوغريب).
أبو غريب في النهاية ليس سجناً، بل هو رمزٌ لثقافة مريضة، وحضارة مجنونة، تتآكل وتحترق وتسقط، وتريد جرّ العالم بأسره معها إلى الهاوية.


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved