الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 6th September,2004 العدد : 75

الأثنين 21 ,رجب 1425

انتخابات عرجاء ..!!
أمل عبدالله زاهد
بينما تتناقل الساحة السعودية أخبار انتخابات مجالس البلديات المرتقبة، والتي تحدد بداية السنة الجديدة موعداً لها، وتتواتر الأنباء عن الآمال المعقودة على ناصيتها في تحسين أوضاع المدن وحل مشاكلها، والمساهمة في تنفيذ المشاريع التنموية المرتبطة بالخدمات البلدية المختلفة، يقبع نصف المجتمع خلف الستار متلبساً بالأعراف والتقاليد التي تقصيه عن المشاركة والتفاعل، وخاضعاً للمتوجسين من مساهمته في النهوض بالوطن والمجتمع، والخائفين من مشاركة المرأة في هذ الانتخابات التي أقل ما توصف به أنها مبتسرة التكوين، مبتورة الأطراف، وناقصة التأسيس، ذلك أنها تغيِّب نصف المجتمع أو أكثر عن التواجد على الساحة وعن التعبير عن مطالبه ورغباته واحتياجاته في منظومة يشكل هو الجزء الأكبر منها.
وكأنما جاء تصريح المهندس علي الحسون عضو مجلس الشورى للشرق الأوسط ليرسخ الثقافة الذكورية المهيمنة على المجتمعات العربية ويجذِّر لآلية الإقصاء والتهميش والتمييز الجنسي الذي يمارس ضد المرأة فقد قال: (يجب علينا في البداية الاهتمام والتركيز على ترشيح الرجال)، ثم أشار إلى أنه في حالة نجاح هذه التجربة يمكن مشاركة النساء حيث هن شقائق الرجال وصاحبات أدوار كبيرة في المجتمع فإذا كانت هذه الحقوق لا يجحدها أحد فما الحكمة من تأجيل تفعيلها؟!!
فأوضاع المرأة العربية ما زالت تراوِّح مكانها منذ زمن بعيد، وأقدامها متشبثة بأرض مجدبة لم يعد من
الممكن تخصيبها وزرعها ببذور التقدم والنهوض، وذلك بسبب الجمود والتوقف عند حواجز منيعة تشكِّل الثقافة العقبة الأكبر في سبيل تجاوزها، فهي تعيد المرأة إلى حظيرة التقوقع على نفسها وعلى مجتمعها الصغير كلما أرادت المشاركة والخروج.
ونحن هنا لا نغفل أهمية التدرج في نيل المرأة لحقوقها، وما يصاحب عملية التدرج من انسيابية وسلاسة وهدوء، تمكِّنها من السير بتروٍ دون قفز على المراحل، ودون أن يتعرَّض المجتمع لهزة أو زلزلة في تركيب بنيته الأساسية، ولكن يجب أن يؤخذ في الحسبان أن الحسم والحزم في الأمور الجوهرية المهمة، سيساهمان في بتر وتقليص الممانعة الاجتماعية التي تتدثر بعباءة الدين وهو منها براء، وسيساعد في الخروج من دائرة الخصوصية التي وجد المجتمع السعودي نفسه يغرق في متاهاتها ويتكبَّل في اشكالياتها وتعقيداتها، غير قادر على سحب نفسه من كثبانها الرملية التي تعيق حركته، وتشد قدميه إليها كلما أراد التقدم أو رغب في الحركة.
وفي الحقيقة أن المرأة عانت الأمرين في سبيل الاعتراف بإنسانيتها، وناءت تحت ثقل إرث تاريخي مقيت اكتوت فيه بنار التمييز الجنسي، وحملت أنوثتها كوصمة عار على جبينها، وتعرضت لكافة صنوف الاضطهاد والاستبداد في مختلف الحضارات، حتى إنها تعرضت للوأد في الحضارة اليونانية
والرومانية، وكان لا يسمح إلا بالإبقاء على أنثى واحدة في العائلة، وأخضع القانون الروماني ومعظم الشرائع القديمة المرأة لنظام الوصاية.. كما أن الأديان لم تتمكن من تحرير المرأة من سطوة الإقطاع والعبودية وقبضة العادات والتقاليد إلا لفترة وجيزة يعود فيها الحال إلى سابق عهده، كما نظر إليها الكثير من الفلاسفة نظرة دونية، تتلخص في كونها تابعةً للرجل ومسخَّرة لخدمته ومخلوقة لإسعاده والقيام على راحته، ومنهم أرسطو وأفلاطون وجان جاك رسو وشوبنهار ونيتشه.. وحتى الثورة الفرنسية لم تتمكَّن من تحرير المرأة والمناهضة لحقوقها والدفاع عنها، وكان على المرأة أن تمشي طريقا وعرا محفوفا بالعقبات وملغما بالمصاعب في سبيل نيل حقوقها الإنسانية والسياسية والاجتماعية، وقد يتعجب المرء حين يعرف أنها لم تنل حق التصويت في فرنسا مهد الثورة والرحم الذي نشأ فيه ميثاق حقوق الفرد والمواطن إلا في عام 1944م، ولم تنل في سويسرا هذا الحق إلا في عام 1971م.
بمساعدة المناهضين لحقوقها من الرجال، والمتنورين والمخلصين من أبناء هذه الأوطان، والذين يجاهدون ويعملون لكسر أصفادها وتحريرها، والذين يدركون أنه لن تتمكن هذه الأمة من النهوض إلا بتضافر جهود كافة أفرادها من الرجال والنساء.
فالدين الإسلامي لم يبخس المرأة حقها بل ساوى بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات، وزجَّ بها في معترك الحياة العامة، وجذر لحقها في المشاركة السياسية والتعبير عن رأيها، وخير دليل على ذلك هو مبايعة النساء للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، واستشارته لزوجته أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها في بعض الشؤون السياسية.. وبانفتاح الإسلام وتركيزه على العدالة والمساواة، لم تعد المرأة ذلك الكائن الذي لا تتجاوز اهتماماته حدود وأطر عالمه الخاص، بل شاركت المسلمات، الأوائل في نشر الدعوة، وفي الهجرة الأولى والثانية إلى الحبشة، وفي الغزوات جنبا إلى جنب مع الرجل، وفي تطبيب المرضى، وفي تدارس الدين وحفظ القرآن، بل شاركن في أمور الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك امتثالاً للآية الكريمة: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، كما أن بعض الفقهاء جوَّز توليها
القضاء أمثال الطبري وابن حزم.
ورغم كل ذلك التغيير الذي جاء بمعية الإسلام، ومناصرته للمرأة وتأكيده على إنسانيتها ومساواتها بالرجل، إلا أن بعض القراءات الفقهية تعسفت في قراءة النصوص، وأصرت على خلط العادات والأعراف، وتعاليم الديانات السابقة المتشددة كاليهودية، وبسماحة الإسلام وانفتاحه، وسحبت البساط من تحت أقدام ما حققه الإسلام من انتصار لإنسانية المرأة، وشوَّهت تدشينه لما لم يسبقه إليه أحد في الحضارات الاخرى، لتعود المرأة ترسف تحت اغلال وقيود العادات والتقاليد التي لم ينزل الله بها من سلطان، وتحكُّم وسطوة بعض ضعاف النفوس والجهلاء، وكأنما يراد بها أن تعود إلى تلك العصور الظلامية، التي كانت توأد فيها جسدياً ونفسياً واجتماعياً، وتُقصى وتُغيَّب عن الحياة وعن المشاركة في الشأن العام، وتُشيأ وتصبح إحدى ممتلكات الرجل الذي يعاملها معاملة السيد لعبده، محتجاً بالقوامة عليها متناسياً ومتغافلاً أن الله سبحانه وتعالى كلفه بها كنوع من المسؤولية المقدَّسة التي لا تمنحه حق التسلط عليها والتحكم بها أو الافتئات على إنسانيتها وكرامتها.
إقصاء المرأة وتغييبها عن المشاركة سيؤدي إلى شلل المجتمع، وسيؤخر سير العملية النهضوية والمسيرة التنموية، وسيحرم الوطن والمجتمع من طاقات وعقول هو أحوج ما يكون إليها حتى يسير في طريق التقدم والنماء، كما أن انتخاباتنا البلدية ستخسر الكثير بإبعاد المرأة عن دائرة العمل.


amalzahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved