الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 6th September,2004 العدد : 75

الأثنين 21 ,رجب 1425

(شهادة عدنان الصايغ)
منصور الجهني
الشعر مرآة الحياة
وتحديداً حياة كاتبه أو مبدعه
هو أيضاً حكاية العمر
حكاية الطفل متنقلاً بين عذاباته، ومثقلاً بأحلامه التي يتعثر بها، عبر متاهات الطريق.. في رحلته الطويلة، التي تبدأ ذات حلم، وقد تنتهي قبل اكتمال القصيدة.. قبل الوصول إلى الوردة المستحيلة، التي تخبئها امرأة الشعر بين جدائلها، وتنأى في البياض، أو في عبق الياسمين.
كلما كان المشهد ثرياً ومتنوعاً، وحافلاً بما يتجاوز ألوان الطيف.. إلى ألوان أخرى قد لا تدركها الحواس المسيحة بطمأنينة المألوف والعادي.. جاءت القصيدة أكثر ثراء وأكثر قدرة على إثارة الدهشة.. وإشارة إلى الشيء الذي هناك، الشيء الذي لا تمكن رؤيته إلا من خلال القصيدة.
الشعر صدى السنوات، بكل ضجيجها وصخبها، ومفارقاتها، بكل عذاباتها ومعاناتها.. وبعيداً عن جدلية الإبداع والمعاناة، التي سادت في مرحلة الرومانسية.. يمكن الحديث بدلاً من ذلك عن ثراء التجربة وتنوعها.. كمصدر رئيس لإثراء وتميز الأبداع، وكمخزون تستعيد من خلاله الذاكرة طفولها، وتجدد ألفها وحيوتها، وتبقى المعاناة في هذا الإطار، أحد أشكال تلك التجربة، أو إحدى تجليات الحياة بصورها المتعددة.
أكتب ذلك على خلفية ما قرأت من شهادة الشاعر المبدع عدنان الصايغ المنشورة في مجلة العربي تحت عنوان (شهادة في الشعر والحرب والمنفى.. تلك السنوات المرة) حيث تضعنا هذه الكتابة ضمن السياق الموضوعي والزمني الحافل بالكثير من التجارب المرة والمفارقات التي عاشها الشاعر.. وانعكست على شعره الذي يجمع بين البساطة والدهشة، في معادلة يصعب أن تتحقق إلا لمبدع يمتلك هذه التجربة، مضافاً إليها قدرة غير عادية لصهر الشعر وتمثله في اللغة، حيث يصبح للتماهي بين الواقعي والغرائبي هذا السحر.
يقول أيضاً: كأن قدري أن أعيش حياتي المتعثرة سلسلة مفارقات، وما الشعر إلا مفارقتها الأبهى والأصعب.. ذلك أنه هو الحياة في أقصى دهشتها وفنيتها ومفارقاتها، وهو لا يتمكن من ذلك إلا إذا استحال إلى نبض حي للإنسان، يعبر عن توقه وهواجسه وعذاباته وأحلامه السرية، متصاعداً بها إلى مصاف الحس الإنساني الإبداعي.. فالشاعر كما يراه جواب الآفاق
ومدون الألم ومستشرف الأمل وملتقط المفارقات، في دوره العابر والمجلجل على رصيف الحياة.
مرة أخرى، وبالإشارة إلى ما جاء ضمن هذه الشهادة حول تجربة الحرب، وانعكاساتها على أبداعه.. مستعيداً الكثير من الأسماء والصور المؤلمة وجنائز الأصدقاء.. يكتب: وإذا كان الشاعر رامبو يرى أنه (يجب خلخلة الحواس.. بعد هذا تستطيع أن ترى ما لا يرى)، فقد صبغت تلك الخلخلة الجنائزية مفردات حياتنا ونصوصنا، وأرتنا عوالم لم يكن لنا تخيلها أبداً حتى في أسفل طبقات جحيم دانتي أو رسالة الغفران للمعري أو روايات الحرب التي قرأناها هناك من (إلياذة) هوميروس، حتى (الحرب والسلم) لتولستوي، مروراً ب(الساعة الخامسة والعشرون) لكونستانتا جيورجيو، و(كل شيء هادئ في الميدان الغربي) لأريك ماريا ريمارك، و(صمت البحر) ل(فيركور).. وإلخ.
ورغم اتساع جغرافية تجربة الشاعر، وما تحفل به من تناقض وتنوع قد لا تكفي لاختزاله حدة المناخ بين درجة الخمسين وثلوج إسكندنافية.. تبقى تلك التجربة هي الرافد والمخزون الذي يزداد ثراء.. وتبقى الصورة الأولى معكوسة بمرايا المنفى وما تبقى من الحلم هي النافذة على مستحيل الشعر وعلى وطن ينأى.
( العراق الذي يبتعد
كلما اتسعت في المنافي خطاه
والعراق الذي يتئد
كلما انفتحت نصف نافذة.. قلت: آه
والعراق الذي يرتعد
كلما مر ظل
تخيلت فوهة تترصدني، أو متاه
والعراق الذي نفتقد
نصف تاريخه أغاب وكحلّ..
ونصف طغاه)
بقي أن أتساءل أيضاً حول مصداقية ما نكتب من إبداع.. على خلفية ذلك المشهد النمطي والمكرر؟.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved