الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 6th September,2004 العدد : 75

الأثنين 21 ,رجب 1425

أعداء النحو
(من لويس عوض إلى الشوباشي)
محمد عبيد
أن يتحدث مستشرق وبصراحة عن عدائه للغة العربية وقواعدها وأساليبها وتراكيبها، فإن هذا قد يعد أمراً عادياً لا يمثل لنا خروجاً عما اعتدناه من الغرب ومحاربته للإسلام حرباً ضروساً متمثلة في دستوره اللغوي ونظامه التركيبي.
أقول .. إن هذا أمر طبعي، أما أن تأتي الطعنة من أناس يلبسون لباسنا، ويأكلون طعامنا، ويشربون ماءنا وأكثرهم يدين بديننا، فهم من بني جلدتنا حكماً وتقديراً، قوة وفعلاً، فإن هذا يمثل انسلاخاً من ثقافته التي نشأ عليها وتربى، وفي المقابل أيضاً يمثل دونية وانحطاطية لأنه يسير في ركاب الغرب دون أن يربط بين الاختلاف حول لغته ولغة الغرب.
وقد أطل علينا منذ خمسين سنة أو يزيد رؤوس بعض رجالات الأمة العربية من المختصين وغيرهم ينادون بكسر قواعد اللغة العربية متمثلة في المنظومة الفريدة التي تسمى بالنحو، فهاجوا وماجوا بأصوات عالية (أن حرروا اللغة العربية). وكان من أوائل هذه الأصوات صوت الأستاذ إبراهيم مصطفى صاحب كتاب (إحياء النحو) والذي نادى من خلاله إلى إلغاء فكرة العامل النحوي، وقد رد عليه في هذا الوقت رجلان فاضلان هما الأستاذ عبدالمتعال الصعيدي، والشيخ عرفة الدسوقي، وردا ما جاء به الاستاذ إبراهيم مصطفى، وفكرة إحياء النحو بفرض القيم اللغوية الصحيحة التي قدمها علماؤنا الافذاذ فكرة سخيفة تقوم على الغيرة والحسد لهؤلاء العظام، وتمثل عجز صاحب الفكرة على أن يستطيع أن يقدم شيئا جديداً، وإن كان قد سبقه في ذلك ابن مضاء النحوي، فإن المعالجة والهدف مختلفان.
وسمعنا أيضاً بصوت سلامة موسى وبدعوته الحاقدة على اللغة عندما نادى بترك العلامات الإعرابية في أواخر الكلمات زاعماً بأن ذلك منهج جديد يخرج باللغة من ثوب التعقيد والصعوبة إلى ثوب التبسيط والسهولة.
وسمعنا أيضاً بدعوة القِزم لويس عوض والذي حارب اللغة العربية بكل وسيلة كان يمتلكها في الوقت فدعى إلى تحطيم عمود الشعر أي ترك الوزن وأصدر ديواناً سماه، (بلوتولاند) صدره بكلمة تدل على ذوقه الفاسد، وإحساسه السقيم بموسيقى الشعر العربي وما يزيده الوزن الشعري للكلمة من معانٍ، وقد صدق الأستاذ الدكتور عبداللطيف عبدالحليم (أبو همام) عندما قال: إن الوزن يفكر مع الشاعر، وأن الشاعر الذي يدعي الموهبة هو الذي يحاول الهرب من قيود الوزن إن صح أن يكون له قيود ولكن الشاعر الموهوب هو الذي يتابعه العروض سماحة ولم يك يوماً تابعاً لعروض.
ثم يذكر لويس عوض أن أفضل بيت شعر قرأه هو قول الشاعر:
ورمش عين الحبيب يفرش على فدان
ومن نظر في كلام هذا الرجل الذي أصيب بهوس وحقد من عظمة هذه اللغة وقرآنها يجد أن كلامه فوضوي لا يمثل إلا وجهة نظر سطحية مستمدة من الغرب.
وقد تكلف بالرد على هذين المنسلخين من العربية ونظامها العلامة المحقق الأستاذ محمود محمد شاكر (أبو فهر) في عدة كتابات له مثل كتاب المتنبي, وأباطيل وأسمار وغير ذلك مما هو ثابت في كتب الشيخ وفنّد تلك الدعاوى واوضح أنها مهاترات لا تستحق النظر أو الوقوف عندها.
وها نحن اليوم نواجه تجديد الحملة على النحو العربي ممثلة في الأستاذ شريف الشوباشي في كتابه الذي اصدره عن الهيئة العامة المصرية للكتاب والذي عنْونَ له بعنوان يعبر عن امتداد خيط التخريب بداية مما ذكرت وانتهاء بالاستاذ الشوباشي الذي سار في نفس الخط الذي سار فيه أسلافه من دعاة الفكر المفرنج ورواد الإصلاح المزيف.
أقول.. إن العنوان الذي اختاره الشوباشي هو (لتحيا اللغة العربية يسقط سيوبيه) وقد عبر في هذا الكتاب عن جملة من آرائه التي تعكس عدم معرفته بالمعايير الذوقية التي تستخدمها العربية عند مراعاة القواعد.
وقد ذكر الأستاذ الشوباشي في كتابه رفضه للجملة الفعلية، وأنها عنده جملة منبوذة. وأنا أقول له: اتق الله يا شوباشي وقف عند حدك ولا تتعدَّ على اللغة والقرآن والنحاة بهذه الفرية، وأسأل الله المغفرة والرحمة.. وذلك للآتي:
أولاً: لأن الجملة الفعلية هي أساس التعبير في اللغة العربية وإن كان عندك صبر وحسن تدبر وفهم فأنا أحيلك على مقال الاستاذ علي النجدي ناصف يحمل هذا العنوان (الجملة الفعلية هي أساس التعبير) وقم بقراءته لعل الله يفتح عليك بشيء تستطيع من خلاله أن تفهم مدلولات الجملة الفعلية وما تحمله من معانٍ لا يعبر عنها غيرها.
ثانياً: ولأن الجملة الفعلية هي أساس التعبير، فقد كان من شرفها أي الجملة الفعلية أن الله سبحانه وتعالى قد بدأ نزول قرآنه على نبيه صلى الله عليه وسلم بكلمة (اقرأ) وهي جملة فعلية وكذلك فإن آخر ما نزل من القرآن كان التعبير عنه بالجملة الفعلية.. الخ.
وقد ظهر الأستاذ الشوباشي أيضا تبرمه من بعض الأبواب النحوية وكأنه يومىء إلى حذفها فهو شديد الغضب من باب العدد، وباب التذكير والتأنيث، الإفراد والتثنية والجمع.. الخ.
فهو لا يوافق على قاعدة تأنيث العدد مع المذكر وتذكيره مع المؤنث وان ذلك شيء لا داعي له ويدعو إلى أن تكون العملية بالبركة دون ضابط أو قيد.
وفي باب التذكير والتأنيث ينادي بإسقاط العلامات التي تخص جماعة الإناث والتي تدل على أن الفاعل أو المسند إليه مؤنثاً لأنه لا يرى فرقا بين الرجال والإناث.
وأنا اقول له: يا أستاذ شوباشي إن هذه اللغة نظام كما أن لكل شيء نظاماً إذا خرج عليه أصبح فوضوياً واللغة وقواعدها مثل القطار والقضيب إذا خرج القطار عن القضيب فماذا تنتظر من خير. ثم أنا أدعوك الآن لأن تضع نظاماً جديداً للنحو العربي طالما أن سيبويه من وجهة نظرك قد فشل في ذلك، فلعلك تستطيع أن تأتي بما لم يأت به الأوائل.
وقد رد على الأستاذ الشوباشي فارسان في قطرين مختلفين في يوم واحد، حرك كلاً منهما شعورٌ بحب اللغة والانتماء له.
أما أحدهما فهو الدكتور جمال الدين عبدالمجيد في مقال بعنوان: (يحيا سيبويه.. وتحيا اللغة العربية) وهو مقال رائع أجاد فيه وأبدع وأنصف ورد الصاع له صاعين في جريدة الأسبوع المصرية يوم الاثنين 30 جمادى الآخرة 1425هـ.
وفي المملكة العربية السعودية في جريدة الجزيرة وفي نفس اليوم كتب الشاب اليقظ تركي إبراهيم الماضي مقالاً بعنوان (تحيا اللغة العربية) ساخراً من الشوباشي وأمثاله.
فتحية إلى محمود شاكر، وتحية إلى الدكتور أحمد جمال الدين، وتحية إلى تركي الماضي، وتحية إلى النحو العربي الخالد.
{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}


* دكتوراه في دار العلوم جامعة القاهرة
Abeed1974@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved