الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 6th September,2004 العدد : 75

الأثنين 21 ,رجب 1425

سطور
معرض فرانكفورت الدولي للكتاب
فوزية محمد الجلال
فاجأ (معرض فرانكفورت الدولي للكتاب)، في نهاية فعاليات دورته الخامسة والخمسين لعام 2003م العالم العربي باختياره (ضيف شرف) على دورته القادمة في أكتوبر من هذا العام.
مكمن المفاجأة التي أدهشتنا تماما يتمثل في هذا الاختيار للعالم العربي على الرغم من الأصداء السيئة عالميا التي جرت لنا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وما نالنا من الظلم والتشويه والمصادرة والتهميش في تلك الدائرة الرهيبة التي أحكم الغرب حلقاتها حولنا بدعاوى شتى، وسخر آلياته الإعلامية الجبارة لمزيد من العبث بالحقائق والتاريخ. بيد أن الاختيار ربما جاء اختيارا عادلا متأخرا لحضارة سادت العالم وأثّرت فيه، وقدمت علومها وآدابها واكتشافاتها. وهي حقائق يعرفها الغرب أكثر منا، ويتناولها المستشرقون والمنصفون من مفكريه ومؤرخيه وكتابه، ويدركون ماكنا وماكانوا.
كذلك يأتي الاختيار ليمثل آصرة أولية للعلاقات الثقافية العربية الأوروبية تتصدرها ألمانيا التي كان لها دور استشراقي مهم في ترجمة وتحقيق فلذات التراث العربي، فضلا عن استلهام كبار مبدعيها لأجواء الحكايات العربية والتاريخ العربي في أعمال إبداعية فريدة كما نجد عند (جوته) مثلا في ديوانه الشرقي. ولهذا عندما تناقلت وسائل الإعلام (خبر) الاستضافة التاريخية، كان لنا بمثابة التحدي والفرصة التي لا تعوض لتقديم أنفسنا إلى شعوب العالم بشكل ثقافي إبداعي يقدم الضمير الجمالي والفكري المخايل لثقافتنا العربية الراهنة بعيدا عن الطابع الرسمي الذي لا ينقل للغرب في كثير من الأحيان صورتنا الثقافية الحقيقية..
وهذا السيد (فولكر نويكمان) رئيس معرض فرانكفورت للكتاب يقول في مناسبة تقديمه العالم العربي (ضيف شرف) في معرض فرانكفورت لهذا العام اعترافاً وتأكيداً: إن هذا اللقاء المباشر مع العالم العربي والإسلامي يتطلب إعادة النظر في القوالب النمطية المعتادة والآراء المسبقة حول العالم العربي والإسلامي، كما يدعو إلى اكتشاف الثروة الأدبية الهائلة لهذا العالم، إن الدافع القوي لضيف الشرف هو تحقيقه المناخ الملائم لعقد حوار ثقافي وسياسي بناء وتنشيط التبادل الأدبي والثقافي... وعن حملات التشويه التي طالت هذا العالم يقول فولكر نويكمان: قليلة هي أقاليم العالم التي يتمثل فيها بوضوح القصد الثقافي السياسي من وراء برنامج ضيف الشرف كما يتمثل في العالم العربي، فنحن في كل مكان من ألمانيا وأوروبا نعرف القليل جداً عن هذه المنطقة رغم قربها الجغرافي منا، وغالباً ما يظهر لنا ما نظن أننا نعرفه، مشوهاً ومحرفاً... إن فكرة تقديم دولة أو مجموعة من الدول تجمعها سمات ثقافية وتاريخية مشتركة ك(ضيف شرف) هي تقليد من تقاليد معرض فرانكفورت، بدأ في عام 1976 ب (أمريكا اللاتينية) مروراً بالقارة الإفريقية، وعدد من الدول الآسيوية والأوروبية، كانت آخرها روسيا كضيف شرف للمعرض في أكتوبر 2003
ويتمتع ضيف الشرف بجناح يخصص له داخل معرض فرانكفورت، كما يغطي معارض وأنشطة ضيف الشرف إعلام دولي مكثف.
وقد قررت إدارة معرض فرانكفورت تخصيص أهم أجنحة المعرض للعالم العربي الذي يضم اثنتين وعشرين دولة لعرض (10,000) عنوان أصدرتها أكثر من (150) دار نشر رسمية وغير رسمية.
كما يتيح معرض فرانكفورت لضيف الشرف المساحات اللازمة لإقامة المعارض التراثية والحديثة والمعاصرة التي تعرض إبداعات العرب والمسلمين في الأزمنة القديمة، والتي أثرت الحضارة الإنسانية في مجالات العلوم والفنون والآداب، وكذلك الإنتاج الثري والمتنوع في الأزمنة الحديثة والمعاصرة في مجالات الفكر والثقافة والعلوم والفن والآداب والفنون التشكيلية والمرئية والتعبيرية، وكذلك الإنجازات العربية المعاصرة في علوم الاتصالات الحديثة وتكنولوجيا المعلومات.*
واستجابة لهذا الاختيار الذي أعلنته أروقة أكبر احتفالية ثقافية في العالم، تشكلت عدة لجان
وعقدت عشرات اللقاءات والاجتماعات برئاسة جامعة الدول العربية، وبمشاركة وزراء الثقافة العرب والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، واتحاد الناشرين العرب، وبالتنسيق مع جهات ثقافية عربية وألمانية مختلفة من أجل وضع أهداف وصيغ وآليات المشاركة العربية، إلى جانب دفع وتعزيز وتنفيذ برامجها.
وقد استهلك الجانب المالي وقت اللجان ومسئوليها، فجناح العرب في فرانكفورت بلغت تكلفته الإجمالية أربعة ملايين يورو، تم توزيعها حصصاً على الدول العربية، وقد بدا مشوار اللجان في حصد هذا الدعم المالي، مشواراً وعراً إذ لم يستجب البعض بما يناسب الحدث وأهميته.
وكانت أولى الدول التي تحسب لها سرعة المبادرة في تسديد حصتها هي (المملكة العربية السعودية) بمبلغ (420.000) دولار كما أشاد بذلك الأستاذ محمد غنيم المدير التنفيذي للمشاركة العربية. في أكتوبر القادم يدخل العرب فرانكفورت تحت شعار (حوار الحضارات)، بديلاً حضارياً عربياً عن (صراع الحضارات) حيث تُسلِّط المشاركة العربية الأضواء على الإسهامات العربية في هذا الحوار قديماً وحديثاً من خلال إبراز تنوع الثقافة العربية والإسلامية وانفتاحها وسماحتها وإظهار قدرتها على التحاور مع الحضارات الأخرى.
كما تركز المشاركة العربية على الحركة الإبداعية الراهنة للعرب في مختلف مجالات العلوم والمعارف والفنون.
ولكن ماذا عن دور الأدب العربي المترجم في معرض فرانكفورت؟ للأسف تنزوي الترجمات للأدب والفكر والثقافة العربية في ركن ضيق من الترجمات العالمية للآداب الأخرى، فالأرقام تتحدث في ألمانيا وحدها عن (125000) عنوان تشمل الروايات والمجموعات القصصية والشعرية 40% منها أعمال مترجمة لا تضم سوى (500) عنوان عربي، لم يترجم منها سوى أقل من النصف!! والمشكلة ذاتها أكثر وضوحاً في بريطانيا وفرنسا، لذلك فقد كان مهماً أن تتبنى لجنة المشاركة العربية في فرانكفورت جهوداً مكثفة للترجمة. وحول ذلك عبر (إبراهيم المعلم) رئيس اتحاد الناشرين العرب عن أسفه لاستمرار الدور الهامشي للأدب والثقافة العربية في سوق الكتاب الأوروبي قائلاً: إنه غالباً ما تعطى أولوية الترجمة لأعمال عربية تغذي التحيز والتحامل القائم حالياً على العالم العربي، بهدف ترسيخ الصورة المشوهة عن هذا العالم في ذهن القارئ الأجنبي. يؤكد هذه النظرة (فولكر نويكمان) رئيس معرض فرانكفورت للكتاب قائلاً: إن لدى القراء والناشرين الأوروبيين أفكاراً مسبقة حول ما ينبغي للأدب القادم من العالم العربي أن يكون عليه، أي تأييد الصورة الغربية لهذه المنطقة، وهذا ما يفسر السبب الذي أوجد مجالاً أضيق بكثير للأعمال الأدبية الطموحة التي لا تطبق الصيغ العمومية الموجودة في الذهن الغربي عن العالم العربي.
في دورته السابقة لعام 2003 ضم معرض فرانكفورت (6600) ناشر من كل أنحاء العالم تمكنوا من عرض (336000) عنوان منها (74000) إصدار جديد و( 298000) زائر متخصص، و(12000) صحفي من ( 80 ) دولة..
فأين كنا من هذه التظاهرة الثقافية العالمية؟.. حضر الناشرون العرب على استحياء وعددهم لا يتجاوز أصابع اليدين، (ليبيعوا) كتباً فقط! وهو هدف قاصر لمن حظي بالمشاركة أو حضور فعاليات هذا المعرض، إنه مناسبة أممية لإبرام صفقات شراء وبيع حقوق الملكية الفكرية، والنشر المشترك، وغيره من آليات صناعة النشر!! واليوم ونحن نعد لدورته القادمة كضيوف شرف، هل نأمل أن يكون وجودنا وتمثيلنا حقيقياً ومؤثراً؟ ولأذهب أبعد من ذلك: هل يمثل هذا المعرض نقطة انطلاقة حقيقية وانعطافة تاريخية لتقديم الصورة المشرقة لثقافتنا العربية في عالم اليوم؟


*www.frankfurtbookarabguest.net
fjallal@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved