الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 6th October,2003 العدد : 31

الأثنين 10 ,شعبان 1424

دورية «نوافذ» تسلط الضوء على «قلق القراءة» في «الأدب العالمي»
القراءة لذة قاتلة يلازمها السأم والضجر

* الثقافية علي سعد القحطاني:
لقد جرى الحديث لفترة طويلة في النقد الأدبي عن لذة القراءة كشكل من أشكال علاقة القارئ بالنص هذا ما نطق به المترجم لحسن بوتكلاي عندما قام بترجمة مقال «قلق القراءة» لانطوان كومبانيون في العدد الأخير من دورية «نوافذ» التي تعنى بترجمة الأدب العالمي وتصدر عن نادي جدة الأدبي ويرأس تحريرها الدكتور عبدالعزيز السبيل. وقال: إن انطوان كومبيانون «أستاذ الأدب الفرنسي في جامعة السربون بباريس» ينتقد هذا الفهم المتسرع وهذا التوظيف غير المأمون العواقب، مستعينا برصد علاقات كتاب وشخصيات بالقراءة لينتهي بعد التحليل إلى ان لهذه الأخيرة لذة، لكنها لذة متعبة ومنهكة، وميز بناء على ذلك بين نوعين من الكتب:
كتب تقرأ بسهولة، فلذتها اذاً عابرة ولا تستحق عناء القراءة أصلاً.
وكتب تتعب القارئ وتتطلب منه جهداً، وفضلاً عن ذلك تغير اسسه وأذواقه ورؤاه.
ولعل انطوان كومبانيون كما يقول المترجم يمتح هنا من ثنائية رولان بارت الشهيرة: اللذة/ المتعة.
فنص اللذة هو «ذلك الذي يرضي، يفعم، يعطي المرح، ذلك الذي يأتي من الثقافة ولا يقطع معها، انه مرتبط بممارسة مريحة للقراءة» ونص المتعة هو ذلك الذي يضع في حالة ضياع، ذلك الذي يتعب «ربما إلى حد نوع من السأم»، مزعزعاً الأسس التاريخية، الثقافية النفسية للقارئ، صلابة أذواقه، قيمه وذكرياته، ومؤزماً علاقته باللغة.
يزكي المترجم لحسن بوتكلاي هذا المقال ويقول: إن المتعة هي ما يسميه انطوان كومبانيون «قلق القراءة» والكتب التي تتعب هي ما اطلق عليه بارت «النص المكتوب» ورغم قصر واختزال هذا المقال، فإنه ثري بالمعاني والايحاءات، ويستلزم من القارئ معرفة موسوعية بالأدب الغربي بصفة عامة «الفرنسي والإيطالي» والإنتاج السردي بصفة خاصة.
ويدافع انطوان كومبانيون عن الكتاب ضد اغراءات الصورة وفتنتها ومد كل ما هو الكتروني حيث يقول: يفضل كثيرون اليوم التركيز على لذة القراءة، ويعد ذلك جزءاً من الأفكار المعاصرة المتداولة، فمثلاً للدفاع عن الكتاب ضد اغراءات الصورة وفتنتها ومد كل ما هو الكتروني يلجأ علماء التربية إلى التنويه باللذة كألف القراءة ويائها، كما تراهن عليها الأدبيات الرسمية حول اللغة الرسمية حول اللغة الفرنسية في السلكين الإعدادي والثانوي لانقاذ القراءة من التراجع أمام التلفزيون والسباحة الشراعية والمخدرات. فهناك لذة الاستغراق في عالم الرواية، ولذة ملامسة لغة الشعر ولذة رؤية الزمن يتقلص إلى لحظة خاطفة في الخيال، كما توجد لذة فهم الذات وباقي الوجود، لكنها ليست لذة غير مؤذية تماما، وإنما هي لذة تستلزم مقابلا، فلماذا وكيف يتم اخفاء ارتباط القراءة في عمقها، بالسأم والقلق إلى درجة اتساءل فيها احيانا ان لم يكن المكتئبون بمفردهم هم القراء الوحيدون والحقيقون. ويتحدث انطوان كومبانيون عن ملاحظة مونتيني ويقول: لاحظ مونتيني مثلا، هذا النموذج من القراء الذي يأوي إلى مكتبه كي يقرأ، يجد نفسه و«يستكين ويهدأ» كما قال: إلا انه بدل ان ينال قسطا من الراحة وهدوء الروح، تنتابه صحبة الكتب والأوهام والقلق و«الغرابة القاتلة» أي الكوابيس باختصار.
وان اخذ يكتب، فلأن القراءة تؤلمه وتنغص راحته، وبدلا من ان تهدئه تقلقه، وبدلاً من ان تمنحه اليقينيات والتوازن والارتخاء تزعزع النزر اليسير من اليقين الذي يمتلكه عن الحياة وعن الموت بالخصوص، ولم يستطع ان يبوح إلا بعد مواربة والتواء في كتابه «Des Livers» «لا ابحث في الكتب سوى ان تمنحني لذة من خلال تسلية مرضية».. ان مونتيني يتحدث عن لذة، إلا انها ليست سهلة المنال تماماً، وانما تدرك بعد مجاهدة وعناء وتقود إلى الكآبة.
ولاحظ كذلك مدام بوفاري التي كانت قراءاتها تخفف عن تبرمها من حياة الدير والريف، قبل ان تقودها إلى الانتحار، فكل ما كرهته، وما عشقته باعثهما الكتب. والحال ان القراءة خطيرة ف«حياتها المضطربة والمدمرة قد شكلتها الكتب» كما قال رولان بارت، لقد ماتت مدام بوفاري بسبب قراءاتها مثل باولو وفرنسيسكا اللذين تحابا تأثراً بلانسلو وكوينيفر أثناء قراءة روايات المائدة المستديرة« Table ronde la» واللذين خلدهما دانتي في جهنم Enfer. ويضيف بارت «جلنا ان لم نكن كلنا بوفاريون» أما ان القراءة لذة، لكنها لذة قاتلة.
ولاحظ مارسيل بروست ايضا الذي ربط في كتابه «أيام القراءة» وبصفة نهائية، القراءة بالأيام الطويلة المهمة من العطل المدرسية أثناء الطفولة.
صحيح ان بروست كان يصف القراءة بكونها لذة خارقة تبدو أمامها جميع أنشطة التسلية مثل عقبات: «هذه القراءات المنجزة في أوقات العطل، والتي كنا نخفيها في قراءات ساعات النهار الهادئة والمصونة بما يكفي لتوفير الجو المناسب لها». لكن ما يتحدث عنه فيما بعد هو مع ذلك تجربة مكدرة، لأن ما يتذكره هو «الأيام المتوارية» والرأي الشائع الذي أحاط بالقراءة وأطالها وضايقها اكثر من الكتب: «ربما لا توجد أيام من طفولتنا عشناها كاملة أكثر من تلك التي اعتقدنا اننا لم نحيها، أي تلك التي قضيناها في قراءة كتاب نفضله».
إن زمن القراءة في رأي بروست هو زمن الطفولة اللا محدود فمن منا لا يتذكر طفولته كزمن لا نهائي، خفي ودون طائل؟ إن القراءة لذة: لذة موتيني، لذة بوفاري، لذة بروست، إلا انها لذة يلازمها السأم والضجر، لذة تظهر كمذكرة فارغة ما سماه فلوبير ويتلوها كذلك القلق بمجرد الانتهاء من الكتاب.. ويختتم انطوان كومبانيون مقاله بقوله: هكذا فإن القراءة محاطة بالقلق: قبلها وبعدها وحولها وأثناءها، وما عدا ذلك فدعاية مغرضة تريد ان توهمنا خصوصاً التلاميذ بغية ارضائها بأن القراءة لذة خالصة تستهلك بسرعة كما لو انها سهلة المنال، والنتيجة انهم بعد كتب الطفولة ينفرون من الكتب التي تضنيهم وتجهدهم.
تذكر أول لذة حصلت عليها من القراءة، فأثناء هذه الواقعة الأولى شيء ما قد غيرك، ولم تعد كما انت قبلها مثل باولو وفرانسيسكا، طبعا يوجد نوعان من الكتب: كتب تخرج منها متغيرا للأبد وكتب أخرى عكس ذلك، والكتاب الذي يتركك كما انت ليس في الحقيقة كتابا جديرا بالقراءة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
المحررون
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved