الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 06th November,2006 العدد : 175

الأثنين 15 ,شوال 1427

وجوه وزوايا
المصيّف!
أحمد الدويحي

التحولات لا تتم بين عشية وضحاها، والأمم والشعوب النابهة تدرك معنى التدرج ومقدار حقها في الحياة، وأتذكر هذا السؤال الكبير بعد أكثر من أربعين عاماً..؟
وتستطيع أن تقرأ ما تريد في وجوه الناس، وتقرأ همومهم دفعة واحدة، الكل يسابق الزمن يريد الإصلاح ويستشعر مكامن الخطر، نستطيع أن نقرأ ذلك على سبيل المثال في ردود أفعالهم، وانتبهوا جيداً لردود الأفعال الأخيرة، حول طرح المشاهد التمثيلية الفكاهية اليومية، إذا مست تلك الكائنات والظواهر الجامدة ضد الإصلاح والتغيير بالنقد، ويشير كعمل فني إلى مواقع الخلل والزلل، لينتهي دوره الفني فعلاً،ليبدأ عمل من بيده الإصلاح، أما ما يحدث الآن من ردة الفعل هذه العجيبة، حول جملة القضايا التي أشار إليها العمل الفني، وتناسى أولئك كل تلك القضايا، وتم التركيز على العمل الفني ذاته، وكأنه هو القضية لا مواضيعه ورسالته، ونسوا في البداية والنهاية، أنه مجرد عمل فني!، وحولوه إلى قضايا أخرى مفرغة في الوقت نفسه، كيف؟
دعوني أرى هذا المشهد من زاوية قراءة في بعض أوراق وكلمات عميد الثقافة المحلية، وقد اختارت شخصه الكريم وزارة الثقافة والإعلام، ليكون رمزا في اليوم الوطني لفعاليات المثقفين، وإذ أطل على تاريخ هذا الرجل الثقافي والإنساني، وقد حمل على كاهله ما يفوق قرناً من الزمان، أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية، فأقف احتراماً وتقديراً إلى أبعد الحدود، وأجد فيه صديقاً يمثل أطيافاً من الأصدقاء، ثقافة ونبلاً وحضوراً ووطنية، والمترجم كتبه بعدة لغات وجدت من يهتم بها خارج حدود وطنه.
غرقت في أساطيره، والأمثال العربية في قلب الجزيرة العربية، سنام نتاجه الأدبي، استمتعت بالسفر معه وكنا لوحدنا ذات ليلة، ففعلت بما سبقني به صديقه القديم (أبو شيماء)، فصارحته بما كنت أظنه رجلاً عنصرياً، فنظر في وجهي وضحك ساخراً، وصار مرة يناديني (أحمد أفندي) وبكنيتي الحقيقية إذا نسي.. وظل طاقة وذاكرة ثقافية هائلة، ورجلاً لا تعوزه سرعة البديهة والظرف حتى في هذا العمر، فمن المثقف الذي لا يعرف تاريخ عبد الكريم الجهيمان الثقافي والصحافي والتعليمي وعطاءه العطر، وأجلها دوره في حق المرأة في التعليم، وقد دفع ثمنه في حينه؟
لفت انتباهي في سوانح الحديث معه جملة عجيبة، وما يمكن ربطه بجملة التحولات التي تحدث في بلادنا، وما تعني به هذه السطور المتواضعة، ومعروف بعد ذلك مشاركته في الحياة التعليمية، والثقافية في أولى مراحل التكوين والتعليم في الدولة السعودية، وله معارك أدبية وبالذات مع الشاعر حسين سرحان، وخطأنا أننا لا نكتب ونسجل وندرس، ما يقول هؤلاء الرموز، إذ يقول عن فترة بعيدة:
كنت إذا مشيت في شوارع مكة في بداية مراحل التكوين، وسمعت غناء يصدر من أحد بيوتات مكة المكرمة، كنت أضع إصبعي في أذني، لئلا أسمع صوت الغناء؟
سألته بغرابة: ولماذا يا أبو سهيل؟
هالني رده بسرعة مذهلة قائلاً: كنت متشدداً ومتخلفاً!!
إلهي!، إذا كان عبد الكريم الجهيمان متخلفاً من هو المثقف، ويضحك وهو يسرد قصة زميله في تلك المرحلة التعليمية المبكرة من عمره، وما يشكله بعده عن أهله عليه من خوف، ولو كان في مكة المكرمة أم القرى، فوالد زميله أسير العادات والتقاليد تحمل مشاق السفر من نجد إلى مكة، ليبحث عن مصير ابنه الذي بعثه للعلم فتعلم أشياء جديدة، انتظر الوالد الملهوف إلى الصباح، وانتحى بابنه جانباً بعد ما فرغ من فطوره، وسأله بحرص شديد:
يقولون إنك تأكل الفول؟
وحينما أقر له ابنه بذلك، وأضاف أن فطوره هو أيضاً كان فولاً، بهت الوالد الملهوف على ابنه، وقال: الفول طيب.. بس أخاف من الأشياء التي تأتي ما بعد الفول!
يا الله هل نحن إلى هذا الحد، نخاف من كل جديد، ونخاف من النقد إلى حد صارت حياتنا مزدوجة؟ ولكيلا يحسب أحد أني متحامل، أورد وصف الأستاذ أحمد السباعي ناقداً مجتمع مكة، وكان يرى في ذلك الزمن البعيد مجتمعاً حضارياً بمختلف المقاييس عن غيره، ولكن الأستاذ السباعي يخلخل بنيته الاجتماعية والتعليمية بهذا الوصف قائلاً: (كان فينا المحظوظ بمركز أبيه أو غناه أو نفوذه الشخصي، وكان بيننا (الغلبان) لفقره أو يتمه أو ضعف شخصية أبيه، كنت أنا مع نفر من أندادي لا نبتعد كثيراً عن مجموعة (الغلبانين)، لأن أولياء أمورنا كانوا من أصحاب البأس الذين وهبوا لحوم أولادهم للفقيه..)!
وكان قد مضى عام كامل في بداية الثمانينينات الهجرية، دون أن أدرك معنى السؤال الذي يصفعني به مدرسي كل يوم، ينظر في وجهي فيعكس حالي التعس شفقة، تأتي في سؤاله الدائم الملح: (وراك مصيف؟) ، ومضت سنوات كثيرة عشت ورأيت كثيراً من التحولات، وذات ليلة من هذا الشهر الكريم، فاجأني (أبو سهيل) من ركنه الذي نعرفه، بسؤال رابض في أعماقي من أربعين عاماً، نهض بقوة عندما بادرني سائلاً: (وراك مصيّف؟) تذكرت أن تمضي سنون طويلة دون أن نستوعب وندرك جملة الأسئلة المطروحة واقعياً على المشهد برمته، وحينها يكون قد فات الأوان.


Aldw17yahoo.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
مسرح
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved