الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 06th November,2006 العدد : 175

الأثنين 15 ,شوال 1427

موسم الهجرة إلى الدول المجاورة
قاسم حول*

مليون مهاجر من العراقيين إلى الأردن حسب المصادر الأهلية وستمائة ألف مهاجر عراقي حسب المصادر الرسمية في الأردن.
هؤلاء المهاجرون من التجار وأصحاب المصالح ومن الذين يخافون على حياتهم سواء كانوا محسوبين على النظام السابق في العراق أو من الذين يتلقون التهديدات المتنوعة من قبل ما يسمى بالمليشيات المتباينة الاتجاهات.
والهجرة الأصعب هي هجرة المثقفين العراقيين باتجاه سوريا وأوربا. كانت الأردن هي التي هجر إليها مثقفو العراق من الفنانين والأدباء بعد أن أصبح الفن عيبا والثقافة سمة غير مرغوب فيها في العراق الجديد.
كان المثقف العراقي يعاني من عسف الدكتاتورية وسلطتها المخيفة ويحسب الكاتب والصحفي والمسرحي والسينمائي حسابا لكل كلمة يقول وكل إيماءة يومئ بها على خشبة المسرح أو حركة كاميرا ربما لم ينتبه أنها أظهرت صورة القائد ضمن حوار فيه شتيمة مثلا خلال حركة الكاميرا فيعود إلى داره من غير رأس أو لا يعود.
اليوم أصبح الفن عارا والثقافة عيبا، فلا الفنان مرغوب فيه في العراق من قبل السلطات الشعبية لأن المسرح والسينما عيب وعار حتى قبل أن يرى ماذا يقدم المسرح وماذا تقدم السينما ولا الأديب مرغوب فيه لأنه يمثل الوعي، والوعي ظاهرة تؤدي إلى نهضة المجتمع وهناك قوى خارجية لا تريد للوطن أن ينهض ولا أن يتسم الوطن بروعة مثقفيه.
مطلوب أن تسود الجاهلية في المجتمع، الذين ركنوا للأمر الواقع أطلقوا لحاهم وركنوا للدار وأنزلوا صورة الشاعر وعلقوا صورة الإمام بدلا منها.
والذين يريدون أن يبدعوا ويرفضوا الخنوع والخوف هاجروا إلى أرض الله الواسعة.
وكثيرون وجدوا في سوريا مكانا يستطيعون من خلاله أن ينتجوا في الأقل أعمالهم التلفزيونية لحساب قنوات عراقية هي الأخرى مهاجرة وهنا تكمن قمة المأساة. عراق مهاجر يخاطب عراقا خائفا ومرعوبا عبر قنوات مهاجرة.
حرية التعبير خارج حدود الوطن لا قيود عليها وهي تخاطب العراقيين!
وحرية البث هي الأخرى خارج حدود العراق لا قيود عليها وهي تبث للعراقيين!
ولكن كيف يستقبل العراق البث وكيف يرى البرامج الحرة وهو وطن بدون كهرباء؟!
أتذكر هنا مقولة الكاتب الروماني كارجياله يقول فيها ما قيمة مسرحياتي إذا كان ثمانين بالمائة من الذين أكتب لهم لا يجيدون القراءة. ؟!
فما قيمة المسرحيات والمسلسلات والبرامج التي يقدمها الفنانون العراقيون إذا كان مائة في المائة من الذين تقدم لها البرامج التلفزيونية لا يستطيعون مشاهدة التلفزيون بسبب انقطاع الكهرباء أغلب ساعات اليوم؟!
الكهرباء موجودة فقط في ما يطلق عليه المنطقة الخضراء حيث تسكن الحكومة في المنطقة الخضراء التي تبلغ مساحتها ما يقرب من خمسة عشر كيلومترا مربعا، وهي المنطقة التي يسكنها رجال الدولة والحكومة هم وعائلاتهم وبعض من عائلاتهم موزعون بين بريطانيا وأمريكا.
ولكن هذه المنطقة الخضراء منطقة الحكومة لا تعنى بالثقافة والمثقفين لأن الدستور الذي أصدروه وصادق عليه البرلمان يخلو من كلمة ثقافة.
أنا الآن في عمان.. ولعمان المملكة الأردنية الهاشمية نكهة خاصة وحميمة لا أعرف سرها عندي، أهي العلاقة الملكية بين العائلة المالكة الهاشمية والعائلة المالكة العراقية أم هو عامل الجوار الجغرافي، جئت إلى عمان أبحث عن أصدقائي المثقفين الذين هاجروا فقيل لي أنهم واصلوا هجرتهم باتجاه سوريا فهناك حركة تلفزة درامية يبحثون عن فرصة فيها وأحيانا يصار إلى إنتاج المسلسلات التلفزيونية في الشام فيبحث المخرجون عن ممثلين عراقيين لقنوات فضائية عراقية مهاجرة.
سؤالي.. متى ينعم العراق بالاستقرار لتعود الطيور المهاجرة إلى عشها. تذكرت هذه الهجرة وأنا أشاهد المادة المصورة عن أهوار العراق التي إفتقدت فيها الطيور التي كانت تملآ سماء الأهوار فلم أر منها سوى بضعة طيور محلية فيما كانت الطيور تأتي من المناطق النائية وتستقر في أهوار العراق. لأن السيد الدكتاتور قد (حلا) له أن يجفف الأهوار لتصبح صحراء قاحلة تمر بها قوافل الجمال (وهذا ليس مجازا بل سوف يشاهده المشاهد عندي في الفيلم). . تمشي الجمال في أرض مساحتها قرابة عشرة آلاف متر مربع كانت قبل بضعة سنوات مياها ملاذا للطيور المهاجرة تستقر فيها موسما وتعود.
فهل يا ترى أن لمثقفي العراق مواسم للهجرة هي الأخرى وصار المثقفون يطيرون مشيا كل عام حيث في كل عام موسم وحدث جلل يصيب العراق ويهدد أول ما يهدد الثقافة والمثقفين فيرحلون قوافل نحو بلدان العالم؟!
متى يستطيع المثقف العراقي أن ينتج وأن يعرف أن نتاجه يقرأ ويرى؟
الشاعر يستطيع أن يكتب قصيدة وينشرها في صحف الأرض الواسعة ولكن كيف يستطيع الفنان أن يقدم نتاجا دراميا أو وثائقيا ويعبر فيه عن الواقع وهو بعير عن الواقع والواقع ليس موجودا في ناظور كاميرته؟
إذا كانت هجرة الناس البسطاء صعبة وعسيرة ومرة وقاسية قد تؤدي إلى أن يمد الإنسان يده للآخر متسولا، وإذا كانت هجرة التاجر هزيمة للإقتصاد الوطني، فإن هجرة الأدباء والفنانين هي الأقسى وأخشى أن يأتي يوم يكفر فيه المثقف بوطنه وهو أمر بقدر ما أشك فيه فهو قائم في دائرة الشك.
كل ما أتمناه من أصدقائي هو أن لا يدخل الكفر بالوطن في دائرة الشك الروائية والشعرية والسينمائية.
هذه الحالة، حالة الكفر بالوطن راودت بعض الكتاب اليونانيين الذين هربوا من جحيم الدكتاتورية مع أن تلك الهجرة لم تكن بقسوة هجرة العراقيين، ولكني أخاف منها أن تدخل في دائرة الشك في يوم ليس ببعيد!


* سينمائي عراقي مقيم في هولندا
sununu@wanadoo.nl

الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
مسرح
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved