الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 06th November,2006 العدد : 175

الأثنين 15 ,شوال 1427

لو سألتني عن العميد
عبدالله بن أحمد الشباط

شكا محرر القسم الأدبي بجريدة الجزيرة من أنّه اتصل بعدد من الأدباء الذين لهم علاقة بالأستاذ الأديب عثمان بن سيار، للمساهمة في تكريمه بالكتابة عن سيرته الذاتية، وأعماله الأدبية وقد وعد بالاستجابة لهذا الطلب .. إلاّ أنّ تلك الوعود ذهبت أدراج الرياح إذ لم يتحقق منها إلاّ النزر اليسير ومع ذلك تكّرمت (الثقافية) بإعداد ملف يعطي تصوُّراً عن هذا الأديب الذي أمضى جلُّ حياته حاملاً هموم الثقافة، ومحاولة أن تكون زاداً للمعلم والطالب.
وكان مما يزيدني شرفاً أن أكون أحد طلبة العلم على يديه وبعض زملائه من العلماء الأفاضل، حيث تعود بي الذاكرة إلى عام 1373هـ، حيث كنت طالباً بالقسم الثانوي بمعهد الأحساء العلمي، وكان الأستاذ عثمان مدرساً للأدب فكان مثال الخلق القويم وحسن التعامل مع طلابه، مع صفات قد تكون نادرة مثل سرعة البديهة وقوة الحافظة والتجاوب مع الطلبة، حيث تتحوّل الحصة التي يزورنا خلالها إلى ميدان للمناقشة والحوار لا في موضوع الدرس فقط، وإنّما في مواضيع شتى، وأذكر له عبارة قالها لأحد الطلبة عندما اشتكى لديه بأنّه يدرس (العروض) بشغف واستمرار ومع ذلك لم يصبح شاعراً فقال: إنّ العروض لا يعلم الشعر وإنّما يعلم الشاعر .. وكان أطال الله في عمره حريصاً على متابعة أنشطة طلابه، حيث كنت أكتب في بعض الأحيان مقالات إنشائية تتناسب مع مستواي الأدبي آنذاك ففوجئت في أحد الأيام بالأستاذ عثمان يبلغني بأنّه قرأ لي مقالاً منشوراً في جريدة البحرين التي تكفّل بإعادة إصدارها في البحرين الأستاذ سالم العبسي بعد توقّف دام حوالي عشر سنوات، وقد أثنى على موضوع المقال والأسلوب الذي كتبت به وهذا المديح أزجاه لي أمام الطلبة مما جعل قامتي تمتد شبراً إلى أعلى، وقد دامت العلاقة الأدبية بيني وبين أستاذي ابن سيار حتى أتممت الدراسة في الصف الثاني الثانوي بالمعهد ثم انقطعت عند الدراسة لملاحقة طموح بات يؤرقني وهو العمل في المجال الصحفي وقادني الطموح إلى إصدار مجلة الخليج العربي في عام 1376هـ، وقد توقَّفت بعد صدور ستة أعداد لقلة ذات اليد، ثم عاودت إصدار الخليج العربي جريدة أسبوعية بالتعاون مع الأستاذ الشاعر محمد أحمد فقي رحمه الله ، الذي كان يشغل إدارة المرور بالظهران، وقد استمرت تصدر أسبوعياً حتى نهاية عام 1380هـ وهو العام الذي ألغيت فيه الامتيازات الفردية والتعويض عنها بنظام المؤسسات، حيث وجدت نفسي في قارعة الطريق بعد أن فقدت كنزي المعنوي، والاجتماعي، وبعد مضي عام رشحت من قِبل سمو الأمير سعود بن جلوي أمير المنطقة الشرقية مساعداً لرئيس بلدية الخبر وبعد عامين رئيساً لبلديات المنطقة المحايدة إلى عام 1386هـ وبعدها اتجهت إلى الأعمال الحرة ولا أزال. وخلال هذه المسيرة فقدت الاتصال بأستاذي وانشغلت حتى عن السؤال حيث كانت طاحونة الحياة أثقل على كاهلي بشكل لا يعطيني فرصة التنفس بحرية، وعندما وقع في يدي ديوان (بين فجر وغسق) جرفتني الذكريات القديمة لتعيدني إلى بعض نبضاتها، فتذكّرت على الفور تلك القصيدة التي قالها الأستاذ عثمان أثر مشاركته لبعض أساتذة وطلاب المعهد للقيام برحلة إلى جبال الأربع عام 1375هـ عنوانها (في ظلال الأربع) قال في مطلعها:
بين كثبان الرمل والأربع
الق عصا التيار واستمتع
وامرح كما تهوى فإن الربى
تمرح في ظل الصبا الممرع
أغصانها مياسة تزدهى
وطيرها يشدو أصخ تسمع
وسرح الطرف فهذي الرؤى
من رائع الحسن إلى أروع
ومن هذه القصيدة:
هنا جلال الكون يتلو على
سمع اللبيب قدوة المبدع
سفر به الآيات مسطورة
في تسق يسلب لباً يعى
فالهضبة الشماء تحنو على
السهل بظل وأرف مشرع
وعندما قامت (الثقافية) كعادتها بالبحث عن صانعي الإبداع والمساهمين في قيام النهضة الأدبية لتكريمهم، ولمحت اسم الأستاذ ابن سيار في ذلك الملف الخاص، عادت بي الذاكرة إلى تلك المجموعة الشعرية المطبوعة عام 1410هـ بعنوان (بين فجر وغسق) وهي مجموعة امتدت قصائدها تاريخياً من عام 1375هـ إلى عام 1406هـ فيها أنماط متنوعة من المعالجات التي ناء بها عقل الشاعر من هموم عاطفية إلى هموم اجتماعية إلى هموم وطنية وهي الأغلب، هذه الهموم تجدها مجسّدة في قصائد هذه المجموعة، ولعل خير ما يفتح الشهية هو الغزل حيث قال في قصيدة عنوانها (أغرودة المطر):
عيناك قالت حديثاً ظلت أذكره
وسوف يحيى معي في النوم والسهر
وأنت لو تذكرين الأمس فاذكري
صبا من الشوق لم يبق ولم يذر
يوم التقاك الهوى مني مصادفة
حبين قد جمعتهم رحمة القدر
تذكري وأعيدي الأمس وامقة
وأسعفي الجدب يا أغرودة المطر
ومن الهموم الاجتماعية تلك الحالات التي تقصف بالبلاد حين تهاجمها أسراب الجراد التي تأكل الأخضر واليابس علاوة على ما كانت تعانيه من جدب وشطف العيش فقد صوّرها الشاعر في مقطوعة (هب الجراد) قال فيها:
هب الجراد
في ليلة قائمة السواد
الناس غرقي في السبات والحذر
والبرتقال ناعس الجفون
يهمس بالأريج للسكون
فماذا يا ترى فعل الجراد في هذه الأيكة التي يفوح منها الأريج العطر؟
هب الجراد عاصفاً كالرعد
يحطم القلاع والحصون
يفتت الأبواب والنوافذ المنيعة
يمزق الأستار عن مدينة خليعة
حراسها ناموا مخدرين
بالغد يحلمون باسمين
وطبعاً لا يخفى على مظنة اللبيب ذلك الرمز في هذه القصيدة الذي يعني أشياء كثيرة لا تقل خطراً عن الجراد. أمّا الهم الوطني فهو موزع بين الحيز كقصائده في جزيرته ومدينته وقصائد أخرى تغطي كامل خريط الوطن العربي خاصة فلسطين بمثل المنحى الأول في قصائد (بلادي تحت المجمعة هذي الجزيرة جزيرتي فيحاء المجمعة حنين في ظلال الأربع دابان نقبين ) أما المنحى الثاني فقد مثلته عدة قصائد منها تحت عنوان (الشهيد) قوله:
لسوف نسير في درب المعالي
كما نهوى ونرغم من عصانا
ونمنع أرضنا برا وبحراً
ونردى كل من يبغى سماناً
ومن قصيدة (قالوا فلسطين):
قالوا فلسطين في أحداقنا البصر
وذي فلسطين لا عين ولا أثر
لقد صدقتم فأنتم قادة نجب
ما مثلهم في العمى جن ولا بشر
وفي قصيدة (حدثينا) يسترجع الماضي العريق الملثى بالعزة والشموخ:
حدثينا كيف كان العرب
يزرعون المجد في الأرض الموات
كلما ألم جرح وثبوا
ولا يسيغون مع الذل الحياة
نشروا علماً وفنا كتبوا
ضمخوا (أندلسا) بالمكرمات
وكل قصائد هذا الديوان تبرهن على أنّ وراء تلك الابتسامة العذبة، والصوت الهادئ هموم تتلاطم تلاطم الأمواج، وهي المسؤولة عما أصاب شاعرنا، أقصد أستاذي، بتلك الأدواء التي أفرزتها تلك الهموم.
وفي الختام يسعدني أن أزجي جزيل الشكر والتقدير للمسؤولين عن الجزيرة (الثقافية) الذين تحمّلوا فتح هذا الملف الذي يعتبر بالنسبة لي وثيقة أعتز بها، وأشكر المحرر الذي أعاد للذاكرة بعض الومضات العذاب لطالب لا يزال يكنُّ لأستاذة كلَّ حب
وتقدير.

الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
مسرح
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved