الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 06th November,2006 العدد : 175

الأثنين 15 ,شوال 1427

بانوراما
سمير سرحان.. من أنادي.. ومن أنتظر؟!
عبد الله الجفري

* مع اقتراب العيد.. رفعت سماعة الهاتف، وبدون أن أدري طلبت ما تبقى لدي من أشياء الراحل الحبيب د. سمير سرحان: رقم هاتفه الجوال، وبدأت أسجل الأرقام الأولى لأهنئه بقرب حلول عيد الفطر (السعيد)، كما تعودت معه في كل مناسبة، ومع كل شوق يرف في حنيني إليه!.
لكنني ما لبثت أن أعدت سماعة الهاتف إلى مكانها وقد سقطت عليها دمعة، في تذكري أن هذا الراحل الغالي سافر وحده هذه المرة وتركنا لهذه الدنيا المزدحمة وفيها بكل قسوتها اليوم وجفافها!.
***
* آه (سمير).. يا من كنت توأم روح، وإضاءة عقل، وباقة حب، وعطر مرح وحياة..
ها هو المساء من حولي يتنفس رتيباً بليداً، مسترخ في لغة الكون.
فتحت سمعي على ضياع (صوتك) الذي أخذته الريح في أمسيات قديمة بعيداً ما بين الصمت الذي تركته وراءك، والحصار الذي ضربه الحزن على جوانحنا.. حتى بت هذا الملقي في اليم البارد، والبحر الأحمر على امتداده: ثرثرة موج مملة، والصمت ينطق فيسألني:
كيف تهون الأيام الأجمل؟!
لا أجمل من أيامنا التي عشناها معاً: نطق حياة، وميلاداً دائماً للابتسامة.. فحق لي أن أقول، وأردد، وأكرر:
ما عادت مصر بهية، ولا (وهيبة بتاعة البرتقال)؛ لأنك أنت (يا سمير) لم تعد تملأ وقتها حياة، وانتظاراتنا فيها أشواقاً!.
قلت: ولا أفتأ أكرر: إذا ذهبت إلى القاهرة ولم يكن (سمير سرحان) فيها، فإنني لا أجد القاهرة!!.
هكذا يبددني حصار الصمت اليوم: غريباً، وحيداً، يتيماً بدونك أيها الرفيق إلى الفرح.
وها هي أصداء تبقت من صوتك: تجري مع نظراتي الملتاعة، ترتمي بعدك في الفقد.. وشل البحر يغسلها، ثم يغمرها.. وهذا المدى صار يفرغنا من النجوى ويصادر البوح.
يتساءل ويجيب (سليم علوان): (ما جزاء الميت عندنا نحن معشر الأحياء إذا واراه التراب؟.. هل نفر من ذكراه كما نفر من الموت نفسه؟!..
الموت كارثة فظيعة.. ألم أكن أحدثها زوجته منذ ساعتين، ألم تكن كالوردة اليانعة.. فكيف أصدق أنها صارت هي وأول ميت منذ ملايين السنين سواء)؟!.
***
* كانت رسائله (المفكسة) تصلني من مسافة المكان البعيد إلى قرب الشفاف.. تجيئني رسائله في زمن العطش والجفاف، وفي تراكم الوحدة الوجدانية والنفسية.
كنت لا أتذوق طعم ونكهة الارتياح النفسي إلا عندما يضمنا مكان أمام النهر الخالد.. هناك كنت أرى رفيق العمر سمير، وأرى عنده بيتا آخر مختلفا يمنحني تذكرة لدخول مدن الفرح هرباً من (مدن الملح)، ويعطيني تصريحاً باستنبات طفولتي وشقاوتها!.
وفي إحدى (نهداته) تذكرني وهو يزور (مسقط).. فهزه الشوق إلى لقاء جديد أمام النيل، وقد كان بارعاً في تجميع الأصدقاء، وحبيباً في دعواته لهم.. مثلما كان (عاشقاً) لكل نجمة توصوص في ليل القاهرة وسمائها، وضحكات رفاقه تتعالى إليها وهو في قمة سعادته.
ومن مسقط... كتب لي في عام 1404هـ:
(أخي الحبيب أبو وجدي الجميل..
رغم الإحساس بمرور الزمن، فما زال القلب شاباً، والطريق في بدايته، بالرغم من زواج البنات والشارب الذي خط على وجوه الأبناء (!!) لكن طفلة الأمس أصبحت عروساً، ويتعاقب الليل والنهار!..
ما أجمل أن نزف (أطفالنا) إلى الغد المأمول!..
أصافح سطورك المفعمة شوقاً، المليئة صدقاً كل صباح في الجريدة، فأشعر بأننا يا عبدالله لم نفترق أبداً، وأن أواصر الحب الذي نسجناه أيام البراءة لا تنفصم)!!
***
* يا رفيق مشوار العمر الذي لن أنساه.. يا (سمير) كما كنت أناديك بعد منتصف الليل، و.. دكتور سمير ندائي عليك في النهار:
أسأل نفسي كأني أسألك: من بقي على وجه الدنيا وقد رحلت أنت؟!
من زعم امتلاك شهادة دنيا الأحياء.. وأين هم الأحياء؟!
طالما شاهدنا معاً الزحام في الوجوه، وفي النظرات، وفي التسابق ب(الأنا) لنجعلها على رأس الطابور.. فهل هذه هي الحياة؟!..
سترتاح.. ولن تشاهد كما الناس ومعهم الصخب في السيقان الراكضة والعارية، والسيقان في الألفاظ والكلمات... فهل هذه هي دنيا (الأحياء)؟!.
ضاعت إيقاعات المغنى، وموسيقى الروح، وأنغام القلب.. سرقتها (مافيا) تمارس عمل الجرسونات لتخدم سفح الدم، ودم الحب!.
الدنيا.. أمشاج تجرح، وتضحك بغير قدرة على الفرح.. (تتزرنخ)، تتلوى.. أجساد ترقص حتى تعدم عطاء الإحساس.. (تتزنهر) ما بين الثرثرة الليلية كتوابل هذا الشرق (الحراقة)!.
والدنيا.. مقهى، وزاوية للشكوى لا يسمعك أحد فيها.
والدنيا.. تحذير من حب السكر، وسقوط ما بين ثمالة فنجان وجنون ملعقة تدوخ مثل رؤوسنا!.
والدنيا.. ليل يتجشأ، ورماد نهار.. ليضيع (الحلم) في عمق فناجين القهوة!..
قهوة هذي الدنيا مُرّة.
لذتها.. أن (المُرَّ) علاج من سكر.. من شيء (حلو).
الدنيا.. نفق أنفاق، ونفاق.. الكل ينافق حتى يعبر كل الأنفاق!.
* يا أيها الراحل عن دنيا مرهقة.. الباقي في صدور يؤلمها النسيان..
أحدثك عن (الدنيا) والوقت: غروب.. في إحساس البعض.. يطلع فجر آخر من شفق هذا الغروب.. يصير الليل حياة، ونداء.. يشيع اللحن غناء في هذا الليل (الودّي)!.
ويسألني مثلك.. يحضر أشجاني بكل غيابه: (مَنْ تنادي.. ومن تنتظر)؟!.
ويتحول السؤال إلى حصان جامح لم يُروَّض بعد!!..
هل سمعتني: من أنادي.. ومن أنتظر؟!..
رحمك الله، وأسبغ عليك غفرانه وأمانه.


a_aljifri@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
تشكيل
مسرح
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved