الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 6th December,2004 العدد : 86

الأثنين 24 ,شوال 1425

وسائل إدراك القول
إن وسائل الإدراك في القرآن الكريم، كما حددها الدكتور محمد الشرقاوي وانفرد كما يبدو بتحليلها وتعريف ملكة كل منها منفردة وملكاتها المشتركة، هي النقاط الأساسية أو الأهداف المهمة لإيصال (القول) في ذات الإنسان المولود على الفطرة قبل أي اعتبار آخر، إذا ما اعتبرنا عالمية القرآن، بدليل قوله تعالى: {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} (52) سورة القلم، وهذه الوسائل أو الملكات كما يطلق عليها البعض هي العقل والقلب واللب والفؤاد، والتي يتكون منها جميعاً الحس أو الإحساس بتأثير القول بضروبه المختلفة (كالمعروف والميسور والكريم والطيب... إلخ) والتي تتكون من مضمون موجز لا إطناب فيه، وهو كأحد أساليب القرآن الكريم جاء بالصيغة الاسمية كما في قوله تعالى: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى} (263) سورة البقرة، وجاء بصيغة المصدر (المفعول المطلق) مسبوقاً بفعل الأمر (قل) كما في قوله سبحانه: {وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} (5) سورة النساء، أو (المضارع) المسبوق ب(أن) المصدرية، كما في قوله تعالى: {إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} (235) سورة البقرة، أو (المضارع) المسبوق ب(لام) الأمر، كما في قوله تعالى: {وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا} (9) سورة النساء، إلخ، كما سيأتي ذكره لاحقاً.
وإذا كان الدكتور الشرقاوي في بحثه واستقصائه قد حلل تلك الوسائل (الملكات) بطريقة شاملة، فإن بحثنا يقتصر هنا على توضيح دور هذه الوسائل في فهم مضمون القول وأثر هذا المضمون إعلامياً واجتماعياً في حياة الفرد والمجتمع، ثم محاولة معرفة ردود الفعل من خلال ذلك الأثر. وبذلك نكون قد حددنا البيئة القولية لهذا الأسلوب القرآني بشتى عناصرها التي تتكون من المتحدث أو المتكلم والمضمون والمستمع أو (المستقبِل) بكسر الباء ورد فعله، والتغذية الاسترجاعية في بعض الأنواع.
وإذا كانت ملكة الإحساس هي الملكة الأم التي تجمع الوسائل سالفة الذكر، فإن الدكتور الشرقاوي يفرد لها تعريفاً خاصاً تحت مفهوم (الإدراك الحسي)، ويشترط في ذلك استخدامها هذه الملكات استخداماً صحيحاً (1)، حيث إن المعطلين لهذه الحواس في (منزلة أدون من منزلة الحيوان) (2)، ويستشهد بقوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (179) سورة الأعراف،.
ولا يرى الدكتور الشرقاوي أن القرآن قد وضع حدوداً فاصلة بين الحواس وبين الوسائل الأخرى، فلقد اقترنت الحواس في آيات كثيرة بالعقل وبالوسائل الأخرى كالقلب والفؤاد) (3) والذي يظهر لنا أن المقصود هنا الحواس بصفة عامة بشتى أنواعها وإن لم يصرح الباحث بذلك، لكنه قرن من حيث لا يدري تأمله لهذه الحواس بكلام الله بصفة عامة وبقوله بصفة خاصة، فهو يستشهد بقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً} (26) سورة الأحقاف، والسمع والبصر كما رأينا هما وسيلتا تلقي الكلام والقول، وكذلك الفؤاد الذي اختص وحده بالرؤيا النبوية الشريفة في المعراج إلى السماء السابعة.
وإذا كان الدكتور الشرقاوي قد اعتمد على الدكتور محمد إقبال في الاستفادة من الطبيعة والتاريخ للبحث فيهما كمصدرين للمعرفة إلى جانب المعرفة القلبية، فإنه غفل عن الطب أو علم الأحياء في تقسيمه للحواس إلى خمسة أنواع هي (الذوق والشم واللمس والسمع والبصر) ولا شك أنه تعرض للحاستين الأخيرتين (السمع والبصر) وهما وسيلتا الاستقبال في بحثنا هذا، وبالإضافة إلى استشهاده بآية سورة الأعراف كما أسلفنا يمكن أيضاً الاستشهاد بقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (46) سورة الحج، ليكون ما نذهب إليه أكثر دقة حينما أطلقنا على (البصر) قناة استقبال و(القلب) إدراك. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ما استشهد به الدكتور الشرقاوي من آيات محسوسة على الحق (كالشمس) و(القمر) (1) و(امتداد الظل) (2) و(اختلاف الليل والنهار)(3) و(اختلاف الألسنة والألوان) (4) و(تداول الأيام بين الناس)(8) (9) ، فإنه لا بأس أيضاً من إضافة (الذوق) (10) و(الشمّ) (11) و(اللمس) (12)، لتتكامل منظومة الإدراك الحسي بالمحسوسات إلى جانب المعنويات.
ويقرر الدكتور الشرقاوي أن المعرفة (يجب أن تبدأ بالمحسوس، وأن قدرة العقل على تحصيل المحسوسات وسلطانه عليها هو الذي ييسر له الانتقال من المحسوس إلى غير المحسوس) (13)، كما يؤكد أن على الإنسان أن يولي ثقة للحواس لتكون منطلقة إلى التفكير والتدبر، ويضرب مثالاً على الذوق في ثمرات النخيل، وعلى البصر في الفلك والسحب.
كما أنه يمكن القول بأنه بالنسبة لموضوع بحثنا، إن ثمة قناة استقبال تتصل بشكل مباشر بوسائل الإدراك أو بالإدراك الحسي عند الإنسان، وهذه القناة هي (الجلد) الذي يقشعر من (أحسن الحديث) ويلين أيضاً مع القلب، وذلك كدليل قاطع على خشية الإنسان وخشوع قلبه. قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهٍِ}(23) سورة الزمر، و(أحسن الحديث) هو (أبلغه وأصدقه وأوفاه) (15)، أي القرآن الذي فيه كلام الله وقوله. وما توفيقي إلا بالله.
الحاشية
(1) د. محمد الشرقاوي، تأملات حول وسائل الإدراك في القرآن الكريم، طب1، دار عالم الكتب، الرياض، 1402هـ 1982م، (ص9).
(2) السابق، نفس الصفحة.
(3) السابق، ص 100
(4) فصلت/ 37
(5) الفرقان/45
(6) يونس/ 6
(7) الروم/ 25
(8) آل عمران/ 140
(9) د. محمد الشرقاوي، مرجع سابق، ص11
(10) الأعراف/ 22، النبأ/ 24، ص/57
(11) لم ترد لفظة (شم) في القرآن الكريم، وإنما جاء اللفظ محمولاً على الإحساس بالشم في سورة يوسف (94) والحمل من أساليب البلاغة، كما يذهب الدكتور عبدالفتاح أحمد الحمّوز في كتابه: التأويل النحوي في القرآن الكريم، ج 2، مكتبة الرشد، الرياض، 1404هـ 1984م.
(12) كما في: سورة الأنعام/ 7، والنساء/13، والمائدة/ 7
(13) د. الشرقاوي، السابق، ص 11
(14) الزمر/23
(15) محمد حسين مخلوف، تفسير كلمات القرآن، طب 4، دار الفجر الإسلامي، دمشق وبيروت: 1418هـ 1998م، ص 461
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved