الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 6th December,2004 العدد : 86

الأثنين 24 ,شوال 1425

الإبداع والتصنع
إبراهيم الناصر الحميدان
من المفروغ منه أن الانتاج الفكري انما ينبع من التراكم الثقافي الذي يحصل عليه المتابع للحركة الفكرية بما يجري في الساحة الثقافية ولهذا فإن القراءة كما نصحنا أساتذتنا ضرورية لتجديد العطاء وتنوعه، وهناك فرق كبير بين التصنع والإبداع في الإنتاج الفكري، فالشعراء في عطائهم ينقسمون إلى نوعين ما بين ناظم ومبدع، وكذلك السرديون، إما ان يخلقوا إبداعاً أو يسجلوا تاريخاً فكرياً، وقد ضرب أحد النقاد مثالا بما ينتجه روائي كبير حين قال:
(كتب الروائي السوري حنا مينا أكثر من ثلاثين رواية ومن تابع هذه الأعمال يكتشف انها جميعاً رواية واحدة بثلاثين جزءاً )
وأضاف: لأنها بدون استثناء حياة حنا مينا متنقلاً من مهنة إلى أخرى من حلاق في اللاذقية إلى بحار في سفينة، وعامل ميناء على المرفأ ثم تشرده من بلد إلى بلد لكونه كان شيوعياً بامتياز!
وأوضح ان مكمن الرواية الأخيرة المشاجرة المستمرة بين الزوج والزوجة فالزوجة خائفة على أسرتها في هذه الرحلة (الهجرة) خائفة من لصوص الليل وقاطعي الطريق والزوج الأب لا تهمه هذه القصص لا من قريب ولا من بعيد... إلخ فالسيرة الذاتية هنا تلبست جذور العمل حتى
امتصت جوانبه وسبيل توجهه، ولن أزعم بأن السيرة الذاتية مستلة من الحراك الحياتي لأنها تعمق الزخم اليومي وتفاعلاته الوجودية، ولو تنبهنا إلى أكثر التوجهات الفلسفية لاكتشفنا أنها ترصد الحراك الإنساني في إطاره اليومي من خلال التعالقات وإفرازات عطائها.
هناك أوجه أخرى للعطاء تنبثق من تيار الفكر الإبداعي، الذي يخترق الجمود اليومي، ويتنامى إلى آفاق عليا في تكريس المخاض المتفاعل وانتفاضة الحركة الوليدة فالأدب الحر الذي ينطلق في آفاق المعرفة الموسومة بالتمرد لا بد ان يحتك بتلك الأطر الرسمية التي تحاول إيقاف فاعليته واحتكاكه بالوعي المصيري، ومن هنا نلمس شرارات التصادم ما بين التقليد والمنعتق في نمو المعرفة المتحفزة للانطلاق.. هما تياران متضادان يعيشان في تناسق، يتباعد تارة في صخب ولا يستطيع الانكفاء بله الالتحام متحرراً من نرجسية الذات.
والحيرة التي تواجهها النخب العربية هي إلى أي مدى تستطيع ان تحد خطاها نحو تحقيق الإصلاحات التي تطرحها المرحلة الحضارية، وهل سوف تجد إذنا صاغية من انشطارات
القطاعات الرسمية التي من دأبها ان تقف في وجه أي تيار عصري عبر أجيال تتالت بل وعانت من إرهاق ذلك الصدام.
المشكلة الرئيسة التي تعانيها الثقافة العربية هي هذا الاختلاط المخزي الذي جعل لقمة العيش هي المحور الذي يستغرق التفكير العام على حساب البناء الفكري الذي يصنع الأجيال الحضارية، ولعل القنوات الفضائية العربية المتخمة بحشد المتشدقين بالسفسطة الهشة تكدس الخواء مما يجعل جريان الفكر الناضج مسؤولية كبيرة توضع على عاتق هذه الأطياف التي تتسامر بصوت مرتفع على حساب المشاهد المصدوم بالمحتوى الهابط المطروح للنقاش في وسائل الإعلام تلك.


ص ب 6324 الرياض 11442

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved