الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 6th December,2004 العدد : 86

الأثنين 24 ,شوال 1425

كل عام وأنتم بخير.. وخيركم استثنيت
أحمد بن علي آل مريع
الأعياد في حياة الأمم رمز من رموز الإقبال على الحياة، واحتفال بالتواصل، ولون من ألوان المشاركة الوجدانية الواسعة، لأنها تعميم لنبض الحب، وكيف لإنسان أن يعيش وليس للحب في حياته أي معنى إنه كالميت وإن تقلب بين الأحياء وعرج ودرج، وكم هي للأسف الشديد قصص القطيعة التي نطلع عليها بين الناس، مما لا يقوى اكسير الحياة (الحب) ولا السماحة في النفوس على تجاوزها، فيأتي العيد بارداً في نفوس الناس وتقاسيمهم كقالب الثلج في فصل الشتاء ولقد حضرت موقعاً لصديقين، تجمعهما آصرة القربى والرحم يتدابران يوم العيد على مرأى جمع كبير، إذ تفاجأ كل منهما بأخيه عند بوابة مصلى العيد، وهما منصرفان من مصلاهما وعبئاً حاولت الإصلاح بينهما لما أعرف من تفاهة أسباب الخلاف، لأجعلهما يتعانقان، ولكن اكتفى كل واحد منهما بالسلام عليَّ نابذاً أخاه وانصرف.
لكن إذا كان ذلك الجفاء من مشاهد القطيعة يوم العيد، فهل هناك وجه آخر تكون به القطيعة!! من المؤسف أن يكون للقطيعة وجه ظاهره إيجابي وحسن، تتحول فيه القطيعة إلى هجر لفظي أو جسدي مع كمال التواصل الروحي، والاعتراف القلبي بالفضل بين الشريكين، أذكر في هذا الصدد تلك القصة التي ترويها كتب الأدب، قال صاحب الأغاني: بلغني أن هرم بن سنان كان قد حلف ألا يمدحه زهير إلا أعطاه، ولا يسأله إلا أعطاه، ولا يسلم عليه إلا أعطاه عبداً أو وليدةً أو فرساً فاستحيا زهير مما كان يقبل منه، فكان إذا رآه في ملأ قال: عموا صباحاً غير هرم، وخيركم استثنيت.
كان زهير بن أبي سلمى الشاعر الجاهلي المعروف يكثر من مدح هرم لموقفه النبيل الذي به حقن الدماء وقطع أسباب حرب ضروس حين احتمل مع صاحبه الحارث بن عوف أوزار الحرب وديات القتلى من الطرفين، وكان هرم يحسن إلى شاعرنا، ويصله المرة تلو المرة، وكان زهير يمدحه ولكنه لم يكن يمدحه إلا بما فيه، لأن شاعرنا لم يكن من المتكسبين، ولما بالغ هرم في عطائه، وآلى على نفسه أن يعطيه كلما حياه كره الشاعر أن يرزأه المزيد، وتحرَّج أن يجر إلى نفسه مالاً، مع الحاجة إليه، على شيء يعتقد أنه من واجبه تجاه نيل الرجل وتضحيته في سبيل قومه بالكثير، فكان يمر على الناس ويحييهم، ويستثني منهم صاحبه لا عن قلي له بل عن مودة وإكبار غير متصنع، ومعرفة حقيقية بماله من حرمة وحشمة.. (وخيركم الذي استثنيت..)
فكم منا في العيد من يقطع من له عليه حق، لا عن جفاء أو عقوق، ولكن لظروف قاهرة تحول بينه وما يريد، أو لأسباب لا يستطيع أن يبديها، وكل جوارحه تنطق بالدعاء له بظهر الغيب.. كم منا من يعود إلى نفسه، أو يتصفح قائمة الهاتف وهذا أضعف الإيمان ليعيّد الجميع إلا واحداً أو اثنين، يستثنيهما، وكأنه يقول بلسان الحال أو المقال كل عام أنتم بخير إلا فلاناً وفلانا وخيركم الذي استثنيت؟! لا أعرف، ولكني أعترف بأني فعلتها مرات مع أساتذة نبلاء ومشايخ فضلاء متعهم الله بالصحة والسلامة، وجعل ما حباهم إياه من حسن الخلق وطيب النفس في ميزان أعمالهم يوم العرض على الله، وأورثه أعقابهم فإنه: ما نحل والدٌ ولدا خيراً من خلق حسن.


كاتب وأكاديمي سعودي كلية المعلمين أبها*

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved