الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 6th December,2004 العدد : 86

الأثنين 24 ,شوال 1425

فيما أكد رغبة العرب في التعرف على المجتمع السعودي .. عبده خال:
الناشر العربي يرحّب بنشر الرواية السعودية بسبب قوّتها الشرائية
* حوار / عبدالله السمطي:

ينسج الروائي عبده خال خيوط رؤياه بشكل دقيق، إنه يصدع ها هنا بالأمر الثقافي حين يطالب بتفعيل أنشطة وزارة الثقافة، وأن تقوم بحماية المثقف، وتصبح غطاء له، ولا تقف منه موقف
الخصم خال الذي صدرت روايته الجديدة (نباح) مؤخرا عن دار الجمل بألمانيا لا يدعي أنه يعرف هل قدم جديدا في هذه الرواية أم لا، ويترك ذلك للقارئ الحصيف الذي أدرك الجدة في:
(الموت يمر من هنا) و(مدن تأكل العشب) و(الطين).
عبده يتحدث عن المطبوعات
السعودية بالخارج، ويرى أن أثرها فعال في التعريف بالمجتمع السعودي ويدلل على ذلك بأعمال القصيبي أو تركي الحمد، ويتطرق لروايات زينب حفني وليلى الجهني، ويرى أن هناك تضخيما في نقاش الأدب النسائي السعودي الذي يكشف عن بعض الجوانب الشريرة بالمجتمع أحيانا، على
عكس ما يتم به تلقي الأعمال النسوية العربية الأخرى.
تحدث خال برؤية مكثفة إلا أنها تطوي داخلها أمورا جديرة بالانتباه، وهذا نص الحوار:
* نلمح صدور أعداد كبيرة للروايات السعودية عربيا، ما هو الأثر الذي تتركه عملية النشر هذه في الخارج؟
يبدو أن البدايات التي قامت بها دار الساقي ودار الجمل في نشر بعض الأعمال الروائية السعودية، وتلقيها لردود فعل من قبل المتلقين أو القارئين، ساهم في جعل دور أخرى تقدم على الطباعة والدخول إلى السوق السعودية. لنكن أكثر مصارحة حيث ينشر الدكتور غازي القصيبي الذي يمثل ثقلا قرائيا في السعودية أغلب أعماله في الخارج، كما أن السوق السعودية تمثل ثقلا بالمقارنة بالأسواق العربية ووجود القوة المادية التي تمكن الناس من شراء أي كتاب، وبالتالي الناشر يرغب في البيع.
لو لاحظت أن هذه الكتب التي يتم الإقبال عليها من القارئ السعودي تجد أنه المشتري رقم واحد بينما لو ذهبت إلى المواطن السوري أو المصري مثلا تجد أنه لا يستطيع شراء بعض الكتب لارتفاع ثمنها، ثمة أسباب متداخلة تجعل الناشر العربي يرحب بنشر الرواية السعودية.
السبب الأول: قد يكون القوة الشرائية، والآخر: رغبة العرب أو القراء الآخرين في التعرف على ملامح هذا المجتمع الذي ظل لسنوات طويلة مغلقا، وبالتالي الرواية هي الكاشف الذي يقدم له نموذجا، وإن كان مشهديا في منطقة معينة، لكن تعدد الروائيين يصنع مشهدا متكاملا للأوضاع الداخلية بالمملكة، بحيث يصبح أداة توصيل للتعرف على البلاد.
موقف آخر تظل المسألة أيضا أن الصورة ليس كما نتصورها
بالداخل أنه إقبال على الرواية السعودية بقدر ما هو إقبال من القارئ السعودي الذي يقتني هذه الروايات ويقوم بالشراء.
فالناشر يتضح له أن عبده خال باع عددا كبيرا، أو أن تركي الحمد أو غازي القصيبي باع عددا كبيرا، الذي قام بالشراء هو مواطن سعودي. ليس لدينا إحصائية واضحة هل الشراء تم من قبل مواطن مصري أو سوري أو عربي، أصدقاء عرب كثيرون صارحوني بأنهم لا يستطيعون شراء أعمالنا بسبب غلائها. فتصوري أن ردة الفعل تأتي من قبل الآخرين، تأتي عن طريق إهداء أو عن طريق الناشر نفسه.
لا أريد أن أخص حق الرواية السعودية فيما حققته فنيا، لكن لا أريد أن نتوهم أن المبيعات هي دليل على أن الآخرين يستهلكوننا بقدر ما أن الذي يستهلكنا هو قارئ الداخل، الذي يقتني أعمالنا على أنها أعمال ممنوعة فيتم مضاعفة أسعار الشراء.
* فيما يتعلق بالروايات النسائية كما لدى زينب حفني وليلى الجهني وغيرهما هل يتعمدن كتابة نوع من الرواية الجريئة التي تشمل بعض الأمور الخارجة؟ هل يتم كتابتها بهذه الصورة بشكل قصدي كنوع من الترويج باعتبارها روايات ممنوعة وتتم طباعتها في الخارج؟
ليست المسألة بهذه الصورة،
أيضا معظم روائيينا ممنوعون في الداخل، وهذه إشكالية كان على مثقفينا أن يناقشوها في ملتقاهم الأول، وهي تحول وزارة الثقافة والإعلام إلى مسهل ومعرقل في الوقت نفسه، ليلى الجهني وزينب حفني هما نموذجان، لا أتصور أنهما تعمدا كتابة رواياتهما بهذا الشكل من أجل أن تمنع. لكن لفترة طويلة ظل الصوت النسائي يقدم الملمح الجمالي الساكن، غير المتوحش وبالتالي يتم قبوله كمنتج نسائي. عندما أرادت المرأة أن تتكلم وتعبر عن داخلها الحقيقي جاءت الرواية بهذه الصورة المرأة لدينا للأسف الشديد، التربية أو الثقافة تقدمها على أنها مستودع رغبات،
هذا المستودع آن له أن يفتح أبوابه ويكشف ذكورية الرجل وممارساته، والمسألة تحدث في كل مناطق العالم، أن المرأة تتم محاولة جذبها إلى منطقة الجسد، في جميع أنحاء العالم. لماذا تتضخم عندنا؟ لأنه ادعى لفترات طويلة إننا مجتمع مثالي بينما كانت المشاكل أسفل السطح، وعندما جاء الفرد ليعبر عن هذه المياه التي تسيل أسفل السطح اكتشفنا فجأة أنه لا.
المجتمع المثالي لا يحدث في هذا، بينما يحدث في جميع المجتمعات، وعندما يحدث التعبير الفني عنها لا ينبغي أن يؤخذ بهذا التصحيح أيضا، ولو قرأت لميرال الطحاوي، أو أنيسة عبود، أو هاديا سعيد، أو سلوى بكر، أو فوزية رشيد كلهن يعبرن عن هذا الجانب، لكن لماذا يتم تضخيمه بالنسبة للروائية السعودية؟ لأن البعض يفترض أننا مجتمع ملائكي، وبالتالي عندما يظهر الجانب الشرير أو تعدد الأنماط السلوكية نرفض ونقول:
لا، ليس مجتمعنا بهذه الصورة.
هناك روائيات سعوديات لا يجدن الكتابة، أنت ذكرت نموذجين يعترف بهما من قبل الأوساط الأدبية بأنهن يجدن الكتابة، لكن المسألة في درجات التلقي، لكن عندما يتحول الجنس عند روائية ضعيفة الموهبة لتقديمها بصورة روائية هنا نقف جميعا متحفظين على هذا العمل ليس في جانبه المضموني، بل في جانبه الفني.
* قدمت في رواية (الطين) نوعا من التداخل بين ما يسمى بذاكرة المدينة وذاكرة القرية، فضلا عن الحديث عن مضامين سيكولوجية واجتماعية، ما الجديد الذي تقدمه في (نباح)؟
لا تستطيع ككاتب أن تدعي
أنك تقدم شيئا جديدا في عملك الروائي، أنت تنتظر رأي الآخرين ليتحدثوا عن هذا العمل كيف تلقوه. لكنك في كل كتاباتك تسعي الى الانتقال من نقطة إلى أخرى هذه النقطة ربما تكون زاوية التقاطك للحدث، أو بها زاوية معتمة، وتريد أن تنير هذه الزاوية بمجموعة فلاشات، ربما لا تستخدم هذه الفنيات في مكان آخر.
في (الطين) لم يكن هاجسي حكائيا، لكن الهاجس الوجودي الفكري الفلسفي، وبالتالي تم إدخال مجموعة كبيرة ممن لهم علاقة بالجانب المعرفي، في (نباح) أنت أردت أن تقدم شريحة اجتماعية، جادلت بين الإنساني والسياسي لتظهر جزئية من سقوط الإنسان أمام دمار الحرب.
صحيح أننا لم نمر بحرب حقيقية في حرب الخليج الثانية، لكننا كنا نستقبل روائح الحرب، وكانت رائحة الحرب تحدث كل هذا الدمار، لكن ما البال لو حدثت الحرب؟ هي محاولة للوقوف على هشاشة مجتمع يتلقى صدمات حديثة عليه، أن تتحول الحرب إلى سلوى في مجتمع راكد هناك شخصيات ترى في المعركة القادمة أنها تغير الساكن، وتحرك الراكد، كيف يمكن للشخصيات البسيطة المهمشة ان تتحول إلى غطاء لعجلة تسير بسرعة مهولة ولا يعني كيف يهترئ هذا الجلد، هي تسير به ولكن لا يهمها أن يتقطع هذا الجلد.
صورة المثقف كيف ينظر إلى القرارات السياسية وأثرها، كان فضاؤها اليمن بين عدن وصنعاء وجدة، واجتماع مجموعة مثقفين ممثلون في:
صحفيين، في مؤتمر ديمقراطيات ناشئة، كيف يتلقون هذا العبث السياسي الذي يحدث في العالم العربي، بينما بطل الرواية يبحث عما أحدثته هذه العجلة في سيرها لتقطع أجزاء كبيرة جدا من حياته، ويعود يكتشف أن الساسة قادرون على تمزيق الإنسان دون أن يشعروا بهذا التمزيق في الأخيرة أنت تكتب وفق إرضائك لذاتك ليس وفق إرضاء الآخرين بما تكتب، تظل تجربة إن نظر إليها بعض الأصدقاء على أنها عمل مهم، أو نظر إليها البعض الآخر على أنها أقل مستوى من (الطين) أو (مدن تأكل العشب) على سبيل المثال.
أنا عندما التقطت هذه الصورة أردت أن آخذ هذا الجانب، على أن انتقل في كل عمل الانتقال إلى زاوية رؤية تختلف عما سبق.
* هل تأخرت الرواية عن رسم هذا الحدث حرب الخليج الثانية؟
داخليا لم يكتب عن حرب الخليج الثانية أو أثرها كثيرا، الرواية عندي بدأت من تهيئة الناس لاستقبال حرب كيميائية، وكيف
يمكن حفظ حياتهم بمجموعة لاصقة، تتحول إلى تجارة لدى البعض، وإظهار أن الكوارث العظيمة أيضا يقابلها سماسرة وانتهازيون كثر لاستغلالها، فالرواية تبدأ من لحظات القصف، وهي ما بين الماضي والحاضر لبطل القصة وحبيبة من جالية يمنية غادرت أراضي السعودية وكيف يبدأ في تتبعها للبحث عنها، لا تستطيع أن تقول:
إنني تقدمت أو تأخرت، هي اللحظات الحميمية لديك أنت ككاتب لأن تكتب، ترى أنك تشبعت بالحدث بما فيه الكفاية لتكتبه.
لا تستطيع أنت أن تقول إنك تريد أن تكتب عن التفجيرات الإرهابية التي حدثت بالبلد، الآن لدي شهوة كتابة عن (الجهيمان) وهذا من زمن طويل أريد أن أكتب عن هذا الحدث، لكن إلى الآن لم أجد الرغبة في الكتابة، وأنت تكتب ثمة محركات تحركك للكتابة هي الرغبة وتشبعك بالحدث.
(نباح) ظهرت في هذا الوقت
لأنني تشبعت، من وجهة نظري أنني امتلأت بشخوصي في هذه الرواية ولذلك كتبت، وأحداث (الجهيمان) تسبقها بكثير لكنني لم أستطع كتابتها حتى الآن.
* ما هي صورة المستقبل الثقافي الذي يمكن أن تقدمه وزارة الثقافة والإعلام؟
نحن أنشأنا وزارة ثقافة
بعد أن قام كثير من الدول المتقدمة بإلغاء وزارات الثقافة، هل يجوز لي القول: إننا نبدأ دائما من النقاط التي تنتهي لدى الآخرين. لنترك هذا السؤال ولنتحدث بشكل فيه نوع من التفاؤل، لنقل: إن هذه الوزارة جاءت تلبية لصراخ كثير من الأدباء، هذا الصراخ الذي يمتد إلى ثلاثين سنة مضت، ليحقق هذه الوزارة بعد ثلاثين سنة، وكان من المفترض أن نكون مواكبين لما يحدث في العالم، لا أشك أن هناك كثيرا من النوايا المخلصة لدى كثير من الأفراد الذين يعملون من أجل أن يتثقفوا ولدفع هذه الحركة للأمام. هذا الملتقى جمع مجموعة كبيرة جدا من الأدباء متعددي التوجهات. كان من الممكن أن يكون أكثر روعة لو سمح بتحويله إلى نوع من الحواريات عن المعضلات والخطوات التي تعيد تقدم المثقف، خاصة إذا علمنا أن الثقافة هي السلعة، والسلعة لا بد أن تروج
بشكل يليق بالجهة المتبنية لهذا الجانب.
* ألا تبدو حتى الآن الصورة بيضاء بالنسبة لوزارة الثقافة والإعلام وتحتاج لملئها بمكونات الثقافة الحقيقية المعاصرة؟
ما دمنا بهذه الصورة أتمنى أن تناقش الأشياء الأكثر أهمية وأولها الفصل بين ان تكون الوزارة الحامية لك والخصم في نفس الوقت، هذه نقطة جوهرية في وقوف الوزارة، عليها أن تتخلص من كونها خصما عليها أن تكون الحاضنة للمثقف، والحاضنة هنا ليست بمعنى الموجهة، لأن المثقف سوف يستعصي على التوجيه، لكن الحاضنة هي المسهلة لخطوات المثقف، وأن تضع أول نقطة بأن ترفع أيديها عن المثقف بحيث لا تكون وصية، أو تكون خصما له وأنا لا أتصور أن تستضيف الوزارة المثقفين، وهي في نفس الوقت تمنع كتبهم من الدخول إلى البلاد. لا أتصور أن وزارة تكون معنية بالمثقف وليس لديها (جمعية) لهذا المثقف، وأن تكون الوزارة هي المسؤولة تماما عن شؤون المثقف حين يتعرض للمساءلة، وأن تتحول إلى جهة تمثل غطاء للمثقف وليست هي التي تحقق معه، ولا نريد أن نتحول الى القضاء، اي أن ثمة إشكاليات رئيسة على الوزارة أن تتبناها لتسهيل الأمور الثقافية.
* ماذا عن التمثيل في فرانكفورت وما أثير حوله من لغط في الساحة الثقافية المحلية والعربية؟
لا تستطيع أن تكتب يوميا لماذا لم تستدع، لماذا لم أمثل، لم يترجم كتابي. هذه مسألة ليس للبلد علاقة بها، لو أردت معرض فرانكفورت على سبيل المثال، معظم من تم اختيارهم لم يتم اختيارهم من قبل المملكة العربية السعودية، تم ترشيح الأسماء من قبل ألمانيا ومن قبل جامعة الدول العربية، فالاختيار ليس للممثلين دور فيه، وليس للبلد دور في اختيار الشخص، بعض الأسماء تم ترشيحها من الخارج وليس من الداخل، ولست مدافعا عمن تم اختيارهم، لكن أتصور أن مهمة الكاتب الأساسية هي أن ينتج فنا، فيما بعد هذه مسألة متروكة للقارئ، أما لماذا لم يتم اختياري فسؤال تقوم به أنت كفرد أو كمجموعة. هذا اتهام لك أكثر من كونه محاولة إنصاف لأنك لو أنتجت شيئا يرضي الآخرين، وقدمت عملا حققت به منجزا فنيا معينا يجعلك مقبولا عند الآخرين. ولو تمت دعوة أفضل من على الأرض لوجدنا شخصا يسأل لماذا هؤلاء تحديدا؟
على الكاتب أن يعمل وليس عليه أن ينتظر ما بعد العمل، بعد العمل يحدده قبولك من الآخر أو رفضه لك.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved