الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 6th December,2004 العدد : 86

الأثنين 24 ,شوال 1425

تغريد البقشي لـ«الثقافية»:
الوجوه في أعمالي لا تطابق الواقع بل تلامس الجوهر

* الثقافية المحرر التشكيلي:
اتجهت الفنانة التشكيلية السعودية تغريد البقشي إلى استلهام الوجوه، فخرجت لنا بوجوه نراها أحياناً كثيرة مألوفة ومباشرة في التقائها بمشاعرنا وأحياناً نراها غير متوددة أو راغبة في أن نقترب منها وكأن هناك جفوة أو موقفاً أحدث فجوة من التباعد مع أن في ملامحها بساطة مشحونة بالعاطفة، قدمت الفنانة بهذه الوجوه عدداً من الأعمال تحاول بها كسر الركود أو الأسر الذي يكبل كثيراً من الفنانين تجاه الشجاعة في الانتقال من أسلوب إلى آخر فأكدت أنها لا تقبل إلا الحوار الدائم والنشط والمتغير نحو تحقيق الغاية وهو التعبير الصادق عبر خطوطها وألوانها الديناميكية
الحركة، فدفعت المشاهد لأن يلتفت إلى كل إشارة أو رمز تخطى حدود الرتابة، موجداً الكثير من علامات الدهشة وعلامات الاستفهام المحرضة للمتلقي ليكون أكثر قدرة على فهم أبعاد الإبداع مستحضراً كل حواسه مازجاً في لحظة تلقيه للشكل عبر اللوحة كل المتناقضات بين الهدوء وبين الحركة بين الشفافية وبين الغموض.
جعلت المشاهد يشعر بأن الوجوه عالم آخر وبوابات لا يستطيع فهمها إلا من يمتلك القدرة على الولوج في أعماق الإنسان ورغم ما يمكن أن نكون قد توصلنا إليه من تحقيق مسافة أكبر من الاقتراب إلى عالمها الإبداعي ومفهوم الوجوه لديها إلا أن الأمر قد يكون غير حقيقي مما يوجد فينا الرغبة لفهم أكثر ومعرفة أكبر فكان هذا الحوار.
* للوجوه معانٍ كثيرة ووضعها في أعمالك كرموز لم يأت مصادفة ما تعليقك؟
الذات البشرية كتلة من المشاعر والأحاسيس والطاقات الانفعالية التي دائماً هي تحتاج إلى تفريغ، فالبعض لا يستطيع التعبير عن هذه الانفعالات إلا عن طريق تعبير الوجوه التي ترى فيها آلام وهموم وأحزان العالم بأسره والبعض الآخر تراه يلبس الأقنعة الجميلة المزينة المزركشة التي بها يحاولون إخفاء السجية التي تظهر بها أنفسهم وبواطنهم وأعماقهم الخفية فتكون هي الوسيلة المباشرة التي يستخدمونها في التعامل مع الآخر.. لذا ترانا دائماً نرى هذه الوجوه ذات الأقنعة الغامضة التي تفرض مساحة من الجدلية في مصداقية انطباعها وقد تعاملت معها بتعريضها لعوامل التعرية والكشف لأبحث عن مدى كثافة الضوء الداخلي لها ومدى الاستجابة لعالم اللحظة أثناء سرد المشهد الفني..
* هل هناك استحضار مسبق عبر زمن أو موقف لتلك الوجوه؟
تأتيك تلك الوجوه من زمن الوجود الذي يحيط بنا نمضي ونسير معه بمتضادات شعورية نتصارع معه تارة ونتوافق معه ومع أحداثه تارة أخرى فمهما تواترت حقبه وتزامنت أحداثه فسيظل الإنسان هو البطل الذي تدور الأحداث من حوله ليحولها إلى صراعات دامية أو إلى قصص رومانسية درامية أساسها النزعات والرغبات والغرائز الإنسانية.. وهذه المواقف والأحداث التي تمس خلجات الإنسان تراها تؤثر فيه بصفة مباشرة بخوضها المجالات الحياتية المختلفة فتخاطب جميع شعوب الأرض لأنها تتضمن أموراً وقضايا يشترك فيها الجنس البشري برمته من مشاهد درامية
مأساوية هي أحياناً تكون أقرب إلى الخيال تتكرر في كل يوم في الأحداث الجارية وبهذا تصطبغ وتتضمن تلك الوجوه جميع المعطيات التي يكون الزمان والمكان والحدث هما المؤثر المباشر لعملية الخلق والإبداع والابتكار لهم.
* تساؤل أكثر تحديداً.. هل تستلهمين الوجوه من محيطك اليومي وبدون الذاكرة وعن طريق الاحتكاك بمواقف وأشخاص؟
أستلهمها من هاجس المخيلة الذي يلخص الأنا بالتعامل معهم ينكشف المكنون الداخلي.. فالأعمال هنا تكون حقيقة ولكن ليس بمطابقتها للواقع الخارجي بل لجوهر الروح والمجتمع المحيط بي له تأثير كبير على شخصي.. فتراني هادئة أحب السكون وحيدة في فكري حتى عندما أكون بين حشد كبير من الأفراد.. لكن في أعماقي بركان من المشاعر التي تسربت فالتهبت لتشتعل وتكون هاجساً يؤرقني بأفكار وقيم ومفاهيم وطموحات وأحلام وآمال وخطط لا أرنوا أبداً حتى أبدأ بتحويلها إلى واقع على تضاريس اللوحة بالتالي ينعكس تأثيرها على الناتج الإبداعي في العمل الفني.
* رسم الوجوه أمر ليس سهلاً ألا يدفعك للحذر من أن تكون إيحاء لوجوه معروفة وكيف تتجاوزين هذا المنعطف؟
عندما أرسمها فأنا أبتعد عن الواقعية وأنهج الأسلوب الذي يصبغ بالتجريد والرمزية وصيغ المبالغة في نسب الوجه التي تبصرها في طول الأنف والوجه والرقبة وكل هذه المبالغات لها دلالتها على السمو والرفعة والأنفة وتحقيق الأهداف المعلقة بالنجوم واختراق حواجز الفشل لذا لا أعتقد أن هنالك إيحاءات ومطابقة لوجوه معروفة على وجه هذه الأرض.
* الوجوه بوابات للوجدان يمكن لنا
بها معرفة موقف الآخرين منا هل تحمل الوجوه في أعمالك تعبيراً عن حالات معينة أو هي تجربة عابرة؟
إن الأمر أعمق من ذلك بكثير.. فماهية الحياة علمتني لغة الوجوه وأسرارها فتراني منذ النظرة الأولى أدخل في أعماق الذات أستكشف بواطنها ومشاعرها بمتضادات أزلية لكن هذا الأمر دائماً يشعرني بنوع من الخوف وعدم الاستقرار والحذر من التعامل مع الذات البشرية وفي كثير من الأحيان تراني أختار الابتعاد والولوج إلى عالم من الحلم والخيال أنقل وأرسم وأشكل فيه كل هذه الاختزالات الكائنة التي أثرت علي إلى فضاء اللوحة.. والغريب في الأمر أنني عندما أنظر إليها أشعر أن هناك علاقة قائمة بيننا وحواراً صامتاً لكنه يكاد يسمع العالم بأسرة ويبث ما ألم به من تأمل وألم ودهشة وغربة واستنكار ومجموعة كبيرة لا نهاية لها من المفاهيم التي تجعلك دائماً تتأمل في تأملها حتى بعد المضي والرحيل من أمامها.
* في بعض أعمالك تفرد بالوجوه وفي أعمال أخرى تعبير عن مشاعر المرأة ماذا عن هذا الجانب؟
الأنثى في رأيي أصدق في التعبير عن نفسها فقضيتها تحتاج إلى الاهتمام وأنا جزء لا يتجزأ من مجتمع الأنثى بالتالي هناك رسالة يجب أن تنقل ألا وهي عدم انتهاك حقوق المرأة ونفي الظلم عنها وتطبيق ما جاء في الشريعة الإسلامية من حفظ الحقوق والواجبات لذا نرى أن هذه الأمور تظهر جلياً من خلال أعمال تصور حالات شعورية وجدانية لمجموعة من الأحاسيس التي ربما تجد كل أنثى نفسها فيها عند تأملها.
*أعمالك تبرز اهتمامك بالجانب الرمزي هل حقق لك الرمز مساحة أكبر من الأساليب الفنية الأخرى؟
في لحظة الإبداع والابتكار والخلق يكون هاجسي إخراج المكنون المتصارع في الذات فأشعر أن جميع جزئيات الروح والجسد تتلاحم لتنطلق وتتجسد على سطح العمل الفني كمدلولات رمزية ذات إيقاعات بصرية تشكيلية لتعبر عن قضايا مرتبطة بشكل مباشر بواقع الأحداث بأشكال وألوان الذي يمر بها العالم بدءًا من الاحتلال الفلسطيني والإرهاب وأحداث العراق والجريمة والموت والدفاع عن حقوق المرأة والإنسان.
* شاركت في معارض جماعية وأقمت معارض شخصية هل أخذت أعمالك حقها من المتلقي وكيف ترين مستوى تلقي الفن التشكيلي بشكل عام؟
من سمات الفن التشكيلي أن لغته عالمية.. ومدى الثقافة البصرية والوعي بأساليب ومراحل سير وتطور الفنون له تأثير كبير على ردة فعل المتلقي للأعمال التشكيلية ومدى تقبلها وعدمه.. لذا أينما وجد المتلقي من مثقفين وأدباء وشعراء ومتذوقين وتشكيليين تأخذ الأعمال الفنية حقها في الإشباع الفني.. وأعمالي بفكرها غير المباشر وموضوعها الذي يخاطب الذات متأملاً لشيء من أعماقها لها تأثير إسقاطي نفسي متباين على المتلقي فتراه يقف أمام العمل متأملاً لربما أخرج المكنون الأليم الذي تراكم بفعل السنين ينتظر ويبحث عمن يقدم ما يعبر به عن ذاته أو يشكل جزءًا من محيطه أو بالأحرى جزئيات هي متوقعة بالقدوم بمعنى قراءة لحدث مستقبلي أما بالنسبة للأعمال التشكيلية بشكل عام نجد المتلقي هنا يفضل الأساليب المباشرة التي تخضعه للاستسلام لما يمارسه عليه العمل الفني من تطويق يحيله إلى متلقٍ سلبي ينظر إلى العمل البصري ومفرداته بنوع من الجمود والروتينية عنده.
* للفن النسائي إذا صح التعبير حضور كبير كيف ترين التوازن بين الكثافة العددية وبين مستوى الأعمال؟
أعتقد أنه لا يوجد فن يختص بجنس معين إناثاً كانوا أو ذكوراً وإن كانت كفة الإناث ترجح نوعاً ما.. حيث إنهن يمثلن العلامات البارزة في المشهد الفني من رائدات ومخضرمات ومحدثات فهن أكبر عدداً من نظائرهن الرجال.. ولكي نحقق التوازن بين الكم والكيف يجب أن توضع ضوابط وشروط صارمة وتشكل لجنة تحكيم متخصصة تصنف وتحدد مستوى الأعمال وتغربلها عند تنظيم وإقامة المعارض التشكيلية.. وفي الواقع هناك جهل ثقافي تشكيلي حاد في التفريق بين
الهاوي الذي ينقل كل ما يراه وتكون كل خطواته مدروسة ومسجله آلياً في كل ما يرسمه وينسخه وللأسف هذه الشريحة هي المقبولة لدى المتلقين لسهولة فهمها واقتنائها لتكرارها ورخص ثمنها ولسطحية وجهل الناظر إليها وبين الفنان المبدع فتراه يقدس العمل الفني الذي يمر بمرحلة المخاض فيولد العمل بعد معاناة مريرة يمر بها الفنان وهو هنا يعمل بكل الحالات الشعورية الحالمة التي تلامس الوجدان وأعماق الذات التي تتجلى في فضاء النفس البشرية.
* تابعت ما دار في الملتقى الثقافي الأول كيف ترين مستقبل الفن التشكيلي؟
آمال وتطلعات للمبدعين التشكيليين ينتظرون بفارغ الصبر تحقيقها على أرض الواقع لكن هذا الحدث الذي ما زال يتردد صداه في الذاكرة لن يكون فعالاً وجاداً إلا إذا كانت بيننا حلقة وصل وروابط واجتماعات تضم جميع فنانين وفنانات المملكة كأكبر تظاهرة فنية تناقش فيها أهم قضايا وهموم التشكيل السعودي للوصول به إلى العالمية والارتقاء بمستواه الفني.. وذلك بتحقيق عدة أمور منها: التقييم الحقيقي لنوعية المعارض، ومستوى الأعمال المشاركة، وتصنيف الفنانين، والبعد عن الذاتية عند تحكيم الأعمال في المسابقات، وتفريغ المبدع التشكيلي وضمان حقوقه، ومنح البعثات الدراسية، وإقامة المعاهد والأكاديميات، وإنشاء قنوات ثقافية متخصصة سعودية تعني بتسليط الضوء على آخر المعارض والأحداث التشكيلية المحلية والعالمية، وإنشاء صالات عرض، وإنشاء متحف، ودعم الجماعات التشكيلية، وإقامة الندوات والمحاضرات التشكيلية والدورات، وتأليف الكتب والمطبوعات التي تهدف إلى الارتقاء بالفنان التشكيلي وبالمتلقي، والقيام بإعداد دليل شامل للفنانين، ودعم الفنانين مادياً عند إقامة المعارض الداخلية والخارجية.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved