الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 07th February,2005 العدد : 92

الأثنين 28 ,ذو الحجة 1425

ما بين اللوم والإنصاف..!!
أمل زاهد
كثيراً ما تُتهم المرأة السعودية بأنها محدودة الاهتمامات، ضحلة الثقافة، تدور في أطر ضيقة جداً، لا يشغل بالها الشأن العام، ولا تلقي بالا لما يدور حولها من أحداث وظواهر وأمور، تسيطر عليها نزعة الامتلاك، وتتحرك في دائرة مغلقة يشكل التنافس بالأزياء والمقتنيات محورها الرئيس، وحدث بلا حرج عن الزيارات النسائية، وما تحفل به من استعراض كرنفالي لأحدث خطوط الموضة وآخر ما أبدعه خيال مصممي الأزياء العالميين، والتفنن في تقديم مختلف ألوان الطعام وصنوفه، ناهيك عما تردده جدران الصالونات من أحاديث نميمة، وما يدور في رحاها من مظهرية وتفاخر ونفاق اجتماعي، كما تُتهم أيضاً أنها في حالة زيارتها لبلد أجنبي لاتهتم بالتعرف على ثقافته وتاريخه وزيارة متاحفه أو حتى التمتع بجمال الطبيعة فيه، وأن شغلها الشاغل هو التعرف على شوارع التبضع ومراكز التسوق، وما يؤرق تفكيرها هو كيف تعود وهي محملة بما خف حمله وغلا ثمنه من المقتنيات والسلع.
وإن كانت هذه التهم صحيحة فلابد أن نبحث عن الأسباب الكامنة خلفها والمسببة والدافعة لها على التكون والنشوء، وفي رأينا أن هذه الأسباب تتبلور في العقل اللاواعي للمرأة السعودية الذي تم زرعه واتخامه بأفكار ورؤى استقاها من الثقافة السائدة في المجتمع، ومن الخطاب الذي يعاد ويتكرر حتى يثبت جذوره في تربته ويثبت دعائمه فيها، وكلما حاول وعيها المدرك المستنير أن يكسر القضبان التي تحيط به، يعيدها لا وعيها سيرتها الأولى، والصراع يبلغ أشده عند المرأة المثقفة المدركة لأبعاده وتفاصيله ومنحاه واتجاهاته، ويكلفها الكثير من الجهد والمعاناة النفسية حتى تخرج من أطره، وحتى تمتلك القدرة على التحرر منه.
فتلك الثقافة تفرض على المرأة رؤية معينة عن نفسها وعن وظيفتها ومهمتها الجوهرية في الحياة، ويحصرها في مفهوم الجارية أو القينة التي لا هم لها إلا إرضاء سيدها، والعمل على إسعاده، فتتحول إلى دمية جميلة يسكنها هاجس التجمل وحمى الاقتناء، كما تغرس الثقافة في خيالها صورة معينة تُشيئها وتجعل منها تابعاً منقادا لايملك من أمره شيئا، وليس له القدرة على الحكم الصائب على الأمور، زد على ذلك ان العقل الجمعي فرض عليها طريقا محددا يجب أن تسير فيه لا تستطيع الخروج عن مساراته، ولاتملك ان تتجاوزه أو تتعداه، وجعلها تنحدر إلى التافه من الأمور والسطحي من الاهتمامات، لأنه حصرها في دائرة مغلقة البيت هو آخر حدودها، ولأن العقل جزء نشيط الحركة يتدفق حيوية ويتوق للعمل، فلابد أن يمتلئ بما يشغله فإن لم يجد المفيد هرع إلى التافه والغث يمتلئ به.
وتُتهم أيضاً ربة البيت السعودية المتفرغة بأنها تلقي بالمسؤوليات التي يتوجب عليها حملها والاضطلاع بها، والخاصة بإدارة المنزل والاهتمام بشؤونه على الخادمات الآسيويات، اللواتي صرن قاسما مشتركا في كل بيت سعودي مهما تباين واختلف مستواه الاقتصادي وبالطبع يتناسب عددهن طرديا مع دخل رب الأسرة، وقد يصل بها الأمر غالبا إلى التخلي عن تلك المهمة البالغة القداسة: وهي تنشئة الأطفال ورعايتهم، فترمي بحمل تربية أبنائها على عاتق أولئك الخدم اللواتي يتنافسن ويجتهدن حتى يُحطن سيداتهن بكافة أسباب الراحة والرفاهية، وبذلك يتم لهن الحصول على صك ضمان وأمان يكفل عدم الاستغناء عن خدماتهن، وربط أولئك السيدات بوثاق ناعم الملمس شديد الفعالية، وهو الرفاهية والراحة، فيأسرهن هذا القيد وأصعب القيود هي تلك التي لايشعر بها الإنسان ولكنها تحكم قبضته عليه، وتشده إليها بخيط من حرير، فيصبح رهينا لها غير قادر على التخلص من تأثيرها عليه لأنه لايدرك وجودها.
والحقيقة الجلية الوضوح أن كل هذه الاتهامات لاتجانب الصحة، ولا تبتعد كثيرا عن الواقع، وإن كان هناك شواذ لهذه القاعدة، فذالك يؤكدها ولا ينفيها. ونستطيع أن نقول أن شريحة ربات البيوت في المجتمع السعودي تعتبر شريحة عاطلة عن العمل وتشكل عبئا على المجتمع يرهقه اقتصاديا واجتماعيا، وأن فن إدارة المنزل والقيام عليه وتنشئة الأولاد وتربيتهم لا يلقى كثير اهتمام من هذه الشريحة، وذلك لأن الطفرة الاقتصادية لم تصاحبها طفرة اجتماعية ترتفع بالمرأة المتفرغة للبيت إلى مصاف سيدة المجتمع الراقية الساعية إلى خلق الجمال وزرع قيم الخير والمحبة فيه، والقادرة على صنع ذلك المناخ الجميل المملوء بالدفء والطافح بالمحبة والرحمة، أما العمل الاجتماعي التطوعي الهادف للارتقاء بأفراد المجتمع، والساعي إلى مساعدة الشرائح الفقيرة وتوعيتها بكيفية تحسين حياتها وتطويرها فملغى تماما من قاموس ربة البيت المتفرغة، مع أنه من الممكن أن يجعل حياتها تتدفق نشاطا وحركة وحيوية.
كانت شخصية سيدة المجتمع الراقية في كتاب (حمار الحكيم) للأستاذ توفيق الحكيم من تلك الشخصيات التي رسخت في ذهني واستقرت فيه.. ربما لأنها من إحدى الصور التي أتمنى أن تصل المرأة إليها في مجتمعاتنا. وهي شخصية واقعية لسيدة فرنسية كانت تغدق من اهتمامها وحبها وحنانها ورحمتها على الفلاحين المصريين البسطاء الذين ينهشهم المرض وتكسوهم القذارة، فتعلمهم أصول النظافة، وتعالج أمراضهم وتهتم بتوعيتهم، لا تأنف منهم ولاتتعالى عليهم، وتضفي لمسات الجمال والأناقة والفن على تلك البيئة الفقيرة، فتنشر من طيب روحها وعلو نفسها نفحات جزلة على أي مكان تضع يدها عليه أو يدخل في نطاق تأثيرها، فتحول قذارته إلى نظافة وبشاعته إلى حسن وبهاء.
وأحب أن أشدد أن هناك نماذج رائعة ومشرفة للمرأة السعودية التي استطاعت أن تخرج من القمقم التي فرضته عليها الثقافة، وكل ما نتمناه أن نشاهد المزيد من هذه النماذج كما نلاحظ وبكثرة وجود ذلك النموذج الذي تطرقت له المقالة وعرضت صفاته وملامحه، ولكن قبل أن نسارع بكيل الاتهامات للمرأة السعودية يجب علينا أن نعي تماما من أي معين هي تنهل ومن أي نهر تغترف وأن علينا إعادة صناعة المرأة في بلادنا الغالية، ولن يكون ذلك أولاً إلا بالتمحيص في الخطاب الذي يضخ في عروقها، ونبذ كل مايجعل منها إنساناً متواكلاً غير قادر على تحمل مسؤوليته في المجتمع، ورفض كل ما يرسخ في خيالها تلك الصورة السلبية عن ذاتها.


amal_zahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved