الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 07th February,2005 العدد : 92

الأثنين 28 ,ذو الحجة 1425

تيار الحداثة والنقد غير المبرر «2»
د. سلطان سعد القحطاني
تحدثنا من قبل عن تأثير التيار الحداثي في النقد والأدب، كمقدمة للموضوع الذي سنتناوله في هذه الدراسة، وهو الجناح الأول في الصراع الثقافي بين جناحين متضادين، لا يملك أحد منهم الحجة العلمية في صراعه، إلا أن هذا تقليدي بحت وهذا حداثي، سيحدث في الأمر ما ليس منه، من وجهة نظر غير مبررة وقام البعض من غير أصحاب الاختصاص بتضخيم خطر الحداثة على الفكر والتراث وحتى العقيدة، وإن كنا نوافقهم في المبدأ لكننا نخالفهم في التطبيق، وركز هذا الجناح هجومه على الشعر خاصة، على أنه حديث يهدد التراث العربي الأصيل، وليس التراث بهذه الهشاشة والضعف حتى يهدد من تقليد لم يحقق نتائج مرجوة، والسبب أنه تقليد لمن قلدوا قبله اصحاب الحداثة الحقيقية، الذين وقفوا في وجه تصرفات الكنيسة الجامدة، وظن البعض أن هذا الانحراف الفكري والكلمات الغامضة والتجديف، حداثة! والحقيقة أن الأمر غير ذلك، فالحداثة في مفهومها الحقيقي إنشاء جديد, في اللغة والأسلوب والفكر، بما لا يتعارض وثوابت الأمة، لكننا ما نزال نقتات على ما ينتجه الغير، إذن نحن مقلدون، ولسنا منتجين، ولا ننكر أننا جزء من العالم، نتأثر بما يتأثر به في كل جديد يظهر، ولكل ثقافة خاصيتها، لكن هذه الخاصية تحولت عند البعض إلى خصوصية مطلقة تحيط التخلف
بسياج منيع، لا يقبل النقاش ولا المحاورة ولا مسايرة العالم في زمن ليس فيه موانع وبدأ الجناح المحارب لكل جديد في محاربة الحداثة، بوعي أو بدونه من المنابر، وهي المكان الذي يمكن أن يتحدث منه بحرية تامة، لأنه مكان عبادة لا يجب أن يقال فيه إلا ما هو منزه عن اللغو والفحش، ولأنه المكان الذي يمكن أن يجد فيه المتحدث أكبر عدد من الجمهور، ولأنه المكان الذي يتجمع فيه كل فئات المجتمع، على اختلاف مشاريعهم الثقافية، ولأنه المكان الذي تحيطه القدسية، فلا يقاطع فيه المتحدث، ولأن المتحدث يتكلم باسم الدين في مجتمع متدين بالفطرة، ولأنه يوظف هذه المفردة للكفر...، وما يمكن أن يقال في هذا المكان يعاد في المناسبات الخاصة، كالزواجات والحفلات والمراكز الصيفية. وتضرب الأمثال على ذلك بشواهد من الشعر الماجن والمفردات الشاذة، والشخصيات المكروهة، اجتماعياً ودينياً، وبالتالي صار المجتع يكره هذه المفردة بمجرد سماعها، لأنها ألبست لباس المعادي الصريح للدين، فالمجتمع متدين بطبعه، حريص على ثقافته الدينية والاجتماعية، وموروثه اللغوي، ومن هذا المنطلق استطاع البعض ان يغزو عقول
البسطاء، من غير المثقفين، وكذلك صغار السن من هذه الزاوية، فيما يشبه الاستعداء في الفكر الكنسي، في الزمان الذي كانت أوروبا تعيش تحت وطأة الكنيسة المتخلفة، فقد حكمت على العالم الفلكي الإيطالي (غاليليو غاليلي (Galileo Galilei) بالكفر لأنه رفض الأفكار التي لا تخضع للتجربة، واكتشف منظاراً فلكياً، وقال إن القمر ليس كرة ملساء ومن الغريب أن الكنيسة حكمت على العالم (برونو) (Bruno) بالحرق بالنار حياً بعد حبس طويل، لأنه قال بقول الصوفية في وحدة الوجود، وقال إن هذا العالم يحتوي على عوالم كثيرة هذا فضلاً عما قيل في كروية الأرض التي عرفها العرب المسلمون في عهد بني العباس، ولم تحدث هزة في بدن أحد، بل العكس، رحب بها الجميع واستقصوا أخبارها العلمية، وخلد اسم الإدريسي في رسم الكرة الأرضية، وهذه معلومات أولية يعرفها كل من عرف الثقافة العربية الإسلامية، لكنها في عالم الكنيسة النصرانية كانت جريمة لا تغتفر، وحكم على كل من يصدق بها بالحرق وهو حي، وحتى مكتشف أمريكا (كولومبس) لولا وقوف بعض الملوك بجانبه لحكم عليه بالإعدام كما حكم على غيره. وأردت من هذه المقدمة السريعة أن أصل إلى ما يعانيه العالم العربي الإسلامي من التشكيك في كل جديد، دون النظر فيه بالنظرة العالمية الشمولية، وأن استعجال الأحكام المسبقة، التي يتفق بعضها مع نوعية الحدث والآخر يختلف قد صارت سمة من سمات النقد في هذا الزمان، كما حدث للبابا باول (paul) الذي أصدر حكماً سنة 1907م بإعدام الحداثيين الذين غيروا مجرى الحياة الثقافية والفكرية في أوروبا، وبالرغم من ذلك تغير نمط التفكير في الكتابة والفن على أيدي المبدعين الحداثيين، ففي الشعر كان (لارميه، واورتو، وباتي..) وغيرهم الكثير من الشعراء، وفي الرواية، على يدي كل من:(جيمس جويس، وسيلين، وأدجار ألن بو الأمريكي) ولم تكن هذه نهاية المطاف في التجريب الفني، فقد واكب النقد هذه الحركات الإبداعية، وتعامل معها سلباً وإيجاباً، وهنا نقطة هامة جداً لا نود أن نغادر هذا الموضوع قبل أن نذكرها، فالنقد الأدبي الحديث كان مهموماً بالنصوص، يؤيدها أو يرفضها، أو يتحفظ عليها، وليس معنياً بالكاتب أو سلوكه الشخصي، ولم تكن هذه الموجة من الحداثة قد لاقت قبولا في الأوساط الأدبية، في أوروبا، ولا على المستوى التجاري، بشهادة المبدعين أنفسهم، كما تؤكد ذلك (نتالي ساروت) حيث إن مجموعتها القصصية لم يبع منها إلا نسخة واحدة!! ولم تكن دور النشر ترغب في نشر هذا النتاج، لسبب تجاري بحت، ولكن هذا التيار أخذ طريقه محلياً ودولياً، إما بلغته أو مترجماً، وما تعرض له من دراسات نقدية فيما بعد جعل المتلقي يشارك في العملية النقدية ويدقق ويميز العمل الجيد من الردىء، ولا علاقة له بكاتب النص، وكل ما يعنيه النص نفسه، وحتى لو سئل عن جنسية كاتب النص فقد لا يعرفها، ولم يكن كل شيء مسلم به في عالم النقد، فالخلاف بين النقاد الألمان والنقاد الفرنسيين خلاف حول اختلاف وجهات النظر في كينونة النص، والآراء قابلة للأخذ والعطاء وتصحيح المفاهيم.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved