الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 07th February,2005 العدد : 92

الأثنين 28 ,ذو الحجة 1425

ريال واحد.. الاستثناء وتمظهر القبيلة لذاتها!
د. صالح زيَّاد
أريد، هنا، أن أقف لتأمُّل خبر من الأخبار التي تناقلته صحفنا المحلية بين وقت وآخر، ويأخذ من حيث موضوعه صفة التكرار بالرغم من تغير شخوصه ومكانه.. والدلالة في هذا الخبر إذن تأتي من صفته الإخبارية من جهة أولى، ومن تكراره من جهة ثانية، ومن موضوعه من جهة ثالثة.
ويتمثل الخبر الذي أعنيه، فيما نقرأه عن طلب أب لريال واحد مهراً لابنته، وآخر لمائة ريال، وثالث لسواك الأراك.. إلخ.
فالنظرة العجلى لمثل هذا الخبر تدرك أننا بإزاء موضوع المهور، وأنه يستحضر سياقاً من المبالغة والمغالاة فيها بحيث يمتلك علاقة اختلافية وانزياحية عن ذلك السياق تحقق له شرط (الخبر) بالمفهوم الاتصالي الإعلامي، الذي تتسع مقرونيته، أي جاذبيته وإدهاشه، بقدر حدته الاختلافية عن سياق الأحداث.. كما أننا نفهم بشكل تلقائي الرسالة الإعلامية التي تجاوز شخوص الحدث الذي يتضمنه الخبر إلى المجتمع ممجدة هذا السلوك وداعية ضمنياً إليه.
وفي غضون ذلك كله، لن يسأل أحد نفسه: ما المهور؟ وما الزواج؟ وما علاقة الأب بهذا؟ وأين المعني به؟ إذ تحيل مثل هذه الأسئلة إلى وعي الثقافة الاجتماعية، وهي مدار شكل الخبر ودلالته، بحيث لا يفسر الخبر دونها التفسير المقصود منه، ولا نصل إلى وظيفته التمجيدية ورسالته الاجتماعية.
ولا شك أن الوظيفة الاجتماعية للخبر لا تقتصر على صيغة التمجيد ودلالته، لأنها تأتي أيضاً من أن الخبر يطمح إلى فرض موضوعة غلاء المهور على الرأي العام، ويجدولها أو يسهم في جدولتها في قائمة المنطوق والمفكر فيه و المضاء من الاهتمامات الاجتماعية..
لكنني أعتقد ويا للمفارقة أن ذلك ليس وسيلة حل بقدر ما هو تأسيس للمشكلة، وإعادة صياغة لخارطة المجتمع الذهنية تجاه ذاته، بما يفاقم من أوهام أفراده، ويتيح، فيما يتعلق بموضوعة الزواج إجمالاً، صيغاً تبريرية زائفة للهروب والنكوص والسلبية بمعانٍ عديدة.
إن هذا الخبر يعني الاستثناء، والاسثتناء دوماً، صيغة هشة وضئيلة أمام متانة القاعدة وعددها.. الاستثناء أنفراد أمام مجموع، واختلاف أمام تجانس ووحدة، وبالمدى الذي يصوغ الخبر استثنائيته في حدوده، وهو مدى شاسع، يغدو المجموع المتواتر والمتجانس والموحد هائلاً ومتضخماً، وذلك هو الوهم والمغالطة بعينها، وهو عين المشكلة وأساسها.
الفرد لم يصنع المغالاة في المهور، ومن ثم فهو لا يملك، بالأحرى لا يقدر أن يحلها.. المجتمع هو من صنعها، إنه القاعدة بالصيغة التي وصفناها أعلاه، والفرد هو الاستثناء.. وإذا كانت فردية الاستثناء فرصة، من وجه، لرؤية خطأ القاعدة المحتمل، فإن الاسثتناء، عملياً، يؤكد القاعدة ولا ينقضها، وهو بالتالي سبيل لاستشعار
ضخامتها وامتدادها وعمقها، فكأنه ما دام استثناء في وعينا يغذو رسوخ القاعدة وصلابتها.. إنه يوحدها ويجانس اختلافها وتنوعها التكويني.
وحدة المجتمع وتجانسه، لا تعني الصفة الوطنية فيه، فالوطنية توحيد وتجنيس، هكذا بالتفعيل، إذ وحدة المجتمع وتجانسه لا تصنع وطناً وإنما تصنع قبيلة أو عشيرة أو أسرة.. حين يكون هناك وحدة وتجانس اجتماعي تكون القبيلة ولوازمها.. القبيلة تحضر في وعي أفرادها من خلال الاختلاف والامتياز عن غيرها، إنها ذات الجماعة المتحدة كما هو الشعور والافتراض دوماً في الدم، والمختبئة وراء ذوات أفرادها وفوقها.. وليست المغالاة في المهور سوى وجه من وجوه تعبير القبيلة عن ذاتها والرغبة في إعلان حضورها الدائم.
الخبر يحجب المعني بقضيته، سواء كان الفتاة التي شرع المهر لها لا لغيرها، أو الشاب الذي لا يتخذ الريال أو نحوه قيمته إلا في ضوء إمكانياته المادية أو المعنوية.. هكذا يستحيل المهر من رمز شرعي أو ضرورة ما، إلى عرف ومواضعة.. أي أنه يخرج من الدائرة الفردية بمداها الاختياري والاختلافي إلى دائرة الجماعة التي تسبق الفرد وتليه، وتفرض، بحكم حاجة الفرد إلى الكينونة الاجتماعية، الاندراج فيها والانصياع لها.. ومن ثم لا تجد المهر عرفاً منعزلاً عن حزمة الأعراف، إنه مفردة في نص أعراف الجماعة القبيلة لا تنتهي عند عشرات الخراف وبعض الجمال، ولا عند العدد الكثيف الذي يغدو حضوره الجماعي بدعوة جماعية! أشبه بطقس تتمظهر فيه الجماعة لذاتها.


zayyad62@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved