الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 07th March,2005 العدد : 96

الأثنين 26 ,محرم 1426

المكون الثقافي ومأزق الخطاب الروائي السعودي
عبدالله السمطي

يغتبط كثير من المتابعين للوضع الإيجابي الذي آلت إليه الرواية السعودية الراهنة، فعبر السنوات الخمس الماضية شهدت الرواية السعودية نوعاً من التحول صوب الكثافة الكمية لا النوعية في الإصدارات الروائية، بحيث أضحى العدد الإجمالي يتراوح بين 20 إلى 25 رواية سنوياً، بل إن العامين الماضيين 2003 2004 شهدا اطراداً كمياً لم يسبق له مثيل في تاريخ الرواية السعودية بحسب إحصاءات الأديب خالد اليوسف الذي رصد ما يقرب من الخمسين رواية.
معنى ذلك أن الرواية العربية السعودية بدأت تتوطد نوعاً ما وسط سياق ثقافي يحتفي بالتطريب والغنائية بالأساس عبر الشعر الشعبي، والقصيدة التقليدية، وبعض النصوص الحديثة.. وسط سياق كان يرفض السؤال ويهرول صوب اليقيني والجاهز، ومع التحولات العالمية التي نجمت عن أحداث 11 سبتمبر 2001، حد نوع من الانفتاح المشوب بالحذر صوب المكاشفة، والاتجاه إلى قراءة الواقع السعودي الفكري والاجتماعي والثقافي قراءة مختلفة وجديدة، وتحول المجتمع من مجتمع المثالية والبراءة و(الخصوصية) إلى مجتمع السؤال والحوار على جميع المستويات الثقافية السعودية.
هكذا وجدت الرواية السعودية أرضيتها الملائمة التي تتطلب نوعاً من التعددية والانفتاح والحوارية، وبعد أن تراجعت القصة القصيرة، وقصيدة الحداثة، وابنتها المدللة: قصيدة النثر في المشهد الإبداعي السعودي اتجه السياق وجهة سردية روائية، بحيث شكلت بعض الإرهاصات محفزاً لهذا الاتجاه، تمثل في اتجاه بعض الكتاب ممن عرفوا بالكتابة الفكرية (تركي الحمد) والشعرية ل(غازي القصيبي) إلى كتابة الرواية، فصدرت ثلاثية (أطياف الأزقة المهجورة: العدامة، الشميسي، الكراديب) للحمد، و(شقة الحرية) للقصيبي، ومثل ذلك إرهاصة لكتابة الرواية عبر من أنتجوا سردياً في فضاء القصة القصيرة، فكان هذا الانهمار السردي الروائي الذي اندفع إليه كل من: عبده خال، وعبدالحفيظ الشمري، وناصر الجاسم، ويوسف المحيميد، وزينب حفني، وليلى الجهني، ونورة الغامدي، وأحمد الدويحي، وحفز ذلك الاندفاع مبدعين من كافة الأجيال، من: إبراهيم الناصر الحميدان (الروائي الرائد) إلى محمد حسن علوان الكاتب الشاب الذي أصدر روايتين حازت أولاهما: (سقف الكفاية) على متابعة نقدية طيبة، فيما ما تزال روايته الثانية (صوفيا) تقرأ بشكل متميز.
وسعى المشهد الروائي السعودي لاكتماله بإصدارت روائية متتالية لمحمود تراوري، وقماشة العليان، ورجاء عالم، وإبراهيم شحبي، وعواض شاهر العصيمي، وعبدالله التعزي، ثم أخيراً فهد العتيق، فضلاً عن أسماء أخرى ما تزال تترقب صدور رواياتها المخطوطة.
إذن تعيش الرواية السعودية الآن، ما يمكن وسمه ب(الظاهرة) وهي ظاهرة جديرة بالاحتفاء والمتابعة لعدة أسباب:
أولها: حاجة القارئ السعودي للتعرف على وقائعه المجتمعية بشكل جمالي إبداعي، وحاجته للقراءة التخييلية، والواقعية، والرمزية لما عبر به من أحداث ووقائع، والرواية بخطابها البولوفوني يمكن لها أن تقبض على ذلك كله، بحيث تعيد قراءة الواقع والتاريخ قراءة يمكن أن تدل على عناصر سسيوثقافية مطمورة، ومخبوءة، أو مسكوت عنها.
ثانيها: عدم معرفة القارئ العربي بالصورة الحقيقية للمجتمع السعودي، فوسائل الإعلام العربية قبل الغربية لا تعرف عن السعودية سوى شيئين: النفط، والأماكن المقدسة، وهذه هي الصورة المصدرة رسمياً وذهنياً للخارج، أما تضاريس الواقع السعودي، بما فيه من تيارات، وأفكار، وتعددات بنى الثقافية، ولهجات، وحواريات بين الداخل والساحل، وأدبيات تتعلق بالهوية والتاريخ، وتحولات اقتصادية وسياسية واجتماعية وفنية شهدتها السعودية، فهذا ليس معروفاً لأكثرية الجمهور العربي، ودور الخطاب الروائي سيكون هاهنا دوراً كاشفاً، وناقلاً للصورة السعودية بشكل أو بآخر عبر الأحداث، والشخصيات المبثوثة في بنيته وأنساقه.
ثالثها: عدم وجود تراكم كمي كبير روائي سعودي يرصد بعض الدارسين 200 رواية منذ (التوأمان) و(فكرة) للأنصاري والسباعي وأيضاً تراكم كيفي متميز منذ روايات إبراهيم الناصر وعبدالعزيز مشري، مما يتطلب تعميق المنتج الروائي السعودي.
رابعها: الدخول إلى منافسة الرواية العربية في الأقطار الأخرى التي تشهد نوعاً من الازدهار الفني والجمالي، خاصة في مصر وسوريا ولبنان والعراق والمغرب العربي، وهي منافسة صعبة جداً، لكنها ليست مستحيلة.
2 مع هذا كله ثمة مآزق تواجه الخطاب الروائي السعودي، يمكن تمثلها في ثلاثة أمور:
الأول: الرقابة، حيث إن المبدع السعودي خاصة الروائي سيصطدم بالثقافة الرقابية، لا تلك التي يمثلها الجهاز الرقابي الرسمي، بل تلك المهيمنة على بعض الفعاليات المجتمعية، وشروط المجتمع القبلي، التي تتطلب قدراً كبيراً من المحافظة حتى على المستوى التخييلي والإبداعي، وطريقة ائتلاف واختلاف الشخصيات في الرواية، خاصة حين ستتعرض بالضرورة لشخصيات نسائية، أو لأحداث ذاتية حميمة، وهو الأمر الذي سيحد كثيراً من المنجز التخييلي للروائي السعودي.
الثاني: الطباعة بالخارج، فهروب الروائي السعودي بعمله الإبداعي كمطبوع، سيقلل من فرص قراءته داخلياً على مستوى واسع، وسيظل قراؤه هم المبدعون أو الأدباء أنفسهم، أي الشريحة التي قد لا تستهدفها الرواية بالضرورة، حيث إنها تستهدف القارئ العام بالأحرى المشغول فعلاً بسرديات الحياة وهمومها.. لذا سيكون المبدع السعودي غريباً داخل وطنه حتى على مستوى الكتابة الإبداعية، إذ إن النسخ المحدودة من روايته داخل السوق السعودي لا تشكل على الإطلاق النسبة القرائية المطلوبة للروائي، لبث أفكاره وإبداعه وأسئلته، ولذا ستظل البنى المجتمعية بأنماطها الثقافية المختلفة في منأى عن هذا التأثير الذي يتوخاه المبدع السعودي لدى قارئه الحقيقي داخل السعودية، أما بالخارج فسيكون القارئ العربي مشغولاً بروايات بلدانه الأقرب إليه، والأكثر تعبيراً عن همومه الإنسانية الفردية والاجتماعية.
وإذا نظر إلى الرواية السعودية سيكون الدافع لذلك الفضول، أو الدراسة والبحث.
الثالث: العزلة العربية، بجهود فردية فحسب، يشارك الروائي السعودي في الفعاليات الروائية والمؤتمرات الخاصة بالرواية، وعلى أفضل الأحوال يشارك النقاد في هذه المؤتمرات لا المبدعون، مما يقلل فرص الاحتكاك بالروائيين العرب أصحاب التجارب الروائية المتميزة، بالطبع قد يحدث هذا الاحتكاك والتأثير عبر الصحف والدوريات المختلفة، لكن اللقاءات المباشرة ضرورية جداً، خاصة في الندوات والمؤتمرات العربية التي تعقد عن الرواية بالقاهرة وبيروت والمغرب مثلاً.. إن الروائي السعودي معزول عن مثيله الروائي العربي، برغم من أنه الأكثر سفراً وترحالاً، ولعل عدم وجود رابطة للأدباء والكتاب السعوديين هو السبب في ذلك، فوجود رابطة سينظم المشاركات والفعاليات المختلفة، وينظم طبيعة المشاركين والمشاركات، لا في الرواية وحدها بل في الأجناس الأدبية المتعددة.
3 على أن المأزق الكبير الذي تواجهه الرواية السعودية، يتمثل في ما يمكن تسميته ب(المكون الثقافي) للمبدع السعودي.. فلهذا المكون دور خطير في مدى استمرارية الروائي من جهة، وفي مدى دخوله وانفتاحه من وجهة فنية على آفاق روائية متعددة، ومتوهجة، وبارزة. إن المكون الثقافي للمبدع السعودي فيما يتعلق بالإبداع وآلياته، نجم بالأساس من عملية القراءة، ثمة نهم قرائي لدى المبدع السعودي بوجه عام، ولم ينجم عن الدراسة والبحث والتقصي، أعني أن مناهج التعليم لم تتح له ذلك، وحرمته من دراسة الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع، وهي علوم ضرورية لمواكبة العمل الروائي الأحداث الواقعية، والانفعالات الذاتية.. وعند قراءة المنجز الروائي لروائيين كبار في العالم العربي نجيب محفوظ أو حيدر حيدر أو روائيي الستينيات في مصر، أو ممن يكتبون بلغات أخرى في المغرب العربي، أو لدى روائيين عالميين كماركيز وكونديرا وبورخيس وكويلهو مثلاً، نجد أن إضاءات الجوانب الفلسفية والنفسية والشخصانية تمثل عناصر مهمة في أعمالهم الروائية، كثرت أم قلت، إذ إن الاحتفاء بهذه العناصر هو من قبيل الدخول إلى كوامن الشخصيات، ودراسة هذه المناهج دراسة واعية، غير قراءتها قراءة عابرة، فضلاً عن أن المتلقي السعودي الذي لم تتهيأ لديه أرضية فلسفية بعد، سيكون من الصعب عليه تفهم البنى الروائية التي قد تفلسف شخصياتها، أو قد تدفعها للتساؤل السيكولوجي والسوسيولوجي والوجودي.
إن التخلص من عبء الثقافة المحافظة المتراكمة في وعي المبدع السعودي شاء أم أبى هو بمثابة التحدي الأخطر الذي يواجهه الروائي السعودي، خاصة حين يتعرض لموضوعات روائية متعددة ومنفتحة ومتسائلة يستطيع أن يضاهي بها الأعمال الروائية العربية الأخرى، وإلا تقولب الخطاب الروائي لديه في قالبين: الواقعية المسطحة التي لا تغور إلى عمق الواقع، وتبدي مفارقاته، أو الرومانتيكية الهشة التي تقف عند حدود العلاقات الأولية بين الرجل والمرأة، ولا تكشف عن مكنونات الوعي بطبقاته المختلفة.
كذلك، مما يخشى منه، هو كسل المبدع السعودي في متابعة مشروعه الروائي، والانغماس الحقيقي فيه، خاصة أن توالي الأعمال الروائية للمبدع من الأهمية بمكان لتتحقق رؤيته للواقع وللعالم، أما العيش على صدى رواية أو روايتين، أو كتابة السيرة الذاتية على أنها رواية، فهذا لا يرسخ العمل الروائي ولا يوطده في الساحتين المحلية والعربية.
إن الرواية السعودية رواية فتية، وعليها أن تتجاوز ذلك إلى أن تصبح رواية مؤثرة، ذات سياق متميز ومختلف، في المشهد الروائي العربي المتحرك، الساخن، العنيف والجميل معاً.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved