الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 07th March,2005 العدد : 96

الأثنين 26 ,محرم 1426

نظرة في الخطاب الثقافي الموجه للمرأة
أمل زاهد
يمعن الخطاب الثقافي الموجه للمرأة العربية في إشعارها بأن ليس لها أية قيمة من دون حائط رجولي تستند عليه وتلقي بأحمالها فوق عاتقه، فهي ضعيفة ما لم يدعمها ومكسورة ما لم يجبر هو كسرها، وهي بذلك معتمدة عليه اعتمادا كليا ولا فعالية أو أهمية لكيانها منفردا عن كيانه. وهي تربى على أنها لا تحسن التصرف ولا تمتلك القدرة على خوض غمار الحياة، لا تستطيع الدفاع عن نفسها ولا الذود عن حماها، فتتوارى مرتعشة خائفة من أية نظرة طائشة قد تسدد إليها. وهي الدرة المصونة والجوهرة المكنونة التي يؤدي تعرضها للضوء لفقدانها لمعانها وبريقها، والخروج في حد ذاته يعتبر مغامرة غير مأمونة العواقب تعرضها لأخطار ماحقة لا يمكنها تجنبها لأنها غير مؤهلة لدرء تلك المخاطر عن نفسها. وهذا بالتالي يرسم في لاوعيها صورة ضعيفة سلبية عن ذاتها، فتفشل في الدفاع عن نفسها في كافة الأحوال والظروف، وحتى إذا ما تعرضت إلى خطر يداهمها في عقر قلعتها الحصينة نفسها.
كما يخلق منها هذا الخطاب إنسانة سلبية لأنها تجد دائما من يقوم عنها بعملها وما يفترض أن تتكفل هي بأدائه، وهي غالبا ليست مطالبة بأية مهمة وغالبا ما تردد على مسامعها عبارات تجذر لتهميشها وإقصائها عن دائرة الفعل، فهي فتاة رقيقة ولا يحسن بها إجهاد عقلها في إشكاليات الأمور وتعقيداتها. وحين يترسخ ذلك في عقلها الباطن منذ الصغر يصبح حقيقة لا يمكنها تجاوزها إلا إذا امتلكت آليات معينة تمكنها من نقد قيودها الثقافية. وكثيرا ما يصطدم الراغب في توعية المرأة وتعريفها بالحقوق التي منحتها هي الشريعة بالرضا التام بقدرها وبالرغبة في أن تتشبث أقدامها في أرض تجد عليها كل الراحة والرفاهية. فهي قابعة في بيتها، طلباتها المادية مجابة ورغباتها لا ترد والزوج أو الأب في نظرها يمتلك خاتم سليمان الذي تتدفق عليها من خلال مسحه ما تشتهيه نفسها وما يلذ به بصرها.
ولو نظرنا إلى موروثنا الشعبي من الأمثال، لهطل علينا وابل من تلك الأقوال والأمثال المضخمة من قيمة وجود الرجل إلى جانب المرأة، والمقلصة والمحجمة من قيمة المرأة ككيان مستقل وذات متفردة بإمكانها الاعتماد على نفسها والثقة بقدراتها وإمكانياتها، وأشهرها: (ظل راجل ولا ظل حيطة). وفي الحقيقة أن هذه الأمثلة ترسخ لنظرة دونية يمتصها عقل المرأة اللاواعي، وتشعرها بتفاهة كيانها وتقزم وجودها. وتدفعها بالتالي لاتخاذ قرارات خاطئة، وقد تفقدها القدرة على القيام بأي دور إيجابي في حياتها، وتغمم عينيها بضبابية كثيفة تحجب عنها البصيرة عند اختيارها شريك حياتها.
فهذا الخطاب الذي يقزمها وينظر إليها كرديف للرجل وتابع له، ويستلبها الثقة في نفسها وإمكانياتها وقدراتها، يجعلها تندفع إلى الارتباط بشريك قد لا يتناسب معها ولا يرتفع إلى أدنى مستويات التكافؤ والذي يعتبر من أهم مقومات نجاح الزواج. وكنتيجة لذلك نشاهد ارتفاعا كبيرا في نسبة الطلاق لأن الرغبة في الزواج تنبثق من الإحساس بالنقص والرغبة في إتمام خطوط صورة نمطية فرضها النسق الاجتماعي، وليس من الرغبة في الارتباط بشخص بعينه ترى فيه الفتاة تلك المواصفات التي تطمح إليها في شريك حياتها، وليس من رغبة صادقة في تكوين أسرة تساهم في بناء المجتمع والنهوض به أيضا. ونلاحظ أن كثيراً من الفتيات يرتبطن بمن هو دونهن حتى لا يوصمن بالعنوسة أو يتهمن بأنهن غير مرغوبات من الجنس الآخر، فالمجتمع ينظر بشفقة وحزن مبالغ فيهما إلى المرأة التي لم يسعدها حظها باصطياد زوج يحدب عليها ويرعاها. كما نلاحظ أن الفتيات يتباهين ويتفاخرن بعدد الخطاب الذين تقدموا لهن حتى لو كن على درجة عالية من التعليم ، لأن ذلك بالطبع في نظر المجتمع دليل على رواج (السلعة) وأنها مرغوبة في السوق، وفي هذا رضا تام وخضوع شامل للنظرة المشينة للمرأة بل وافتخار واعتزاز بها.
ومن هنا ينبع ذلك الاهتمام المبالغ فيه بجمال المرأة وبالحرص على تلميعه وصقله لأنه الوسيلة الوحيدة لنيل الإعجاب واستقطاب عروض الزواج. ومن هنا ينبع أيضا هذا الهوس بالتشبه برموز الجمال التي يرسم ملامحها الإعلام المرئي ويفرض صورتها على المجتمع، حتى لو كانت هذه الملامح بعيدة كل البعد عن تكوينه الطبيعي وعن سماته التي ترتبط بجغرافية الأرض أو المناخ فيها. فأضحت المرأة منقادة لما يبثه الإعلام المرئي لصور الجمال، فراحت تبحث جاهدة عما يبيض بشرتها أو يشقر شعرها غير مبالية إذا كان ذلك يتلاءم معها أو ينسجم مع شكلها العام أو يتفق مع جيناتها الوراثية، ناهيك عن عمليات التجميل التي تخضع كثير من النساء لها حتى يرتفعن إلى المقاييس المتعارف عليها عن الجمال في وقتنا الحالي.
وزد على ذلك الخضوع التام لصورة الفتاة الجميلة (النحيفة جدا) والتي تصارع المرأة نفسها حتى تصل إلى مقاييسها وتعرض نفسها لعمليات تجويع قاسية، وقد تعرض صحتها للخطر في سبيل الوصول إلى هذا الهدف. وهي عبودية من نوع جديد تهدف إلى قولبة النساء وخلق صور متشابهة مكررة لهن وهو ما بتنا نلحظه في مجتمعاتنا العربية، فتلاشى تقريبا الاختلاف الشكلي الذي يميز الأفراد عادة. وارتدت النساء أقنعة متشابهة في الملامح ووضعن أنفسهن في قالب يخرجهن بمقاييس متشابهة، وينتابهن الحزن والضيق لو تجاوزن قيد أنملة تلك المقاييس والحدود.
يجب أن تنظر المرأة إلى نفسها نظرة اعتزاز تنبع من شعورها بقيمة ذاتها وكيانها كإنسانة لها دور فاعل في المجتمع، تشارك في بناء لبناته وصنع نهضته بكل ما منحها الله سبحانه وتعالى من ذكاء وقدرات ومواهب. فالنساء شقائق الرجال، والدين الإسلامي دشن لكثير من الحقوق التي استلبتها منها الحضارات الأخرى وكان له دور السبق في احترام إنسانيتها. كما يجب أن يساعد الرجل المرأة على لعب هذا الدور الفاعل، فهي ليست إشكالية بينهما ولكنها إشكالية تخلف تغرق مجتمعاتنا في ظلماتها، وليس أمامنا إلا ركوب قارب النجاة والذي يتمثل في تضافر جهود الرجل والمرأة في سبيل تحقيق النهضة وتنمية مجتمعاتنا.


amal_zahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved