الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 07th March,2005 العدد : 96

الأثنين 26 ,محرم 1426

عربي.. يمدّ رجله في وجه التراث العربي!!
عبدالعزيز بن عبدالله السالم
لكل أمة ميراث خاص بها، مستمد من تاريخها ترعاه وتفاخر به، وتحرص عليه وتباهي به، وترى فيه صورة من أمجادها الآفلة، ورصيداً من حضارتها الماضية، وقبساً ينير مكانتها بين الأمم المعاصرة.. وعلى كتف هذا الميراث تتكئ في ماضيها، وفي كنفه تستظل في حاضرها، ومنه تستعيد مقومات مستقبلها، والأمة التي ليس لها تراث تستند إليه، أمة ليس لها مستقبل تهتم به، فالحاضر مرتبط بالماضي كما هو امتداد له، ومن هذا المنظور كان الاحتفاء بتراث الأسلاف الذي يجسد تاريخ الأمة ويحفظ تراثها.. فإذا جاء فرد ينتسب إلى العرب: شاذ الفكر شارد الذهن. ينشد الشهرة على حساب العروبة وتراثها، وحاول أن يمد رجله في وجه تراثنا. في تطاول قميء وسفاهة تافهة. متحدياً بذلك مشاعرنا بكل صفاقة ووقاحة: وقفنا في وجهه إن كان له وجه يُعرف به، ورددناه على أعقابه هائماً في متاهته.
يؤذي العربي السوي وجدانياً وذوقياً وفكرياً: بعض المتطفلين على الساحة الأدبية. ممن ركبوا موجة التيه تشبثاً بالأدب فكانت النتيجة قلة أدب.. ذلك أنهم تنقصهم الموهبة، ويرتكسون في مستنقع آسن من الفكر المنحرف، ومع ذلك يحاولون فرض أنفسهم على الساحة، فجاسوا خلال أمشاج من المقولات التافهة والأفكار الشاذة، فلم يفلحوا لأنهم يفتقرون إلى الفكر المستنير والثقافة العميقة، ونظراً لإخفاقهم في التمتع بهذين المقومين الأساسيين: فقد تكونت لديهم عقدة سببت لهم اضطراباً نفسياً وتضخمت هذه العقدة لتنفجر هجاءً مراً في تحقير تراثنا الأصيل، فكان التطاول على تراث الأمة الإسلامية ومقومات اللغة العربية وثوابتها.
ومن هؤلاء المتطفلين من يتجاهل حقارة ذاته وضحالة ثقافته، وهو لما سواهما أجهل، وكان المفترض أن يستر عورته الفكرية عن أعين القراء ولكنه يتمادى في الإعجاب بنفسه وفي تجاوز حدوده في تحقير المراجع التراثية، فلا يخجل أن يطلق هذه العبارة الوقحة: (أضرب بقدمي المعاجم والمصطلحات).. إنها عبارة جارحة لمشاعر كل عربي أصيل يؤمن بعروبته ويعتز بتراثه.. ونحن نعلم أنها قدم تقصُر أن تطأ تراثنا المجيد لتلوثه، ولكنه التعبير السوقي الهابط الذي لا يملك قائله سواه، وهذا الذي يخاطب الأمة بقدمه لا بقلمه ماذا ينبغي أن يقال لمن وضع نفسه في ثقافة الحذاء؟!
***
إنها عبارة احتشدت فيها كل معاني القبح والهمجية والغباء، وتلفعت بكل موبقات الرعونة والصلف والسفه، ومما لا شك فيه أنها تمثل انتكاسة فكرية لدعي فارغ الفكر مسلوب الروح العربية، وأنها تفوح منها رائحة منتنة لعلها خرجت من بطنه المنتن أو من فكره المعتم، فهما بالنسبة له سواء، ولعل أفضل ما يتناسب مع الموقف لتلافي هذا النتن المؤذي للنفوس أن يُسدَّ مخرجه بحذاء قديم.. وهو القائل عن نفسه: (بدلاً من أن أرى السماء رأيت الحذاء). فنحن نتعامل معه من منظوره الذاتي بما يواكب قاموسه الذي يصدر عنه.
والإنسان كما يقال: حيوان مفكر، فتفكيره إما أن يهديه إلى الفضائل أو يجنح به إلى ضدها، وهو إما أن يكون لبنة مفيدة في بناء مجتمع متماسك، أو يتحول إلى معول هدم لذلك البناء، والفرق بين السلوك الإنساني والسلوك الحيواني: أن الأول يهدي إلى الرشد ومكارم الأخلاق ورعاية القيم، والثاني يقود إلى النظرة السوداء المتخمة بالكره، المنتفخة بالوهم، وينتج عن ذلك ازدراء تراث أمتنا وثوابتها، والناس معادن منها الأصيل المتألق، ومنها الخسيس المتدني، وكل فرد يضع نفسه في المكان اللائق به، وما المرء إلا حيث يجعل نفسه.
***
والمتعجرف الذي يظن أنه بعنجهيته وغروره يستطيع أن ينال من مجد الأمة التي ينتسب إليها بهجوه لها، فإنه لا يهجو سوى ذاته، وإن رمى أمته بحجارة فإنها ترتد إليه، وهي لا تنال من الأمة وإنما تعود عليه.. وكان ينبغي على مثل هذا المسكين أن يدرك أنه مهما أوتي من علم فهو قليل، وما توصل إليه من معرفة فهي محدودة، والجاهل هو الذي يصاب بالاستخفاف بتراث قومه إذا كان ينتسب لهم حقاً.. وننصحه أن يراجع نفسه وأن يتجنب التطاول الجارح الذي يقوله أو يكتبه، فالكلام مرآة نفس المتكلم، والذي يخطئ بالتجديف في حق أمتنا وأصالتها عليه أن يعود عن خطئه وأن لا يتمادى في ضلاله. ونحن نرجو أن يعود إلى رشده فيعتذر عما صدر منه، ومن عاد إلى قافلتنا فهو فرد منا. حاد عن الطريق ثم اهتدى، ومن اتبع هواه وانساق وراء صلفه فإنه لا يجني إلا على نفسه، وسيظل بهذا الجنوح يعيش معزولاً عن مجتمعه. داخل دائرة مغلقة من تضخم (الأنا). يدور حول نفسه ضمن إطارية ضبابية معتمة من عبادة الذات!! ولا يعوق قافلة الأمة في مسيرتها: مظاهر العقوق والتجني من بعض أفرادها، فهؤلاء الأفراد ينتهون والقافلة تسير.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
مكاشفة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved