الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 7th April,2003 العدد : 6

الأثنين 5 ,صفر 1424

بين رأيين
بين النقد الأكاديمي والصحافي
الجاسم: النقد الأكاديمي مدرسي ضيق الانتشار والناقد من خلاله يسعى للترقيات
الشدوي: لماذا يقاتل النقاد في سبيل تأكيد أنهم قادة الفكر الأدبي؟

* إعداد سعيد الدحية الزهراني:
النقد خارج أسوار الجامعة وداخلها أو نقد الناقد الأكاديمي ونقد الناقد غير الأكاديمي «الصحفي» هو ما طرحته زاويتكم «بين رأيين» حيث تمحور ما طرحته حول تساؤل كان نصه «هل من الضروري أن يحمل الناقد الدرجة الأكاديمية كي يحظى نتاجه النقدي بالقبول والاعتراف؟» وما أبرز الفوارق ما بين الناقد الأكاديمي والناقد غير الأكاديمي؟، وما الأبعاد التي يمكن الكشف عنها من خلال هذه القضية؟.
«بين رأيين» التقت كلا من الروائي أحمد بن علي الشدوي والناقد القاص ناصر الجاسم .. فكان رأي الروائي الشدوي كما يلي:
النقد حرفة الدارسين، والأدب حرفة الموهوبين، والمكان واحد هو النص الأدبي. وكل من الاثنين يلزمهما معرفة بعض من أدوات الآخر، فالأديب يلزمه الاطلاع والدراسة والناقد يلزمه قدر من الموهبة. والاطلاع والدراسة يمكن الحصول عليها لكن الموهبة بعيدة المنال لمن لا يملكها، ولذلك لم يعد مستعصيا على الفهم طرح السؤال: لماذا يقاتل كثير من النقاد في سبيل تأكيد أنهم قادة الفكر الأدبي؟ وانهم وحدهم المعنيون بالحكم على الإبداع؟..
والمشكلة عندي ليست في ذلك، بمعنى ليست المشكلة في من يكون الحاكم بأمره، لكن المشكلة فيما أدى إليه ذلك. والأمر يمكن تلخيصه في الآتي:
إن اختلاف مشارب الدراسة في مجال النقد فتح الباب واسعاً أمام انتشار عدد النقاد، يقول الدكتور مصطفى ناصف في كتابه «خصام مع النقاد» بعض النقاد يبحثون عن أضواء تنافس لغة العلم، والبعض يبحثون عن أضواء تسير إلى حد ما في ركاب ما اصطلح على تسميته علما والبعض يقيم فلسفة غريبة لا تمجد مبدأ الوضوح والنور والهدف.... ويقول قبل ذلك ... لأننا نجد بين من جاء ببعض البحوث المترجمة في مجال النقد الأدبي، يتباهون بأنهم أتوا بما لم تأت به الأوائل ... ولهم في هذه الدعوة صخب يرتفع حتى يخلق غباراً كثيفاً، يشوه وجه الحقيقة التي تنادي بأن العقل الإنساني يحمل مشعل التنوير .... انتهى كلامه. ورغم ما قاله الدكتور إلا أنه يعود لركبهم فهو الحاكم بأمره حيث يعود للهجة تعالي النقاد المستترة حول السؤال الذي طرحته سابقاً فيقول: لا نريد أدباً ممسوخاً .. ميتاً لا حياة فيه. ومع الموافقة على ذلك لكنه لا تخفى من لهجته ما ذهبت إليه..
هذه المشارب المتعددة أفرزت عدداً ضخماً من النقاد وكادت رغم ذلك أن تكون ظاهرة صحية إلى حد ما إلا أن المشارب أفرزت تكتلات، وأصبح كل تكتل يضخم أعمال ما ينتمي إليه ويحقر الأخرى متجاهلين مبدأ النسبية الذي انطلقوا منه، حتى إذا ما ساد تكتل ألغى بقية المشارب الأخرى، كما نشاهده الآن في الساحة الأدبية السعودية، مما دفع ببعض المنصفين من المنظرين إلى الخوف من الإيغال في ذلك، فهذا الأستاذ عابد خزندار يحيل النص الأدبي إلى القارئ وليس للناقد للحكم عليه مع أنه من جيل المنظرين فيقول: نحن نبدع النصوص حين نقرؤها ... ونحن بالقراءة نقيم حياة النصوص أو نشهد موتها ...
أعود للقول: إن هذه الإشكالية أفرزت نوعاً مخيفاً من الطغيان الفكري جعل الكثير من المبدعين يكتبون في ظل الخوف من الدراسة النقدية، وبالتالي يكتب ويعدل فيما يكتبه ليسترضيها فتضخم ما كتبه أو على الأقل لا تهاجمه، فترى ما يكتب في الساحة متشابها، وتتساءل لماذا هذا التشابه فيكون الجواب ما قلته سابقا. هذا من ناحية والناحية الأخرى أشد مرارة، وقلما نجد من يقول بغير ذلك، إليك هذا السؤال: لماذا يعترينا الخجل من عدد الحضور حين نقيم أمسيات أدبية وبخاصة الروائية والقصصية؟ ولماذا يعترينا الخوف في تحمل نفقات إصدار عمل أدبي؟ وهل يمكن أن نعلق ذلك على شماعة أن عادة القراءة لم تعد مزدهرة؟ وهل نقنع بالقول، ان وسائل الإعلام الأخرى أصبحت أكثر جذباً للناس؟ وهل المقولة المسكينة تحمينا من هذا الخطأ الذي نصر عليه باسم النقد مقنعة، وهي أننا نكتب للمثقفين؟ أي أننا نكتب لأنفسنا؟ أم أننا في حاجة ملحة وسريعة وجادة وشفافة للمعالجة؟ وهل يمكن أن نسأل أنفسنا لماذا يستمر عدد من الفنون غير الأدب في المنافسة؟ ولماذا النقد الفني لتلك الأنواع الأخرى من الفنون لم يعد عائقاً بينها وبين النجاح؟ .. فلماذا لم نستهو وسائل الإعلام . بل إنني أشك في وجود علاقة بين زيادة عزوف القارئ عن العمل القصصي وما ينشر من دراسات نقدية..
إن النظريات الفلسفية التي لا تحقق النجاح في الحياة العامة تسقط فوراً مهما كانت متميزة في نظر مبدعيها ومهما كانت مثاليتها.
هذا الكلام ليس جديداً بل إن العلاقة بين الكاتب والقارئ شغلت الدكتور طه حسين فهو يرى أنه لا ينبغي أن نشغل أنفسنا بفلسفة التشريع للأدب وحسبنا من الأديب أن ينتج ما نقرؤه فنجد في قراءته هذه اللذة الفنية ... وكذلك كان ينظر الأستاذ العقاد أيضا ... ومع ذلك فان الأستاذ نجيب محفوظ يرى أن العقاد يتشدد كثيرا في نظرته للرواية على حساب الشعر يقول الدكتور جابر عصفور في كتابه «زمن الرواية» .. حسب القصة فخراً انها يسرت الممتنع من عزيز الفن للأفهام جميعا ويقول انه «أي العقاد» يحب كأجداده كهنة طيبة أن يبقى فنه سراً مغلقاً إلا على أمثاله من العباقرة فيما يقوله عند نجيب محفوظ ساخراً.
يقول الدكتور حمادي صمود في كتابه «في نظرية الأدب عند العرب» في مجمل كلامه عن علماء الأسلوب في النقد: ... وكالجري وراء حقيقة سرمدية يتضمنها النص يعد النقاد العدة للفوز بها دون غيرهم، ويكلفون أنفسهم ما لا طاقة لها به .. ويعجبني الدكتور يوسف العارف في كتابه أوراق الربيع حيث يقول: أما القراءة الواعية أي أن تؤول القراءة إلى ممارسة نقدية فإنها تعني خروجنا كقراء إلى النصوص والتفاعل معها ... وابتعادنا عن النقد البيروقراطي..
إن المشكل من وجهة نظري ليس أن يحصل الناقد على الدرجة الجامعية، أو أن يكون غير أكاديمي، بل المشكل الذي بحاجة إلى معالجة سريعة هو النقد في حد ذاته على الساحة المحلية والساحة الأوسع، ولست أعلم إن كان يلزمني أن أكرر ما ذكرته سابقا في مناقشة في صحيفتنا الجزيرة من أن النقد برمته لا يجب أن يضع منهجاً محدداً للعمل الأدبي بل عليه أن يأتي لاحقاً للعمل، فالنقد عليه تطوير ذاته لاستيعاب الأعمال الأدبية وملاحقتها وإبرازها، أي عليه أن ينتقل من مفهوم الخطاب النقدي إلى الخطاب التحليلي وليس إلا، فقد انتقل الخطاب النقدي في جميع الفنون الأخرى غير الأدب إلى التحليل، وبالتالي يمكنه مساعدة المتلقي، ولم يعد موجوداً أي خطاب نقدي خلاف النقد الأدبي يعامل المتلقي معاملة الطفل مما أبعد القارئ الذي كتب العمل من أجله عن القراءة..
إن الجهود التي يقوم بها الدكتور حسن النعمي في نادي القصة بجدة هي بداية مبشرة بخير في هذا الاتجاه، ولكنه جهد المقل ولا تزال التجربة تعمل على استحياء بل وتجد مقاومة حتى من بعض الروائيين المعروفين الذين لم يتنبهوا بعد لهدفها، ويمكن أن نضرب مثلا على ذلك: فعند قراءة رواية فيضة الرعد للروائي عبدالحفيظ الشمري انهمك الثنائي المكون من المبدع عبده خال، والأستاذ علي الشدوي في إبراز ما يريانه من سلبيات للرواية لم تكن منصفة من وجهة نظري، ولكن تأثرهما بالتكتلات جعلهما يعتقدان ان ذلك منصف، وسريعاً ما تنبه الروائي عبده خال فاختتم المناقشة بعبارة فرحت لها كثيراً حينما قال: أنا لست محايداً في قراءتي هذه، ولا يزال الأستاذ الناقد علي الشدوي «لم يدرك أبعادها» فيما أظن. وليته «الأستاذ علي الشدوي» وغيره من نقاد التكتلات يفهمون شيئاً بسيطاً أن هناك ذهباً آخر يحفر فوقه الآخرون، وربما كانوا هم الذين يحفرون بجوار الذهب.
أما الناقد الجاسم فكان رأيه كما يلي:
بداية أن يكون النقد الأدبي نوعين اثنين، ذلك يفترض أن يكون الإبداع الأدبي نوعين اثنين أيضاً، نوع يكتب ويعد للنقد الأكاديمي، ونوع يكتب ويعد للنقد الصحافي، وهذا التقسيم الافتراضي لا أقبله ولا أتمنى حدوثه لإيماني التام بأن العملية الأدبية والنقدية يستحيل أن تخضع لتخطيط مسبق، وإن حدث وتم ذلك فمعناه أن مشروعاتنا الإبداعية نقدية كانت أو أدبية، فهي مريضة منذ الولادة، وأنها مشروعات قصدية التوجه، ومرضها وقصديتها ينحصران في انتاجيتها السلبية المتمثلة في خداع القارئ وتضليله ووقف نموه الفكري وإفساد ذائقته ليصبح غبياً بأثر الكلمة الموجهة والكلمة المريضة المعلولة، ولا يعني ما ذكرته سابقاً من أن النقد الجاد المصحح والمطور والمواكب فعل يأتي من الناقد الأكاديمي والناقد الصحافي، وتبقى عملية تقييم النقد راجعة لعنصرين اثنين مستفيدين منها، وهما القادران وحدهما على تشخيصها وأعني بهما المبدع صاحب الإنتاج الإبداعي شعراً أو نثراً أو رسماً والقارئ المستمتع بهذا الإنتاج، في حين انه يجب على المؤسسة الأدبية أو القنوات الأدبية بكافة أشكالها أن تتيح الفرصة للناقد الأكاديمي والناقد الصحافي في أن يعملا وأن يظهرا مشروعاتهما النقدية عبر منابرها، وان تجعل حصص الظهور متساوية، وألا تفضل أياً منهما على الآخر، فعوامل تفوق أي منهما على الآخر مرهونة بجده ونشاطه وتنوعه وتخصصه واختلافه ومتابعاته، لا بدرجة العلمية التي حصل عليها، ولا بالمؤسسة العلمية التي ينتمي إليها، ولا باللغات التي يجيدها، ولا بالمكان الذي حصل منه على الدرجة العلمية، ولا ينبغي من المبدع أياً كان الجنس الأدبي الذي ينتج فيه أن يقول: أيها الناقد الأكاديمي كم أكهرهك؟! أو يقول: أيها الناقد الصحافي كم أحبك؟!، بل عليه أن يردد دون تحديد أيها الناقد كن نزيهاً وعادلاً!!
ويتضح الفرق بين الناقدين الأكاديمي والصحافي في أن نقد الناقد الأكاديمي أكثر علمية ومنهجية وضبطاً بحثياً، أي انه نقد مدرسي محكوم بأعراف وثوابت لا يمكن الخروج عنها، مما يجعله نقداً ضيق الانتشار، فهو ينشر في مجلات محكمة ومحددة، والناقد من خلاله يسعى للترقيات العلمية أكثر من سعيه لخدمة المبدع أو الارتفاع بثقافة القارئ، فهو يأتي لخدمة الناقد نفسه أولاً ثم لخدمة الآخر، أما نقد الناقد الصحافي فانه يأتي خالياً من صرامة المناهج البحثية، به مساحة كبيرة من الحرية الشخصية، ويمتلك فرصا أفضل للذيوع والانتشار والوصول إلى الآخر، ولعل أبرز نقاط الحرية تلك الحرية التي يجدها الناقد الصحافي في استخدام اللغة بكافة مجازاتها واستعاراتها، أي أنه ليس محروماً من البلاغة!!.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved