الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 7th April,2003 العدد : 6

الأثنين 5 ,صفر 1424

علامة
اللحاف
نورة الغامدي
كلنا يعرف ماهية لفظة «يتم» «فاليتم» في القاموس العربي هو الذي فقد والديه أو أحدهما.
وفي عرف الشعراء والمتأدبين «ان اليتيم يتيم العلم والأدب» وعبر الزمن أخذ اليتيم معنى سطحيا في مفهوم الجماعة وهو الفقد كما قلنا للوالدين أو لأحدهما.
ومع الوقت ركنت اللفظة وأصبحت العين تعبرها والاذان تتجاوزها، وكما تركن الأشياء وتستهلك.. استهلكت اللفظة واضمحل أثر معناها وبالتالي توارت هيبتها.. وقست قلوب الناس إلى درجة ان كلمة «يتم» لا تمس الوجدان بالقدر الذي تستحقه.. ولن أخوض في موضوع «اليتم» بقدر ما سأعرض تساؤلاً بسيطاً على كل من يملك حسا خاصا نحو أشيائه البسيطة التي تنبهه لو اعتنى بها إلى اكتشاف أعماقه المغيبة حتى عند ذاته هو..
ذاته اليتيمة منه.. اللاشعور الخفي القابع في ظلماته التي استهلكتها أضواء الصحو وايقاع الركض اليومي ومن هذه الأشياء البسيطة «اللحاف» الذي يلف التعب من ارتعاشات الغفوة الأولى وقت الدخول إلى ظلمات الموت الصغير وكسر كل قيود عالم الصحو وقاموسه الذي يشمل روتين المنزل وشغب الشارع وضغط العمل.. ففي تلك اللحظات المستورة عن عين الرقيب البشري.. تتجلى صورة النفس التي بين اضلعك وتأخذ مساراً آخر.. قد يختلف من شخص لآخر ولكن الامتياز يتمحور في كيفية القبض على اللحظة.. تلك الجوهرة التي لا يعرفها الكثير.. وبدء امتلاكها وقت ان تدخل جسدك في قلب اللحاف.. ولعل القلة من البشر هم الذين يتعلقون بتلك القطعة من الاثاث وهؤلاء القلة يرفعونها إلى مستوى المؤنس فوق العادة بل انه العضد والصوت الهامس الذي يستنهض ما ركد من مشاعر عبر اليوم أو حتى خلال أشهر أو سنوات فتختلط الذكريات بالآلام.. والامنيات بالمستحيل.. والجوع بالشبع والمرض بالرضا وتتداعى الأصوات الحاضرة بالتي ذهبت.. وكلما تجمهرت جحافل جمال ايامك بعذاباتك.. ازددت ضعفاً فتتدثر «باللحاف» الشيء الذي يأخذ من الجو المحيط حالته ومنك طباعك. وأول شيء ستتعلمه من أشيائك التي تستخدمها هي لغة الانصات إلى نفسك وإلى داخلك متحللاً من كل عوامل التعرية الخارجية.. وستتعرف إلى الآخرين بتركيز وهدوء بعيداً عن التوتر باستعادتك للأحاديث الجانبية التي تهمشها في واقعك الحي.. فتنطلق باحثاً عن نفسك بين العوالم والأشياء التي تعتقد انك تملكها بينما هي تملكك.. ستجد انك من أولئك الذين يشدون اللحاف إلى أجسادهم بقوة.. أو من أولئك الذين يتلمسون برودته محاولين اخفاء نار أجسادهم وحرارة أقدامهم.. بل ربما لاحظت انك تلفه حولك قابضاً عليه من كل الاتجاهات وأدنى حركة قد تجعلك تعتقد ان جزءاً منك عار منه فتعيد لف جسدك المرة تلو المرة بقلق لا يهدأ.. وآخرون قد يقذفون «باللحاف» بعصبية تحت أقدامهم.. وأولئك هم الذين لا يستحقون المساعدة حتى من قطعة أثاث يملكونها.. انها لحظات مهما اختلفت طبائع البشر المحسن والمسيء الطيب والشرير لابد ستنتابهم ورغماً عن ذلك هم مختلفون.
إذ من المحتمل ان تكتشف ذاتك والآخرين وبمجرد ان تصحو تنسى كل وصايا اللحاف.. والبعض يكتشف نفسه كل يوم لكن يدس صوره المكتشفة أيضاً في اللحاف على أمل ان يجد صوراً أخرى أجمل.. وآخرون قد يعدون ما يحدث هاجساً.. أي موقفاً وانتهى فلا يعني لهم أكثر من.. لو أني فعلت كذا ولم أفعل كذا والمصيبة لو اكتشفت انك حمار. لم تفكر يوماً في أجمل الأشياء في حياتك البسيطة «لحافك» الذي يستر عورات النوم.. فأنت وللأسف «يتيم» ومهما كنت فستموت يوماً ميتة غبراء.. وعليك وعلينا السلام.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved