الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 7th April,2003 العدد : 6

الأثنين 5 ,صفر 1424

متى يجدون العامل المشترك بينهم؟
التشكيليون بين موروث غني وفن مستورد يطمس الواقع

* كتب المحرر التشكيلي:
وجد المتخصصون في حفريات الآثار ان المملكة تزخر ببقايا حضارات عظيمة سكنت أرضها على مدى عصور بعيدة اضافة الى علاقتها بالحضارات المحيطة، برز من خلالها ما تزخر به تلك الآثار من ابداعات بصرية كبيرة تتنوع من منطقة الى أخرى، بناء على تواجد أي من تلك الحضارات خصوصا التي قامت على المياه أو بالقرب من الأنهار اضافة الى ما أصبح سمة من سمات مرحلة لاحقة من مراحل التغير والتبدل في أنماط البناء وأشكاله اضافة الى ان غالبية من كان يعيش في أكبر مساحة على أرض الجزيرة العربية هم من قبائل العرب الرحل الذين تجبرهم ظروف معيشتهم المعتمدة على تربية الإبل والخيل والأغنام الى التنقل من موقع الى آخر بحثا عن الكلأ والماء ثم كان للكثير منهم الاستقرار بحثا عن مصادر آخرى ومنها الزراعة ما يعني ان هناك موروثاً ابداعياً بصرياً يمكن استخلاصه من وجود مصدرين على النحو التالي:
* الموروث البصري من نقوش ورسوم ومنحوتات من بقايا آثار الحضارات السابقة وما ترتبط به من علاقات منها ما يسبق العصر الإسلامي ثم ما طرأ عليها من تغير وتحوير في العصر الاسلامي تبعها مراحل أخرى أقل زخما وتوظيفاً للرسوم والنقوش والمنحوتات الى ان وصلت الى مرحلة استقرار الكثير من القبائل الرحل وشروعهم في البناء بأنماط أقل كلفة وأكثر تبسيطا في الشكل فظهرت بيوت الطين في نجد أو على السواحل البحرية والبيوت المبنية من قطع الحجارة في المناطق الجبلية.
* الموروث الأدبي أو ما يمكن تسميته بالموروث الملسون أو المنطوق ويتمثل فيما اشتهر به سكان الجزيرة العربية وهي الرواية والشعر والأساطير ولنا الآن ان نتحدث عن الواقع الحالي عن الفن في المملكة تخصيصا وتحديدا لحقبة زمنية تأتي تباعا لسابقاتها مع الأخذ بالتغيرات في واقع الحياة وانتقالها من مرحلة التفكك والضياع الى مرحلة الاستقرار الأمني والمعيشي وهنا يجب ان نقف كثيرا عند كلمة استقرار وما تتضمنه من أمن وأمان في كل مناحي الحياة وبما ينعكس بسببه على الواقع الاجتماعي والاقتصادي ومن ثم ما ينتج عن ذلك من تأثير في مجريات الحياة لنصل الى بيت القصيد وهو الفنان التشكيلي والفن التشكيلي السعودي الذي يأتي نتاج الحضارة المعاصرة بعد توحيد هذا الكيان، فالاستقرار والشعور بالأمان هما أبرز بل أهم مؤشرات بناء الانسان لتأتي بعد ذلك مرحلة بناء الوطن شكلا ومضموناً.
وإذا عدنا للبحث عن كيفية استلهام المرجعية البصرية المباشرة أو ما يأتي ايحائياً عبر الأدب في الجزيرة العربية التي تشكل المملكة أكبر مساحة جغرافية فيها لوجدنا ان بامكان الفنان التشكيلي المحلي الخروج بنمط وخصوصية متميزة ومختلفة بين بقية الأعمال الفنية العربية الأخرى إلا ان هناك بعض من مسببات ابتعاد الفنانين عن البحث والتجريب والتعرف على مفردات ذلك الموروث الغني بكل العناصر شكلا ومضمونا وتاريخا وبقائهم على تكرار نمط ومفردات وعناصر تمثلها أنماط الزخرفة الشعبية التي استخدمها المعماريون الشعبيون في الفترة المتأخرة بما تظهر لنا من أشكال في تكرار المثلث أو الزهرة المحورة في الأبواب الخشبية أو ما يتم نقشه على الجص مع ما يتم توظيفه من أشكال المصنوعات اليدوية مثل الأدوات الزراعية أو أدوات الطبخ والزينة مما تركه الأجداد من بقايا ما كان يستخدم في حياتهم اليومية وهذا بالطبع لا يشكل الهدف الذي نبحث عنه وهو أعماق ما خلفته الحضارات أو ما يمكن استلهامه من الموروث الأدبي مثل ما نشاهده من توظيف لها في الفنون اليابانية والصينية باعتبارها المثال الحقيقي للتمسك بالموروث وقد يكون وراء هذا البعد عن منابع استلهام الكثير من المسببات منها:
* أسلوب التعليم في مجال التربية الفنية منذ اقرارها في مناهج التعليم العام والاعتماد على المعلمين الوافدين من دول شقيقة جاءوا مفعمين بموروثهم أو بقدراتهم الخاصة ليتم طبعها على المتلقي الذي تشكل منه الجسد التشكيلي لاحقا فعلق في ذاكرة الفنانين تلك الكيفية التي تناول بها أولئك المعلمين أعمالهم وكانت مرحلة معهد التربية الفنية من أهم وأكبر المراحل زخما في عدد الخريجين ومستوى العمل اضافة الى اعتبارها بداية اقامة المعارض الفردية تلاها المعارض الجماعية بشكل رسمي تولت الاشراف عليه الرئاسة العامة لرعاية الشباب.
* افتقار الفنانين للثقافة المستفيضة عن الآثار التي تزخر بها المملكة ومن عصور بعيدة وبما تحمله من مضمونات وأنماط وأشكال تهم الفنان وتفتح له آفاقاً جديدة وتدفع إلى إيجاد السمة الحقيقية للفن التشكيلي اعتماداً على مرجعية موثقة ومرتبطة بتاريخه وبحقباته المتعاقبة.
* افتقار الساحة إلى الآلية المعرفية من الكتب والدراسات والبحوث أو الندوات والمحاضرات ممن لهم قدرة على تقويم المسيرة التشكيلية في خضم ما يمكن ان يطرأ عليها من تغيير وتبديل تأثراً بكل جديد ومحاولة للتعريف بالكيفية التي يمكن ان يكون عليها الابداع المنتمي إلى مرجعية تراثية في كل الجوانب المكانية والزمانية مع تأكيد أهمية المعاصرة والتطوير.
* اندفاع الأجيال الجديدة خلف تجارب سابقة لنهج حديث جاء به من تلقى تعليمه الأكاديمي خارج الوطن من المحملين بثقافة بصرية غربية سطحية الفكرة والهدف وساذجة في الشكل سعياً منهم إلى تغطية نقص القدرة على الابداع الحقيقي فتوقع أو توهم الآخرون ممن اتبعهم أن هذا هو الابداع وهذا ما يحقق النتائج والأهداف.
«أعمال تستحق الاحترام»
ونحن هنا لا نغفل الكثير من الأعمال التي لامست ما نبحث عنه ولو بالشيء اليسير من كيفية توظيف الواقع المحلي حتى ولو كان زمنه قريباً ولم يستفد مؤدو تلك الأعمال من مرحلة سابقة من التاريخ وما تحمله من رموز استلهمت مما ترك لنا في أشكال الرموز والرسوم تمتلئ بها المواقع الأثرية في بلادنا الا أنهم لامسوا ما نبحث عنه وهي الخصوصية المحلية في العمل الفني، ومن هؤلاء على سبيل المثال الفنان عبدالله حماس برموزه المختزلة البسيطة في خطوطها القوية المعبرة عن النمط المحلي خصوصاً ما تمتلكه المنطقة الجنوبية من خصوصية في الثقافة البصرية والفنان عبدالله الشيخ ومعالجته للشكل العام لواقع الحياة الاجتماعية أو لأنماط البناء ومنظومة عناصر بيوت القرية وتوظيفه لعنصر النخلة أو الإنسان بتشكيل متميز إضافة إلى ألوانه المستقاة من تضاد الواقع الصحراوي بين الباردة والساخنة بتآلف جذاب. كما نجد في أعمال الفنانة بدرية الناصر روح الحياة الأسرية والعلاقات الاجتماعية بشكل شاعري غير مباشر أو منقول بأسلوب فوتوغرافي بقدر ما أضافت إليه شيئاً من خصوصيتها فتحقق لها كيفية توظيف عناصرها لخدمة الفكرة كما للفنان عبدالجبار اليحيا علاقة وطيدة بألوان الصحراء وإيحاءاتها وبحثه الجاد في التعبير عن الأبعاد الإنسانية كما نجد ذلك في أعمال الفنان عبد الحليم رضوي الذي يخرج لنا لوحاته بنسيج مكتمل التلاحم ألواناً وخطوطاً وعناصر يستخلصها من واقع البيئة الغربية بكل جمالها مؤكداً بصمته وخصوصيته الشرقية عامة والمحلية في الحجاز بشكل خاص أما الفنان علي الرزيزا فقد جعل من أنماط البناء في نجد وما تشتهر به من نقوش وزخارف منطلقاً للبحث واستخلاص المكونات بتكوين وأداء جديد ناقلاً لها من أسطح الأبواب وواجهات المباني إلى اللوحة داخل المنزل المعاصر الحديث.
وعلى الرغم من وجود ما يشابه هذه النماذج في الساحة ممن استطاعوا تحديد كيفية توظيف معطيات خصوصية الموروث البصري المحلي الا أنها لا تزال قاصرة وما زال هناك الكثير من المسافة بين ما يطرح وبين الكنوز الكبيرة من المرجعية التراثية البصرية بجانب عدم وجود أي توظيف للأثر الأدبي من الشعر والأسطورة الشعبية التي كانت ولا تزال منهلاً عذباً لغالبية العرب وفي مقدمتهم الفنانون المصريون المعاصرون.
«دور التقويم والتحكيم في المعارض»
وقبل ختام هذا الإيجاز حول عدم الاستفادة من الموروث وتوظيفه في العمل التشكيلي المحلي نعرج قليلاً على لجان التقييم أو التحكيم الذين يقعون في كثير من الأخطاء حينما يندفعون في منح الجوائز العمال، والبعيدة كل البعد عن البحث والخصوصية ويتعاملون مع مبدأ التجديد دون وضع أي قياس لهذا التجديد وكيف يتم العمل به حتى وصلت الأعمال المشاركة في المعارض إلى مرحلة ضياع الهوية كما أصبح الإبداع المستورد الغالب على كل ما يمكن أن يوصف بالجديد.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved