الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 7th June,2004 العدد : 62

الأثنين 19 ,ربيع الثاني 1425

حقوق المرأة.. ليست حركة (فيمينزم)
سهام القحطاني
* أولا: (الإصلاح هو مبدأ التغير، هكذا يجب أن نبدأ الطريق).
لأن لحظة اليقظة قد تتحول إلى عدم إذا لم تقدم من خلال رؤية إصلاحية، وهذا ما يحوّل تلك الرؤية إلى فعالية، والفعالية روح الإصلاح، إنه نسق متتابع داخل الرؤية ذاتها وفق نظام تتمركز فيه الأشياء حول فكرة واحدة، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} هكذا بنى المنهج الإسلامي تمركزه حول الفكرة الواحدة، ثم صاغ لها أنظمة هي بمثابة الروابط التي تنسق العلاقات بين الوظائف وغائية فكرة التمركز، حتى تطرد حتمية التطور المحرك لقانون الخلافة في الأرض، والتبادل الوظيفي بين الرابط والمحور مكانيا أو زمانيا، أو إلغاء أحدهما هو ما يخل بديناميكية النص التشريعي، وهنا تتبلور إشكالية الإصلاح الاجتماعي، أقصد (النص التشريعي) فعلينا أن نفرق أولا بين متن النص والاشكال الإجرائية للتطبيق، فالأول ثابت والثاني متغير، والخلل عادة مصدره المتغير لا المثبت، إذ أخذنا في الاعتبار أن الظروف الاجتماعية في عمومياتها أو تفاصيلها ذات صبغة مشتركة في المجتمعات الإنسانية، أي الإطار التنفيذي، وهو إطار رغم اشتراكات الظروف الاجتماعية يختلف باختلاف ألفة المجتمع بالنشاط المرتبط بذلك الإطار أو ما يسمى بالعقد الاجتماعي، أي الخضوع لقواعد ومعايير ضمن اتفاق منظم مسبق للجماعة، والخطورة هنا عندما يتحول العقد الاجتماعي إلى نص تشريعي بالإزاحة.
إن قدرتنا على استيعاب تفاصيل الأشياء وتمحيصها تظل مرهونة بما نعتقده من تأويل ظاهر للنظم التي ننتمي إليها والتي تغير الكثير من ملامحها مع التقادم لتأخذ ملامح العرف الاجتماعي الذي يشكل وعي المرء، في حراك مستمر يبتعد تدريجيا عن أصل نص النظام، والاستمرار في التباعد يؤدي إلى قطع سند رواية النص الأصلي، مما يتيح امتلاء مساحة الفراغ الطويلة ما بين نقطة نص النظام الأصلي والحالة الحاضرة كموروث، إلى العديد من التأويلات أو الاستقراءات المغلوطة بصرف النظر عن مسوغ الخطأ، وخطورة هذا الأمر يكمن في إحلال تلك التأويلات والاستقراءات محل النص الأصلي، بل وقد يتحول من مجرد تأويل أو استقراء إلى نص منتج لقيم ومفاهيم وإيديولوجيات قد تتفق وقد تختلف مع أصلية النص الأول بعد إزاحته المقصودة كنتيجة احتكاك مضاد بين النص الأصلي والنص المؤول، وهذا بدوره يؤدي إلى تبادل جبري لسلطة النظام المشكل لمرجعية الفرد، فتظهر سلطوية النظام الاجتماعي وتتراجع سلطوية النظام الديني، ويصبح المجتمع المشكل الأول لطاقتي الوعي واللاوعي لمرجعية الأفراد والمتحكم المباشر في تكوين وتنفيذ أفكار ورؤى وسلوكيات الفرد، وهذا ما يجعل رؤيتنا للكثير من الأفكار عاجزة عن اختراق الجبل الحاجز بين فاصل الظلمة والنور، لأن جدلية البحث تعتمد على نصوص مؤولة لا أصلية وهذا ما يجعل مقدماتنا ونواتجنا غير سليمة أو واضحة المرجع المعطى الثابت، (في ضوء أن النص المحكم غير قابل للتأويل كالنص البياني) لذا يظل فهمنا غير مكتمل للقضية التي نناقشها في هذا الضوء.
إن محاكمة رؤى الأفراد وأفكارهم وسلوكياتهم تعني محاكمة مباشرة للنظم المتموضعة التي ينتمون إليها ويتشكلون من خلالها، وقضية حقوق المرأة المسلمة من القضايا الاجتماعية المتشابكة والغامضة، لا لكون مسوغ ذلك غموض التشريع الممنهج لتلك الحقوق في الإسلام، فالتشريع واضح وصريح، بل لكون سلطوية النظام الاجتماعي بنصوصه المؤولة التي أزاحت أصلية النص الديني ومزجته بنصوص تأولية غذت العرف المحلي والقانون الخاص للجماعة في بلورة طبيعة الدور الوظيفي والتواجدي المحجم للمرأة هو من خلق ذلك التشابك والغموض، وهكذا نرى أن النظام العرفي الاجتماعي في كثير من الدول الإسلامية هو من كوّن دستور تشريع تواجد المرأة وهو دستور يبتعد كثيرا عن روح حقوق المرأة التي كفلها لها الإسلام ونظرها للقيام بوظيفتها الاستخلافية مجاورة لوظيفة الرجل في إتمام النسيج الحضاري للأمة، إ ن مفهوم الحضارة الحقيقية التي مثلها الإسلام في عصوره الزاهية، كان قائما على التزاوج بين نظرية التشريع والفكر والنص والتطبيق من خلال الفعل والسلوك والإنجاز، وتكاملية النظم لا تتم إلا بهذين الأمرين.
* ثانياً: عليّ أن أنبه إلى حقيقة مهمة وضرورية وهي أننا عندما نطرح حقوق المرأة فوق طاولة الحوار، لا نقصد أن نحول الأمر إلى حركة Feminism أو Womanism، ولا أريد أن أدخل في مقارنة بين الأنثوية (Feminism) والنسوية (Womanism)، لأن الاختلاف بينهما اختلاف فكري فالأولى ليبرالية والثانية راديكالية، وكل منهما تستقي تشريعاتها من انتمائها الفكري، أقول لا أريد أن تتحول مطالبتنا لحقوق المرأة أو تتشكل كحركة أنثوية، بل وأحذر من ذلك، لأسباب عدة، أوجز الحديث عنها، وهي:
1 بدأت الحركات النسائية نهاية القرن التاسع عشر، وبدأت بالمدرسة الراديكالية المتطرفة، نتيجة الثورة على الكنيسة، ثم لحقتها حركات التحرر النسائي.
وتعرف الأنثوية الراديكالية (Feminism) بأنها حركة اجتماعية فكرية سياسية متعددة الأفكار والتيارات، ظهرت في أواخر الستينيات من القرن التاسع عشر، تسعى للتغيير الاجتماعي والثقافي وتغيير نمط العلاقات بين الجنسين، وصولا إلى المساواة المطلقة كهدف استراتيجي، وتتسم أفكارها بالتطرف والشذوذ، وتتبنى صراع الجنسين وعداءهما، وتهدف إلى تقديم قراءات جديدة عن الدين واللغة والتاريخ والثقافة وعلاقات الجنسين، وتطورت الحركة الأنثوية في منتصف عام 1989م، حينما طالبت توسيع فرص التعليم والمساواة القانونية، وحقوق المرأة الضائعة، ولعل سوء أوضاع المرأة في الغرب عامة، ومع تطور الثورة الصناعية في المجتمعات الغربية، ونظرا لحاجة المصانع لمجهودات المرأة، تبنت الحركة الأنثوية أفكارا أكثر تحررا، وحطمت كافة القيود الأخلاقية والاجتماعية المحيطة بالمرأة، وتبنت مطالبتها حق المرأة المطلق في ممارسة الجنس مع من تحب وتشتهي، ورفض مؤسسة الزواج! كما تبنت الحق المطلق في الإجهاض.. وانطلقت تلك الأفكار من رؤية أساسية تبنت تلك المدرسة أمثال: (سيمون دي بوفوار)، التي تقول: (لا يولد المرء امرأة، بل يصير كذلك)، إلى أن تطورت أجندة الحركة الأنثوية الأمريكية لتشمل تكثيف الضغط على الحكومة والكونجرس للتصديق على اتفاقية (مكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة ب(Cedaw).
أما الليبرالية الأنثوية فقد تبنت أفكار المساواة في الأجور والفرص، واقتصرت على قضايا الحقوق السياسية، كما تفسر الليبرالية الغربية طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، انطلاقا من كون المرأة ضعيفة من حيث القوة العضلية والفيزيائية، فالرجل بقوته البدنية يقوم بإخضاع واستعباد المرأة، كما يرفض (جون ستيوارت ميل) أحد منظري الليبرالية فكرة الزواج وقانون الأحوال الشخصية.
2 علينا أن نستفيد من دروس الآخرين، هذا أول درس في الرؤية الإصلاحية الفعالة، وألا نكرر أخطاء التجارب الفاشلة، لقد أثبتت الحركات الأنثوية والنسوية فشلها الإصلاحي ضمن الاتحادات النسائية وأخص بالذكر الاتحادات النسائية العربية في كل من مصر وسوريا والسودان والكويت، وعلينا أن نفرق بين الحركة النسوية والبرنامج الإصلاحي، وتعتبر الأردن نموذجا ناجحا للبرنامج الإصلاحي، وأنا هنا لا أرفض مبدأ الاتحاد النسائي على العكس أنا أطالب به، كما سأوضح لاحقا، لكن ضمن ضوابط.
3 (النص التشريعي) تقوم الحركة الأنثوية أو النسوية بمطالبة تأليف نص تشريعي لحقوق المرأة، فإذا عرفنا أن هذه الحركات تنقسم إلى ما يقارب العشرين فئة منها الليبرالية النسوية والراديكالية النسوية والماركسية النسوية والشيوعية النسوية والديمقراطية النسوية والوجودية النسوية والعلمانية النسوية والرأسمالية وغيرها ولكل فئة من الفئات السابقة مطالب خاصة لتأليف النص التشريعي، وهذا بدوره يزعزع ثبوتية قانون الحق، مما يضر بوحدة المجتمع، إضافة أن هذه الحركات قد أثبتت فشلها في الغرب منذ منتصف الستينيات.
* ثالثا: إن من الخطأ بمكان عندما نتحدث عن حقوق المرأة المسلمة أن نجرد حديثنا من خصوصيتها العقدية كمسلمة، فالإسلام يتميز بعالمية التشريعات بما فيها حقوق المرأة المادية والمعنوية، واللجوء إلى تشريع وضعي آخر غير الإسلام، ليس هو الإنقاذ بقدر ما هو الضياع المؤكد، إن حقوق المرأة المسلمة المهمشة اجتماعيا وسياسيا وثقافيا ومهنيا، في العديد من المجتمعات الإسلامية بما فيها السعودية، هي محصول سببين، أولهما، إحلال المجتمع النظام العرفي بدلا من النظام الديني، وثانيهما، عدم استيعاب الفرد للنظام الاجتماعي في الإسلام، وكلا السببين ناتجهما موحد الصيغة، وهي ضياع حقوق المرأة في ظل النظام العرفي للمجتمع.
إن فهم واستيعاب ومعرفة حقوق المرأة التي كفلها الإسلام لها هي الخطوة الأولى التي تمكن المرأة من تحقيق طموحها الإنساني كمؤثر ومغير ومطور للمجتمع، لذا أجد أنه لا بد من الوقوف أمام بعض الأمور لاستعراضها في هذا المجال. ولكن قبل البدء عليّ القول: إن اختلاف درجات استيعابنا للأفكار تتفاوت حسب اقترابنا أو بعدنا عن مركزية الرؤية، وهذا الاقتراب أو البعد بدوره هو المسهم في نشوء تشابك المعطيات والرؤى والاعتبارات التي تلتف حول تأكد أو عدمية يقينية الفكرة المركزية للجدلية المطروحة.
جاء الإسلام مكرما للإنسان كجنس وذات ونوع وعقل وسلوك، وموحدا لمؤسسي الحياة الإنسانية المرأة والرجل من حيث الكرامة والعدالة والمساواة في جميع مناحي الحياة، بعدما فرقت الجاهلية القديمة بين ذاتهما، واتهمت المرأة بنقص التكوين الفسيولوجي مقابل التكوين المتكامل للرجل، وبالشر والإثم والخطيئة مقابل الخيرية المطلقة للرجل، وبالعبودية الدائمة مقابل السيادة المطلقة للرجل، كانت المرأة جزءا من المتاع قابل للتوارث، هذا في حالة حماية القدر لها من كهف الوأد من أن كلا الأمرين من مشتقات الموت، ثم جاء الإسلام، فوحد عنصرية التكوين الفسيولوجي بين الرجل والمرأة كمبدأ أول لتنظير المساواة والعدالة بينهما، في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1) سورة النساء، ثم المساواة الإنسانية المطلقة التي ينظّرها قول رسولنا الكريم: النساء شقائق الرجال، ووجود الاستثناءات في عملية التقابل بين الرجل والمرأة في النظام الإسلامي، لا تعني إجحافا أو انتقاصا لحقها في الإسلام واستعلاء عنصر الرجل، كما لا تعني في المقابل تميزا ملائكيا للرجل، بل الاستثناءات تعني حالة مخصوصة مرتبطة بالقدرة المادية وليست العقلية كما يروج البعض أو النوع أو المسوغ، مثل القوامة والشهادة والقضاء الجنائي، لأن المرأة يجوز لها القضاء المدني ، وقد منح الإسلام المرأة المشاركة مناصفة مع الرجل في المسؤوليات والواجبات والتكاليف والعمل التوعوي سواء كان سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو غير ذلك من مجالات الحياة، ففي قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (71) سورة التوبة، وتتجلى لنا وجوب المشاركة في الفكر والعمل في قوله {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ومفرد أولياء ولي، وهو صفة يطلق بالتذكير على الرجل والمرأة وقد يؤنث فيقال ولية والأصح عدم تأنيثه ومشاركة نوعي المخاطب في تذكير الصفة، ومن معاني كلمة ولي (الشريك) وشمولية تعميم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للرجل والمرأة يعطيها حق المشاركة في نظام الحسبة، لأن الذكورة شرط غير معتبر للعمل في مجال الحسبة وفق الآية السابقة.
كما تتجاوز مشاركة المرأة للرجل في الإسلام حدود التنفيذ لتصل مستوى الشورى والتفكير واتخاذ القرار في جميع مناحي الحياة بما فيها السياسية، ففي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (38) سورة الشورى، والخطاب هنا موجه للمؤمنين عامة الرجال والنساء، وقد شاركت المرأة المسلمة في المشهد السياسي منذ أيام الرسول الكريم، بداية من بيعة العقبة، ومبايعة المرأة في العهد والدعوة والإيمان، الذي يثبت حقها الشرعي في المشاركة التفعيلية المؤثرة للمجتمع، قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (12) سورة الممتحنة، ونلاحظ أن الإسلام قد كفل حق المرأة في تفعيل دورها الحياتي بما يضمن لها وظيفة الاستخلاف بالتقابل مع الرجل.
* رابعا: لا شك أن من أهم مسوغات نجاح أي حوار جماعي، تحديد الأهداف والغايات، وهذا الأمر لا يتم بدوره إلا من خلال تكوين المرجع السابق للإشكاليات والقضايا التي نهدف إلى تناولها، وتحديد ماهيات تلك القضايا ودرجة قربها من محور التغير والتأثير هو أمر ليس باليسير كما قد يظنه البعض، لأنه يحتاج إلى مجهود مكثف من الكشف للقضايا الملامسة لفعل التغير التي عادة ما نخلط بين ملامحها.
والمرأة عنصر حيوي ومهم من عناصر تغير المجتمع، لذا كان من المنطق أن تمثل دورا حيويا في التحول الفكري الذي انتهجته المملكة لتفعيل التطور التوعوي والتثقيفي والأمني للمجتمع، لذا أرى أننا في المرحلة الأولى من هذا المشروع العظيم (تفعيل الحوار الوطني) تحتاج المرأة إلى التركيز على القضايا التأسيسية المثبتة لدورها الاجتماعي، مثل قضايا حقوق المرأة وحقوق الطفولة، ثم قضايا التنمية الاجتماعية والصناعية والزراعية والتربوية والفكرية والسياسية والعقدية، وكل هذه القضايا لابد أن تناقش تحت مظلة الحوار الوطني بمنطقية ووعي مع مراعاة الخصوصية العقدية وتهميش العرف الاجتماعي.
إن استيعاب قضية الأولوية في جدولة حوارنا أمر مطلوب، لأنه يعلمنا من أين نبدأ ويوفر علينا أو قل يقلل تجارب الخطأ عند البدء، إن قضايا نسبة الأمية بين النساء السعوديات والأضرار العلمية والتوعوية والتربوية للزواج المبكر للفتاة في القرى النائية والشذوذ الجنسي وارتفاع أنيميا المنجليا بين الأطفال وغيرها من أنواع الأنيميا وغياب المرأة السعودية عن العمل التطوعي والعنف الممارس على المرأة اجتماعيا واقتصاديا وجسديا، وتهميش حقوق المرأة العاملة، وغياب البرامج التربوية الأسرية، وغياب صوت المرأة في صناعة القرار الفكري للمجتمع وقصور المناهج التعليمية والنص التربوي في خلق المواطن الإيجابي، إن هذه القضايا التأسيسية لبنية التطور المجتمعي يجب أن تطرح في برنامج الحوار الوطني، كقضايا تحتاج إلى تفعيل ووعي وتطوير.
إن الغاية من الحوار الوطني، تفعيل الوعي المجتمعي ضد الأخطار الفكرية، وتحصينه بفكر ناقد ومفند وواعٍ كمشاركة في الدفاع الوطني وهذا يتبع تطوير مفهوم المواطنة الفعالة وخلق مسوغات الفرد الإيجابي تجاه وطنه والحفاظ عليه، كما يهدف الحوار الوطني إلى مساهمة المواطن في صناعة القرار الفكري الذي ينتجه ويتحمل مسؤولية تنفيذه وتطويره، وهذه الأهداف يجب أن تتبناها المرأة بصورة جدية نظرا لدورها التربوي كأم ومعلمة ومثقفة أولا، ثم تأثيرية دورها الاقتصادي في سوق العمل.
إن تفعيل الجزء المعطل من المجتمع وأقصد به المرأة وخاصة المرأة العاملة واستثمار قدراتها ومهاراتها المادية والعلمية والمهنية في المجالات التنموية بصورها المختلفة هو أساس تحريك مشروع الحوار الوطني ووسيلة من وسائل تحقيق أهدافه.
وهذا لن يتم إلا في ضوء معرفة واضحة تنطلق من ركيزتين أولهما: ماذا تريد المرأة من المجتمع وماذا يريد المجتمع من المرأة؟، وثانيهما: كيف تستطيع المرأة تنفيذ دورها الفكري والتنموي والتربوي في تنشيط الوعي المجتمعي، ولابد لهاتين الركيزتين، أن تكونا هيكل منهج حوارنا، منه تبنى الرؤى وتصاغ الأساليب التحاورية، وتحديدهما بصورة منسقة ومتوازنة التكوين، وهذا يمكننا من السير على الطريق المضيء وفق رؤية واضحة نستطيع من خلالها تحديد احتياجاتنا ومواضع قصور وعينا، ومتطلبات تطورنا، لصناعة مناهج تخطيطنا وكيفيات تنفيذها، ودون ذلك سوف يسير حوارنا دون خارطة، وهذا لن يسهم في تحقيق أهداف الحوار الوطني.
الإنجازات العظيمة لا تتحقق إلا من خلال نظريات وأفكار تبنى على أسس منطقية تتم صياغتها وفق اعتبارات الاحتياج والظروف والقيم وخصوصية الأيديولوجية الاجتماعية، واحترام هذه الخصوصية لا يعني تقديسها أو زرعها كسياج إعاقي لحراك التطوير، والحقيقة أن فكرة الخصوصية الأيديولوجية للمجتمع السعودي أسهمت بشكل غير مقصود في تجميد تطويره الاجتماعي، ولاشك أن التطوير لا يحتاج إلى أفكار جميلة ونظريات منطقية فقط بل يحتاج إلى استراتيجية تنفيذ قائمة على دراسات وأبحاث، وكلما اقتربت طرق التنفيذ من حيز الفكرة التنموية أدت إلى سرعة الإنجاز، ولعل السؤال الأجدر بالبحث كيف نستطيع أن ننشط دور المرأة في الحوار الوطني؟، وأنا أركز على المرأة العاملة التي أصبحت تمثل نسبة عالية من المجتمع السعودي، فعدد الموظفات في قطاع التربية والتعليم فقط تقريبا (200) ألف موظفة سعودية، لو أن هذا العدد أو نصفه أو ربعه، استثمر في مجال الحوار التوعوي لقضايا المجتمع وجند في التوظيف التنموي لتفعيل اقتصاده لحققنا إنجازا باهرا بكل المقاييس، إذن من المسؤول عن غياب تنشيط تبني المرأة العاملة قضايا المجتمع والحوار الوطني والتفاعل مع محاوره ضمن منهجية حوارية تسهم في تطوير المجتمع، المسؤول هنا ضمير غائب، لأننا نفتقد المؤسسات والجمعيات النسوية، المخولة للتعريف بقضايا المرأة ومشكلاتها وتوجهاتها الفكرية سواء في المحافظات أو القرى النائية، والمسؤولة في جمع شمل الفكر النسوي، إننا أيها السادة نحتاج في المقام الأول إلى معرفة قضايا المرأة السعودية الاجتماعية والدينية والثقافية، وهذا الأمر يساعدنا على إيجاد رؤية مدركة للطريق الصحيح، لنرسم ملامح واضحة للصورة، واقترابا من المعنى أقول لابد أن أوفر علاقة صحية بين المرأة والمجتمع حتى تستطيع أن تتفاعل وتنجز بالشكل الصحيح والمفروض، وهذه العلاقة لن تتم إلا في ضوء حوار توعوي يستقبله المجتمع ويؤمن به كفكر وكتنفيذ لتدعيم جدية التطوير، لكن كيف نستطيع إيجاد وتفعيل هذا التنشيط؟ إن تنشيط دور المرأة العاملة في مجال الحوار الوطني، وتفعيله، أمر ليس يسيرا، لكنه ليس مستحيلا، فنحن نحتاج إلى أشياء عديدة، أولها التخطيط الذي يجب أن يراعي طبيعة جغرافية المملكة، ويحدد الفترة الزمنية التي يجب أن تنفذ خلالها الخطط لتقيم نتائجها فيما بعد، نحتاج أيضا إلى تصميم برامج إرشادية توجه إلى المرأة العاملة، لتعريفها بمفهوم الحوار الوطني وأهدافه وكيفية مشاركتها في تفعيلة تنفيذ هذه البرامج.
* لا شك أن المرأة تريد الكثير، لكن تظل الحكمة أن نبدأ بأوليات التكوين، وهذا أمر مهم، أقصد أن نميز بين الأوليات في مطالبنا والضروريات لتفعيل عجلة تطور المنجز الحضاري، وبين كماليات المنجز، والتفريق في حد ذاته مهم للغاية، لتخزين موارد الجهود والأفكار والوقت لاستثمارها بالقدرة والكفاية المفتعلتين لتحقيق أهدافنا، وهذا الأمر لا يتم إلا عن طريق استيراتيجية مسبقة تبنى عليها أوراق العمل، كرؤيا استشرافية لمستقبليات المرأة السعودية وفق حيثيات متعددة، كالمستوى التعليمي والثقافي والاقتصادي والمهني للمرأة السعودية، ووفق دراسة المستجدات العالمية في كافة المجالات، وهذا مطلب أرى أنه حيوي، لأنه يبني مشروعاتنا على قاعدة ضوئية واضحة لطبيعة المتلقي المستفيد الأول كمفعل للمنجز ومستفيد منه، كما أنه يحمينا من التخبط والعشوائية وتكرار حالات الخطأ، ويعيننا على الاستفادة من التجربة الناجحة والفاشلة للمجتمعات الأخرى، وليس من العيب أو النقصان، أن نتأمل تجارب المشروع النسوي في المجتمعات العربية للاستفادة منها، أقول الاستفادة وليس اقتباسها، فلكل مجتمع تفاصيل سماته الخاصة.
* أما فيما يتعلق بأبرز المطالب فحسبما أرى:
1 إنشاء اتحادات نسائية تضمن كل التيارات المختلفة مناهضة للعولمة الرأسمالية ومؤمنة بأهمية التضامن العالمي والمساندة الشعبية في مواجهة ذلك التحدي المفروض على الساحة الدولية والمحلية.
2 إعطاء مساحة أشمل من المفاعلة للمرأة كفكر مستقل.
3 تفعيل دور المرأة في السياسة الداخلية كالمشاركة في مجال الشورى والوزارة، وعن طريق إنشاء النقابات المحلية ودورات الانتخاب وخاصة في المؤسسات التي تحتل المرأة فيها نسبة عالية من الأيدي العاملة مثل قطاع التعليم، والصحة لمنحها فرصة تفعيل دورها التخطيطي الإداري والتنفيذي.
4 تبني مشروع إنشاء هيئة لحقوق المرأة السعودية تلجأ لها المرأة لا كسلطة قضائية بل كسلطة دفاعية.
5 تبني مشروع لإنشاء المشاريع التنموية الصغيرة للمرأة العاملة لدفع عجلة الاقتصاد المحلي، تبني مشاريع اقتصادية بمعية سيدات الأعمال للمشاركة في أزمة البطالة النسائية، فالتقارير الدولية تفيد بأن المرأة السعودية تملك 3.4% من مجموع الشركات السعودية داخل المملكة.. فهناك 1500 شركة ومؤسسة مسجلة.
زيادة قوة العمل النسائية من 8.32% التي كانت في عام 1999م، إلى 1.43% من إجمالي الإناث اللاتي في سن العمل، في نهاية الخطة عام 2004م.
5 تبني برامج إصلاحية تهتم بما يلي:
مشاريع تهتم بالمرأة القروية والريفية والبدوية، تعليميا وصحيا.
مشروع يهتم بالتوعية الأسرية على كافة المستويات بما فيها مشروع أسلمة البرامج التربوية، فالأسرة الواعية بدورها ومستوياته هي من تخلق المواطن الصالح أساس المجتمع المتطور حضاريا، كما تنص عليه فقرة (ب) من البند الخامس للاتفاقية (كفالة تضمين التربية العائلية فهما سليما للأمومة بوصفها وظيفة اجتماعية، والاعتراف بكون تنشئة الأطفال تربيتهم مسؤولية مشتركة بين الأبوين على أن يكون مفهوما أن مصلحة الأطفال هي الاعتبار الأساسي في جميع الحالات).
مشروع تفعيل الوعي القرائي الأسري وتنفيذه.
مشروع لتفعيل أدب الطفل وبرامج تثقيفه.
وضع برامج توعوية في مجال صحة المرأة الحامل، فنسبة المواليد المعاقين في السعودية تبلغ 1 في الألف ما يجعل عدد الأطفال المعاقين سنويا بين 400 إلى 500 معاق ويوجد حاليا 720 ألف معاق يشكلون 4 في المائة من السعوديين.
تفعيل برامج الرضاعة الطبيعية، وامتداد وقت الرضاعة للأم العاملة من ساعتين للرضاعة إلى أربع ساعات.
تكثيف البرامج الإرشادية للقابلين على الزواج، للحد من ارتفاع نسبة الطلاق التي وصلت في العام الماضي إلى 16 ألف حالة طلاق.
إنشاء دور حماية أسرية لحماية النساء والمراهقات والأطفال من العنف الأسري، إذ أن نسبة العنف عند الأطفال السعوديين (21%).
تبني مشروع يحظر زواج الصغار وعقد خطوبة الفتيات غير البالغات، وتتخذ التدابير الفعالة المناسبة، بما في ذلك التدابير التشريعية، لتحديد حد أدنى لسن الزواج ولجعل تسجيل عقود الزواج في السجلات الرسمية إجباريا.
إنشاء مركز للإرشاد القانوني والاجتماعي للمرأة.
حق الجنسية لأبناء السعودية من غير سعودي بمجرد الولادة، دون الانتظار لبلوغ سن الثامنة عشرة.


* تربوية وكاتبة سعودية

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
قضايا
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved